كعادة كل عام في شهر فبراير، وخاصة في اليوم العالمي لمناهضة جريمة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث. أو ما يعرف بختان الإناث الموافق السادس من فبراير، تجتمع مؤسسات حقوق المرأة وحقوق الإنسان حول العالم لتعلن استيائها من استمرار هذه الجريمة والعادة المستقرة في كثير من الثقافات، خاصة في قارة أفريقيا، وعلى رأس قائمتها مصر. 

يحاول المدافعون عن حقوق المرآة في هذا اليوم أن يكشفوا الحقائق ويقدموا الإحصاءات عن عدد السيدات اللاتي تعرضن لهذه الجريمة البشعة، وعن معاناتهم النفسية والجسدية التي تلاحقهن نتيجة هذا الفعل الإجرامي. يحاولون شرح أضرار هذه العملية وإقناع العامة أنها غير ضرورية، ولا علاقة لها بالطهارة أو الشرف. بل أن أضرارها الجسدية والنفسية فادحة. وهو فعل إجرامي لا أساس له في الدين الإسلامي ولا أي دين آخر على وجه الأرض.

لكن، كالعادة أيضًا، يفاجئنا رد فعل بعض من الشعب المصري الذي يندفع للدفاع عن بقاء هذه الجريمة باستماتة. خاصة في السنوات الأخيرة. حيث نستطيع متابعه ردود الفعل علي منصات التواصل الاجتماعي، فنرى نساء ورجال مصريين يكفرون شيوخ الأزهر لتحريمهم هذه العادة الجاهلية، ويلعنون الدولة لإقرارها قانون يمنع هذه العملية الإجرامية ومنفذيها. 

في السنوات الأخيره، بدأنا ملاحظة بعض التعليقات التي تحاول بائسة إضافة غطاء طبي وقح على هذه العملية. هذه المحاولة الوقحة يدعمها بعض الأطباء والعاملين بالصحة معدومي الضمير، والذين يمثلون نسبة كبيرة من مرتكبي جريمة ختان الأناث. في وقتنا الحالي طبقًا لإحصائيات منظمة “يونسيف” فإن واحدة من كل ثلاث فتيات (من سن 15 لـ 19) يتعرضن لتشويه أعضائهن التناسلية تعرضن لذلك علي يد طبيب أو أحد العاملين بالصحة.

فما هذه الموضة الجديدة المصاحبة لجريمة الختان وهل لها أساس علمي؟ في بدايه الأمر دعوني أذكركم بتفاصيل عملية ختان الإناث وما تتضمنه من تشويه جسدي وإرهاب نفسي 

ختان الإناث هي عملية قطع أو تشويه الأعضاء التناسلية الخارجية دون سبب مرضي يستدعي التدخل الطبي. القطع غالبًا يستهدف جزء يسمى “البظر” وكذلك جزء “الشفتين الداخليتين”.  والبظر هو جزء حساس جدًا من الأعضاء التاسلية للأناث، جزء منه موجود في مقدمة الفرج (الجزء الخارجي للمهبل)، ويساعد على وصول النساء للمتعة والنشوة الجنسية عندما تتم مداعبته.

يحتوي البظر على 8000 نهاية عصبية ما يجعله جزء حساس جدًا أكثر حساسية من العضو الذكري بكثير، والذي يحتوي على نصف هذا العدد من الناهايات العصبية. أما الشفتان الداخليتان فتحيطان بالبظر من أعلى ويشكلان شكلاً بيضاويًا حول فتحتي البول والمهبل.

تقوم بعض الشعوب خاصة في أفريقيا والشرق الأوسط وفي أسيا بممارسة هذه العادة على الفتيات في سن الطفولة وحتى أوائل سن البلوغ 15 سنة، حسب تقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2020. وتمارس هذه العادة لعدة أسباب، منها الاعتقاد الخاطئ بأنها أمر وتشريع ديني، ومنها كمحاولة للسيطرة على الأحاسيس والأفكار الجنسية عند النساء، تخوفًا من انخراطهن في ممارسات جنسية قبل الوزاج، ما يهدد “شرف العائلة”. 

الأبحاث العلمية تشير إلى أن عملية الختان نفسها لا تؤثر علي رغبة المرأة أو تفكيرها في الجنس. لكن تتسبب في أضرار طويلة المدى على الصحة الجسدية والنفسية. يشير تقرير اليونيسف لعام 2009 إلى أن عمليه ختان الأناث يمكن أن تتسبب في تعقيدات صحية مثل الألم البالغ أثناء العملية ولاحقًا عند الجماع، والنزيف الحاد الذي قد يودي بحياة الفتاة،  واحتمالية التأثير على الخصوبة، وكذلك خطورة التعرض لفيروس نقص المناعة المكتسب والمتسبب في مرض الإيدز. السيدات الاتي تعرضن لهذه الجريمة هن أيضًا أكثر عرضة لاختبار تعقيدات قبل وأثناء وبعد وكذلك أكثر عرضة للوفاة أثناء الولادة. الأعراض النفسية تتراوح ما بين فقدان الثقة في النفس فقدان الثقة في الأهل، الإصابة بمرض القلق المرضي والاكتئاب. كذلك يمكن أن تتسبب في تعقيدات في الحياه الجنسية للمرأة وصعوبة الوصول للنشوة الجنسية بسبب الصدمة الناتجة عن هذه العملية. 

