خضعت جمهورية ميانمار المعروفة بـ”بورما” لسنوات من الحكم العسكري امتد من عام 1962 إلى 2011، ومنذ هذا التاريخ بدأ حكم مدني للبلاد لم يستمر طويلًا حتى الانقلاب العسكري الجديد يوم الاثنين الماضي.
قائد الجيش مين أونج هلاينج، أعلن السيطرة على البلاد والقبض على الرئيس وين مينت وزعيمة حزب الرابطة الوطنية ورئيسة الوزراء أون سان سو تشي، وعدد من كبار مسئولي حزبها الحاكم.
انقلاب عسكري جديد في ميانمار
ميانمار التي خضعت للحكم العسكري مجددًا، يبلغ عدد سكانها نحو 50 مليون نسمة، وتضم عدة أعراق، لكن العرق السائد هو العرق البرمان، وتبلغ نسبته نحو 40% من عدد السكان.
بورما أو ميانمار واحدة من أكثر البلدان تنوعًا عرقيًا في العالم. شهدت طوال وجودها كدولة مستقلة مجموعة معقدة من النزاعات بين الحكومة المركزية والأقليات العرقية التي تسعى إلى الحكم الذاتي، انتهت إلى عملية سلام أدت إلى وقف إطلاق النار بينهم عام 2015.
عدد من الأقليات تتعرض للتمييز وتتهم الحكومات المتعاقبة علنًا بسياسة “البورمان” المتعمدة، لذلك فهم لا يشعرون بالتهميش الاقتصادي فحسب، بل يشعرون أيضًا بأن حقوقهم الاجتماعية والثقافية والدينية تتعرض للقمع.
أهم الأقليات الدينية والإثنية في ميانمار
الروهينجا: أقلية مسلمة يبلغ عددها نحو مليون نسمة، حازت اهتمامًا واسعًا السنوات الماضية بسبب أعمال العنف التي تعرضت لها على يد قوات الجيش. كما فر الآلاف منهم هربًا إلى دول مجاورة مثل بنجلاديش وتايلاند.
الكاشين: أقلية مسيحية وجاءت من إقليم التبت ولها فصيل مسلح يدعى “جبهة تحرير كاشين”. دخل جيش الكاشين في قتال دام مع جيش بورما، حتى انتهى الأمر إلى هدنة بين عام 2015.
ويُعتقد أن ما بين ثلثي و90% من الكاشين مسيحيون، بينما يتبع الباقون منهم ديانات وثنية أو البوذية.
اقرأ أيضًا.. “التاتماداو” ينقلب على دستور كتبه.. ماذا يحدث في ميانمار؟
الكارين: ثاني أكبر العرقيات في البلاد، وتقدر أعدادهم بنحو 30% من السكان، ينتمون إلى عدد من المجموعات العرقية ذات الأصول التبتية والوسطى. كما أنهم يتحدثون 12 لغة مترابطة ولكن غير مفهومة بشكل متبادل (اللغات الكارينية) وتشكل جزء من مجموعة التبت البورمانية من الأسرة الصينية التبتية.
كما أن معظمهم من الوثنيين والمسيحيين الذين يعيشون في التلال.
شان: هي الأقلية الأكبر في ميانمار، وتقدر أعدادهم بنحو 5 ملايين نسمة، ومع ذلك فإن مصطلح “شان” نفسه يمثل مشكلة، على الأقل كما تستخدمه السلطات.
حيث يشمل مسمى “شان” 33 مجموعة عرقية هي في الواقع مختلفة تمامًا وغير مرتبطة إلى حد كبير باستثناء القرب الجغرافي.
ليست الروهينجا فقط
المون: تشير التقديرات إلى أن أعدادهم ما بين 4 و8 ملايين، لكن هناك تقديرات أخرى تقلل من الرقم حتى 2% فقط من إجمالي سكان البلاد، أو ما يزيد قليلًا عن مليون.
عرقية مون تعيش في ولاية مون أو بالقرب منها، وتقع بين تايلاند من الشرق، وساحل بحر أندامان إلى الغرب.
كاريني: يصعب تأكيد أعدادهم بالضبط بسبب عدم وجود إحصاءات موثوقة. لكن أحد التقديرات الموثوقة تقول إنهم حوالي 250000 شخص.
العديد من كاريني يتركزون في ولاية كاياه، بين ولاية شان في الشمال الغربي وكارين في الجنوب الغربي.
هناك أيضًا عدد كبير من السكان الناطقين بـKayah في ولاية شان. كما يُعتقد عمومًا أن معظم كاريني مسيحيون على الرغم من أن نسبة كبيرة منهم بوذيون.
ماذا يعني انقلاب ميانمار بالنسبة للأقليات؟
مابرور أحمد، مؤسس ومدير مجموعة Restless Beings، وهي منظمة حقوقية مقرها بريطانيا، قال في تصريحات إعلامية إن “الخيارات المتاحة للشعب البورمي محدودة للغاية. أنا لا أعتقد أن هناك تأثيرًا كبيرًا داخل البلاد”.
أحمد اعتبر أن محنة الروهينجا والأقليات الأخرى في الدولة ذات الأغلبية البوذية قد تكون أكثر خطورة وسط هذا الاضطراب السياسي.
الأقليات العرقية والدينية بما في ذلك الروهينجا، تم استبعادهم إلى حد كبير من انتخابات عام 2015. وقبل انتخابات نوفمبر التي سبقت هذا الانقلاب، تم استبعاد العديد من الأقليات -حوالي 1.5 مليون ناخب- من المشاركة على الإطلاق.
ماونج زارني، الناشط البورمي والمؤسس المشارك والأمين العام لـForsea لمناصرة الديمقراطية وحقوق الإنسان في جنوب شرق آسيا، يقول إن حقوق الإنسان قد تزداد سوء أعقاب الانقلاب الأخير.
قائد انقلاب متهم بجرائم حرب
التخوفات تأتي من تعرض الأقليات في بورما إلى القمع، خصوصًا أن “هلاينج” رئيس التاتماداو وقائد الانقلاب، متهم بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب. كما أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات عليه في 2019 بسبب انتهاكات ضد الروهينجا.
ناشطون يرون أن الانقلاب العسكري في ماينمار يمنح إدارة بايدن الجديدة والشركاء الدوليين فرصة لممارسة ضغط متجدد على البلاد. يأتي ذلك عندما يتعلق الأمر بانتهاكات حقوق الإنسان والفظائع ضد الروهينجا.
لكن بعض المدافعين حذروا من أن الضغط الدولي المفرط على ميانمار، خاصة إذا كان مرتبطًا بالروهينجا، قد يؤدي إلى عواقب غير مقصودة لإثارة رد فعل عنيف من الجيش ضد الروهينجا وباقي الأقليات.
المعطيات تشير إلى مستقبل قاتم لأقليات ميانمار ومستقبل البلاد الديمقراطي، حسبما يقول ناي سان لوين الناشط الحقوقي لإذاعة صوت أمريكا: “ستعاني البلاد بأكملها لسنوات. لا نعرف إلى متى.”