أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا اليوم الجمعة فوز محمد يونس المنفي بمنصب رئيس المجلس الرئاسي، وعبد الحميد الدبيبة بمنصب رئيس الحكومة المقبلة، وذلك خلال التصويت على الانتخابات المنعقدة لاختيار السلطة التنفيذية الموحدة في ليبيا، وحتى الانتخابات الوطنية المزمع عقدها في نهاية العام الجاري.

وكان كل المرشحين للسلطة التنفيذية الانتقالية في ليبيا قد فشلوا في الحصول على 70 في المئة من الأصوات المطلوبة المتفق عليها ضمن المجمع الانتخابي خلال المرحلة الأولى التي بدأت قبل 5 أيام في مدينة جنيف السويسرية، لذلك تم الانتقال إلى المرحلة الثانية وهي تشكيل القوائم الانتخابية.

وفازت القائمة الثالثة التي تضم كل من رئيس المجلس الرئاسي محمد يونس المنفي من إقليم برقة، وعضو المجلس الرئاسي موسى الكوني عن إقليم فزان، وعضو المجلس الرئاسي عبد الله حسين اللافي عن إقليم طرابلس، ورئيس الحكومة عبد الحميد محمد دبيبة من إقليم طرابلس.

وحصلت القائمة الرابعة – قائمة عقيلة صالح – على 34 صوتًا في المرحلة الأولى صباح الجمعة، قبل إعلان فوز القائمة الثالثة في المرحلة الثانية بـ39 صوتًا من أصل 74.

وعلقت مندوبة الأمم المتحدة إلى ليبيا بالإنابة، ستيفاني وليامز، على عملية التصويت قائلة إن الحكومة المقبلة في ليبيا يتعين عليها أن تكون “حكومة كفاءات وتمثل الشعب الليبي”.

وأشارت وليامز إلى ضرورة التزام الحكومة الجديدة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتنفيذ إجراء الانتخابات الوطنية في موعدها المحدد وفق خارطة الطريق الناتجة عن الملتقى ومخرجات برلين.

من هو  عبدالحميد الدبيبة؟

انتخب عبدالحميد الديبية رئيسا للحكومة المقبلة، وهو رجل أعمال وسياسي ليبي، من أبرز أثرياء مدينة مصراتة، ومعروف أنه مقرب من تنظيم الإخوان ومن أنقرة تحديد، حيث أدرجه البرلمان الليبي في يونيو 2017 في لائحة تضم العناصر والكيانات المتهمة بالإرهاب، باعتباره ممولا للكتائب المسلحة الموالية والتابعة لجماعة الإخوان المسلمين.

تشي خلفية الديبية وعلاقاته النافذة بتركيا بالطريقة التي سيدير بها، وما إذا كان سيكمل الدور الذي لعبه فائز السراج ، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، المدعوم من تركيا.

ماذا يحدث في ليبيا؟

تعاني ليبيا من أوضاع سياسية وأمنية متدهورة بسبب الانقسام السياسي الذي استمر لأكثر من 5 سنوات بين حكومتين متنازعتين تدعي كل منهما الشرعية لحكم البلاد وتحظى كل منهما بدعم من قوات أجنبية وجماعات مسلحة.

وسيطر في الشرق المشير خليفة حفتر القائد العام لقوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) والمدعومة من مصر والإمارات، بينما بقيت العاصمة طرابلس ومناطق الغرب تحت سيطرة فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني والمدعومة من تركيا.

وظلت حكومة السراج هي الحكومة المعترف بها دوليًا حتى قرار توحيد السلطة وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية خلال جولات ملتقى الحوار السياسي الليبي التي بدأت في نوفمبر الماضي تحت رعاية الأمم المتحدة.

الحوار السياسي الليبي

بدأت الجولة الأولى من ملتقى الحوار السياسي الليبي في نوفمبر 2020 في العاصمة التونسية، بحضور 75 مشاركًا ليبيًا من النساء والرجال الذين يمثلون الأطياف السياسية والاجتماعية الليبية. وتم وضع خارطة طريق لتشكيل حكومة انتقالية جديدة، بما يتماشى مع مخرجات مؤتمر برلين، وتحديد اختصاصات كل من المجلس الرئاسي ورئيس الحكومة ومعايير الترشح لهذه المناصب، بالإضافة إلى إجراء انتخابات وطنية، وصولًا إلى الجولة الأخيرة التي انطلقت الاثنين الماضي في جنيف من أجل انتخاب السلطة التنفيذية الجديدة.

ويرى الباحث والمحلل السياسي أحمد كامل البحيري أنه لا يمكن في الوقت الحالي تحديد ما إذا كان ما يحدث الآن سيؤدي إلى إنهاء الصراع القائم في ليبيا بالفعل أم لا، لكنه في كل الأحوال يعتبر خطوة إيجابية بشكل كبير على الطريق، وأهم ما فيها هو الاتفاق على الاختصاصات والصلاحيات.

وأوضح البحيري أنه لابد من توحيد المؤسسة العسكرية والأمنية، مشيرًا إلى أن هذه هي المرحلة التالية الأكثر تعقيدًا والأكثر إشكالية، لأنها ستؤثر على بنية النظام الرئاسي مهما كان هناك توافق على السلطة التشريعية.