إذن، عملية كهذه أضرارها الجسدية لا تحصى ولا تعد. كيف يمكن أن يكون هناك سبب طبي يستدعي تنفيذها من خلال قطع أو “تجميل” الأعضاء التناسلية الخارجيه للنساء؟ الإجابة، لا يوجد. تشير جميع الأبحاث العلمية التي والدراسات إلى أن هذه العملية من الناحية الطبية والنفسية والاجتماعية لا توجد أي فائدة منها أو داعي يستلزم تنفيذها. وهذا ما أقرته أيضًا منظمة الصحة العالمية. 

ما يدفعنا للتساؤل، لماذا يدافع بعض المصريين عن جريمة بشعة كهذه، مستنكرة من أغلب دول العالم، بما فيها دول إسلامية وعربية مجاورة، مجرمة قانونًا، ومحرمة شرعًا بفتوى من الأزهر الشريف؟

لا أملك الإجابة النهائية، لكن لاحظت مؤخرًا بعض الأصوات التي تتحجج لإتمام هذه العملية بأشياء من قبيل “احنا أخدناها لدكتور وهو قال هتحتاج تجميل حاجة بسيطة” أو “احنا نروح لدكتور يشوفها وهو يقرر إذا لازم أو لا” أو “أنا عملتها عن دكتور، أفضل بكتير”. والأكثر غرابة، إعلانات عيادات تجميل تنتشر على مواقع التواصل تدعو وتشجع النساء البالغات أيضًا اللاتي لم يخضن لهذه التجربة القاسية في طفولتهن أن يذهبن لتجميل أعضائهن التناسلية، مضيفين غطاءً أكثر حقارة بأن المرأه غير المختونة تكون أقل جاذبية لزوجها.   

طبعًا ينتشر هذا النوع من الخطاب ويتسلسل إلى عقول السيدات (وكذلك الرجال) بسبب الجهل الجنسي وانعدام التعليم الجنسي في مجتمعنا المصري. فشعوبنا العربية بشكل عام تكتسب معلوماتها عن الحياة الجنسية وتفاصيل أجسام بني آدم وخصوصًا أشكال الأعضاء التناسلية فقط وحصريًا من الأفلام والمجلات الإباحية. والسيدات بشكل خاص في أغلب الأحوال لا تمتلك أي وسائل للتعليم الجنسي أو حتى استكشاف أجسامهن الشخصية. بالتالي، يتخيل الجميع أن الأعضاء التناسلية تأتي علي شكل، حجم، طول ولون واحد. وإذا كانت  أعضاء إحدى أو بعض النساء والفتيات لا تتماشى مع هذا الشكل المحدد فهن غير جميلات. بل وربما مقززات ووجب التجميل. ربما يكون هذا هو السبب الذي يجعل كثير من النساء يدافعن عن هذا الفعل الإجرامي، خوفًا من الرفض أو من أن فتياتهن قد يتعرضن للسخرية من أوزاجهن؟ ربما، لكن سأستغل هذا المقال لأخبرهن أن أعضاء النساء التناسلية تأتي على كل حجم فيوجد صاحبات الشفاة الداخلية الطويلة وغيرهن أصحاب الشفاة الصغيرة، يختلف الشكل كذلك والألوان وكلهم أشكال طبيعية جدًا، ولا يوجد ما يستدعي التدخل الطبي. كذلك تختلف أشكال واحجام أجسام الرجال، ولكن هذا موضوع ليوم آخر. 

أخيرًا، على الرغم من المحاولات الكثيرة خلال العقود السابقة لإنهاء جريمة ختان الأناث وحتى بعد أن تم تجريمها قانونًا في مصر ما زالت هذه العادة قائمة وما زالت تشكل خطرًا كبيرًا على عدد كبير من السيدات والبنات. وما زال يعاد إنتاجها متخفية في رداء يبدو طيبًا من الخارج. يشير تقرير اليونيسف لعام 2009 إلى أنه بالرغم من أن بالفعل الفتيات حول العالم حاليًا أقل عرضه لهذه الجريمة مقارنة بأمهاتهم وأمهات أمهاتهم إلى أنه ما زال أمامنا طريق طويل وصعب لإنهاء هذه الممارسة تمامًا.