داخل قرية كفر العجايزة في محافظة المنوفية شمالي مصر، وفي صقيع شهر طوبة، وقف الفنان عزت العلايلي، يحاول إقناع أحد الفلاحين بالنزول إلى الساقية لاستقصاء عمقها والعلم بأغوارها، وما بها من كائنات لا تراها العين المجردة. رفض الفلاح عرض “الجنيه” الذي قدمه له العلايلي “الساقية كلها ديدان ولو هتنزل يبقى عليه العوض”. لم يجد العلايلي مفرًا من النزول، فخلع قميصه وقفز إلى الساقية، ليقوم بأداء واحد من أهم الأدوار في تاريخ السينما المصرية؛ مشهد إنقاذ الجاموسة في فيلم “الأرض”.

توفي الفنان عزت العلايلي، صباح اليوم الجمعة، عن عمر ناهز 86 عامًا. ومن المقرر أن تقام صلاة الجنازة عليه بعد صلاة العصر بفي جامع المروة بجوار مستشفى “دريم لاند”. حسب ما أعلن نجله محمود العلايلي.

العلايلي عاشق السينما

تعددت أدوار العلايلي السينمائية والتلفزيونية والمسرحية، لكنه كما أكد في أكثر من حوار يعشق السينما كثيرًا، وكانت لها مكانة خاصة في قلبه، حيث مثلت طريقه للحديث عن الشخصية المصرية وسبر أغوارها، كما حدث حين قام بأداء فيلم الاختيار عام 1970 مع الراحل يوسف شاهين.

يحكي العلايلي عن الفيلم، وكيف كان خروجه إلى النار نابعًا من نكسة يونيو 1967. “بدأنا فيلم الاختيار بعد النكسة، وفكرة الفيلم كانت بعد التراكمات اللي حصلت بعد الحرب، وكان دورنا كفنانين ومثقفين وقتها إننا نعالج آثار الهزيمة، ونقول إن ما جرى كان حدثًا طارئًا، لا يعبر عن شخصية المصري بأي حال من الأحوال”.

قام العلايلي -كما يشير في حديث سابق- بكتابة السيناريو مع يوسف شاهين، واشتركا مع الأديب الكبير نجيب محفوظ في المعالجة الدرامية للفيلم.

العلايلي يلتقي كوكب الشرق

لم يكتب للفيلم النجاح “الناس شتمتنا وكنت متنكد جدًا”. خرج العلايلي من دور العرض مهمومًا ومعه زوجته تواسيه، وعادا إلى البيت، ثم ذهب يبحث عن يوسف شاهين، فوجده في ركن بالقرب من مسجد الحسين، اعتاد المثقفون الجلوس فيه. “لقيت يوسف بيقولي إنت عاوز تموتني، قلت له أنا عاوز أشرحك!”. فوجئ بيوسف شاهين يقول له “هنقابل أم كلثوم بكرة عشان فيه فيلم هيكون لك دور فيه معاها”.

انفرجت أسارير العلايلي “مكنتش مصدق نفسي فذهبنا في اليوم التالي، وقابلنا أم كلثوم التي استقبلتنا استقبالاً حافلاً”. حينها بدا على العلايلي الحزن بسبب فشل “الاختيار”، فسألته كوكب الشرق: “أنت ساكت ليه؟”. وحكى لها يوسف شاهين ما حدث، فأدارت أم كلثوم وجهها إلى العلايلي، ونظرت إليه وتساءلت: “أنت مين خلق فيك الموهبة دي؟”، ليرد: “ربنا”. ردت: “ربنا اللي حط فيك الموهبة دي تفتكر يتخلى عنك؟”. ظلت هذه الجملة تتردد في أذنه طوال مسيرته. “مكنتش مصدق نفسي وقتها وكنت ماشي بتنطط في الشارع.. الست عالجتني بكلمتين، بعد ما كنت متنكد جدًا”.

شكل العلايلي وشاهين ثنائيًا مميزًا في السينما المصرية في عدد من الأعمال المهمة. منها “الأرض” والاختيار – إسكندرية ليه – الناس والنيل. إذ كان يحب العمل مع شاهين، ويدرك أنه المخرج الكبير الذي يحب الإنسان المثقف الذي يناقشه دائمًا. “كنت أنا أحد الرذلاء الذين أحبهم يوسف شاهين، كان عندنا رأي ودايمًا بنضغط عليه في المشاهد”؛ يقول العلايلي عن صديقه.

كانت أفلام هذا الفنان الراحل لا تخرج ولا تخلو عن الإطار الاجتماعي والسياسي مثل التوت والنبوت – الطريق إلى إيلات – بئر الخيانة – قيدت ضد مجهول – الطوق والأسورة – أهل القمة – بين القصرين – قنديل أم هاشم.

آراؤه السياسية.. محب للسيسي ويكره الإخوان وغضب من مبارك

لم ينفصل الفنان عزت العلايلي عن السياسة، وهو من القلائل الذين أدلوا بآرائهم السياسية. وقد أخذ على الرئيس الأسبق حسني مبارك عدم تقديره للفنانين، وعدم إقامته احتفالات عيد الفن.

يحكي أنه وعديد من زملائه غضبوا من الرئيس السادات حينما تخلف عن حضور عيد الفن، وأرسل نائبه حسني مبارك ليحل محله. “غضبنا كثيرًا وأحسسنا أن هذا فيه تقليل للفن”. هذا الغضب يرجع إليه العلايلي سبب إهمال إقامة عيد الفن في عهد مبارك.

كان العلايلي يرى في الرئيس عبد الفتاح السيسي الإيجابية الوحيدة التي حملتها ثورة يناير. “وُلي مسؤولية مصر قائد مخلص اسمه عبد الفتاح السيسي”. كما كان ينظر إلى حكم الإخوان على أن أضرارًا عديدة. سواء على المستوى السياسي أو العقائدي، لأنهم مسوا عمق العقيدة الموجودة لدى المصريين.

نال القنان الراحل جوائز عديدة عن أعماله، كان أبرزها: أحسن ممثل عن فيلم “الطريق إلى إيلات”. وأيضًا حاز على تكريم مهرجان وهران للفيلم العربي لعام 2017، ودرع تكريمي في مهرجان “أيه أر تي” السينمائي عن في العام 2009. كما اختيرت 10 من أفلامه ضمن أفضل 100 عمل في تاريخ السينما المصرية، وهي “بين القصرين – قنديل أم هاشم – الأرض – الاختيار – زائر الفجر – على من نطلق الرصاص – السقا مات – إسكندرية ليه – أهل القمة – الطوق والإسورة”.