لكل عصر علومه وخرافاته، وإذا كان السحر والسيمياء هما دجل العصور الغابرة، فالعلوم الزائفة هي دجل العصور الحديثة. نجح الطب الحديث في القضاء على كثير من الأمراض والأوبئة الفتاكة، لكنه فشل -وسيفشل- في عدد من الحالات النادرة، في مثل هذه الحالات من الفشل المؤقت يظهر العلم الزائف ويزدهر.

يبحث المريض اليائس عن أي طريق للنجاة، فيتلقفه العلم الزائف ويمنحه بسهولة وسرعة الوعد بالشفاء.

اقرأ أيضًا.. مفهوم خاطئ ومصطلحات دنيئة.. طلاب الطب البيطري وصراع لقب “الدكتور”

إن إقرار أي عقار جديد يحتاج إلى وقت، ويفرض الطب اختبارات تجارب جيدة التصميم ودالة إحصائيًا، ولا يمكن اعتبار أي عقار علاجًا ناجعًا ما لم يكن فعالًا ومأمونًا، لذلك يتوجب مقارنة نتائج تأثير العقار على المجموعة التي تلقته، مع مجموعة أخرى ضابطة، تلقت علاجًا وهميًا (ويعرف ذلك بتأثير البلاسيبو)، وبمجموعة أخرى تعافت ذاتيًا.

وحتى تكون العينة ممثلة، ينبغي أن يكون عدد المرضى كبير، وأن تتم مقارنة النتائج من خلال عملية تقييم “عمى مزدوج”، بمعنى أنه لا ينبغي أن يعلم المرضى ولا المعالجون من يتلقون العلاج أو من يتلقون العلاج الوهمي، ولا يعد العقار ناجعًا، ما لم تظهر مجموعة العلاج تحسنًا أكبر وبفارق واضح وذي دلالة من المجموعات الأخرى. إن معظم ممارسات ما يسمى الطب البديل لم يتم اختبارها بهذه الطريقة، أو تم إختبارها وثبت فشلها، وتنطوي كثير من هذه الممارسات على التضليل وبيع الوهم، لأن عمليات التعافي الذاتية للجسم، وإيهام المرضى أنهم يتلقون علاجًا في حين أنهم لا يتلقون سوى علاج وهمي خامل، يمكن أن يجعل أي علاج زائف قد يبدو ناجعًا.

يعج سوق الطب البديل بعلاجات مزعومة لكل الأمراض تقريبًا: (السرطان، التهاب المفاصل، أمراض العظام، بالإضافة إلى طيف هائل من الأحجار والأساور والمستحضرات والمكملات الغذائية إلخ، التي لم يخضع معظمها للتجارب العلمية الدقيقة المحكمة.

اقرأ أيضًا.. بعد إهماله لسنوات.. علاء غنام: الطب الوقائى فرس الرهان أمام التحدي العالمي

من أمثلة ذلك علاج مزعوم للسرطان يسمى “الليتريل”، وهو مستخلص من أنوية الخوخ والمشمش وبه مادة السيانيد السامة بنسبة 6% من وزنه، وهو محظور من وكالة الغذاء والدواء الأمريكية ويمنع تداوله في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، ومع أن العقار ثبت فشله في كل التجارب المنضبطة، لا يزال المرضى يتوافدون على عيادات العلاج في المكسيك ودول أخرى.

مثال آخر من الطب البديل هو تقويم العمود الفقري يدويًا، أو العلاج بالإرجاع الموضعي للفقرات، أو إعادة صف فقرات العمود الفقري، المعروفة في العالم باسم: الكيروبراكتيك.

هذه الممارسة وضع أساسها في القرن التاسع عشر “دانييل ديفيد بالمر” (1845-1913) المولود في كندا.

عاش بالمر في الولايات المتحدة الأمريكية، ولم يتلق أي تعليم أكاديمي، عمل في شبابه مربيًا للنحل ثم معلمًا، ثم بقالًا في حانوته الخاص.

دخل بالمر عالم العلم الزائف من باب العلاج بالمغناطيس الذي كان منتشرًا في ذلك الوقت، مارس هذه الحرفة لعشر سنوات تقريبًا، ويزعم أنه قام بأول ممارسة لإعادة صف فقرات العمود الفقري لمريض أصم في عام 1895. إدعى بالمر -ومريضه الأصم- أن حاسة السمع قد عادت إليه بعد أن قام بالمر بعلاجه المزعوم!