وأضاف أنه في حالة عدم توحيد المؤسسة العسكرية والأمنية سيظل الصراع قائمًا لأنه في النهاية “صراع قوة ومن يملك السلاح”، مشيرًا إلى أنه إن كانت هناك إرادة داخلية وأجنبية أيضًا فهي للاتفاق على الدستور وتقسيم الانتخابات وحصص كل إقليم من الأقاليم الثلاثة (برقة وطرابلس وفزان) وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي تطمح الأطراف الدولية لإجرائها بنهاية 2021عام.

وتهدف الحكومة المؤقتة إلى إعادة توحيد المؤسسات الليبية من خلال الانتخابات الوطنية، على أن يتم استبدالها بسلطة تنفيذية منتخبة في 24 من ديسمبر المقبل، الذي يصادف إعلان استقلال الدولة الليبية في العام 1951، علمًا بأن هذه الانتخابات ستكون الأولى في ليبيا منذ العام 2014.

ماذا حدث في برلين؟

عقد “مؤتمر برلين” في 19 يناير عام 2020 في العاصمة الألمانية بدعوة من المستشارة أنجيلا ميركل، وبمشاركة وطرفي النزاع في ليبيا وقادة الاتحاد الأوروبي والأطراف الفاعلة في الملف الليبي، بالإضافة إلى ممثلين عن الأمم المتحدة، في محاولة للوصول إلى توافق في الآراء بين الدول المعنية بالأزمة الليبية ووضع تصور لحل سياسي واقعي للأزمة، تحت مظلة دولية لحماية الحوارات الليبية حول المستقبل.

وتم الاتفاق في برلين على تنفيذ خطة عملها في إطار 3 مسارات لحل الأزمة الليبية، وهي: المسار السياسي، والمسار الاقتصادي، والمسار الأمني والعسكري المتمثل في لجنة (5+5)، وهي لجنة عسكرية مشتركة تحت رعاية الأمم المتحدة هدفت إلى إعلان الهدنة ووقف إطلاق النار، ونزع السلاح، ومكافحة الإرهاب، والترتيبات الأمنية ومراقبة الحدود. هذا بالإضافة إلى حظر السلاح كخطوة أولية وضرورية لوقف إطلاق النار وحقن الدماء في البلاد.

ووضع مؤتمر برلين حجر الأساس لخطة العمل الدولية لحل للأزمة الليبية، وصدق عليه مجلس الأمن بقرار رقم 2510 في فبراير 2020، الذي شدد على ضرورة الالتزام بسيادة واستقلال وسلامة ووحدة الأراضي الليبية، ودعم الجهود التي يقوم بها المبعوث الأممي إلى ليبيا، والذي كان في وقتها غسان سلامة حتى استقالته من منصبه في أول مارس 2020 “لأسباب صحية”، لإنهاء الأزمة بين الأطراف المتحاربة في ليبيا.

كما شدد قرار الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، على رفض الحل العسكري للأزمة الليبية، وضرورة التزام الأطراف التي شاركت في مؤتمر برلين بالتعهدات التي قُطعت، “وأبرزها الامتناع عن أي تدخل أجنبي في الصراع المسلح أو في شؤون ليبيا الداخلية، والالتزام بحظر التسليح”، معربًا عن قلق عميق إزاء الأوضاع الإنسانية المتدهورة في ليبيا، بما في ذلك مستوى المعيشة وضعف الخدمات الأساسية وأوضاع المهاجرين واللاجئين والنازحين داخليًا.

وبالرغم من قرار مجلس الأمن بحظر السلاح على ليبيا، استمر طرفا الصراع في ليبيا بانتهاك الحظر ووقف إطلاق النار بشتى الطرق، كما استمرت الأطراف الدولية الداعمة لإحدى الطرفين في تدفق الأسلحة إلى ليبيا، مما أدى إلى استمرار الحرب في البلاد وإراقة المزيد من الدماء وزيادة تدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين، وكذلك استمرار المحاولات الدولية في وقف الصراع القائم والتوصل إلى الحل السياسي المزعوم، حتى قامت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL) بقيادة الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بالإنابة، ستيفاني وليامز، بتسيير ملتقى الحوار السياسي الليبي للاتفاق على الإطار العام للنظام السياسي في ليبيا خلال المرحلة القادمة.

وأعرب الكاتب والصحفي محمد أنور عن تخوفه إزاء عامل الوقت الذي يتقلص قبل موعد إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية المنشودة، مما قد لا يسمح للسلطة التنفيذية الجديدة بتنفيذ برامجها الانتخابية المعلنة، مما يعني أن أغلب ما يتم عرضه فيما يخص برامج عمل الحكومة، لن تكون هناك فرصة لتنفيذه إلا ما يتعلق بالتهيئة للانتخابات الذي يعد أحد المهام الرئيسية للسلطة التنفيذية الانتقالية، من بين مهام أخرى تتضمن تحسين الخدمات المستعجلة للمواطنين وملفات أخرى مثل مسألة خروج المرتزقة، وإطلاق سراح الأسرى، وإنهاء السجون السرية، فضلًا عن ملف المصالحة.

ويضيف أنور أن ما يهم الآن هو أن يكون لدى السلطة التنفيذية المنتخبة إرادة حقيقية “وليس شعارات فقط”، حتى يكون هناك فرصة لتحقيق الهدف المنشود من وجودها خلال الأشهر القليلة المتبقية قبل إجراء الانتخابات في ديسمبر القادم.