اقرأ أيضًا.. الطب أولاً.. “المنسي” و”يعقوب” أحلام المتفوقين في الثانوية

قبض على بالمر أكثر من مرة وأودع السجن لإتهامه بممارسة الطب دون ترخيص، لكنه واصل عمله وساعده أكبر أبنائه في أعماله. تقوم الطريقة على مبدأين رئيسيين:

أن “جميع” الأمراض تنجم عن انسداد مسارات ما يسمى بـ”الطاقات الحيوية” التي يفترض أنها تتدفق خلال الأعصاب التي تخرج من العمود الفقري. 2. أن هذا التدفق الحيوي يمكن إستعادته بواسطة إعادة صف الفقرات.

ربما تخفف هذه الطريقة من آلام أسفل الظهر في حالات معينة، وقد تفيد في علاج عدد محدود من الاضطرابات العضلية الهيكيلية، لكن أفكارهم لا تقوم على دليل ولا تسندها التجارب، وهي ليست أكثر معقولية من الفكرة القديمة التي كانت تعتقد بأن الأمراض سببها الشياطين.
في حالات كثيرة تسبب هؤلاء في أضرار خطيرة للمرضى، وهم يدجلون حين يلجأون لاستخدام أدوات تشخيص مريبة ويكتبون الوصفات العلاجية، ويدعون إلى استخدام مكملات غذائية لم تخضع للتجارب.

إنهم يضللون المرضى حين يوهمونهم بالعلاج، ويصرفونهم عن الطرق الطبية الصحيحة التي يمكن أن تقدم لهم العون الحقيقي، كما يروجون لأوهام مفادها بأن طريقتهم يمكن اعتبارها نظامًا علاجيًا متكاملًا، ويمكن استخدامه في علاج جميع الأمراض بما فيها الأمراض المعدية وأمراض المناعة والأورام الخبيثة.

يرفضون نظرية أن الجراثيم هي مسببات الأمراض، ويناوئون تطعيم الأطفال، واستخدام اللقاحات والمضادات الحيوية، ولا يخفى على حجم الأضرار التي يمكن أن تؤدي إليه مثل هذه المواقف الرجعية.

اقرأ أيضًا.. لم يفلتوا من “العار”.. عيادات الطب النفسي تستقبل 39 ألف طفل

ومن أمثلة العلم الزائف العلاج بالطاقة- أو- الريكي. تعود هذه الممارسة إلى بدايات القرن الماضي على يد الياباني البوذي “ميكاو أوسوي” (1865-1926). سافر أوسوي في شبابه إلى أوربا والصين والولايات المتحدة، واهتم بالبوذية والطاوية والمسيحية والطب والتاريخ، لكنه لم يحصل على تعليم رسمي، ولم يحصل على أي درجات علمية في اللاهوت من جامعة شيكاغو كما يدعي بعض أتباعه.

تقوم فكرة العلاج بالطاقة- الريكي- على أن أغلب الأمراض الجسدية والنفسية سببها عدم وجود اتزان في “الطاقة و”الشاكرات”، وأن هناك سبعة مراكز للطاقة في جسم الإنسان تقع على محور العمود الفقري.

وتعرف الشاكرات، بأنها مفاتيح أو مراكز الطاقة السبعة التي تتحكّم في الطاقة العقلية والروحية والعاطفية، والتي عن طريقها يستطيع المعالج الوصول إلى نتيجة مع مريضه.

وتعتمد هذه التقنية الزائفة على مجموعة متناثرة من الأقوال المرسلة والحكايات الشخصية كمسوغات: نحن جزء من الكون، نسبح في عالم مزدحم بالموجات، نحن جزء من منظومة كونية متناهية الدقة، متكاملة المهام، مختلفة القدرات، نحن نتأثر بكل شيء، الإنسان لا يحمل طاقة سلبية فقط، بل يحمل طاقتين إحداهما سلبية، وأخرى إيجابية، والعلاج بالطاقة يقوم على تفريغ الطاقة السلبية لدى المريض وشحنه بطاقة إيجابية عبر جمل ومفردات تحفيزية ذات طابع ومعانٍ تفاؤلية. كل ما عليك هو أن تتمنى!

تقول إحدى المعالجات بالطاقة: “نعم، يمكنك أن تصبح ثريًا حتى لو كنت معدماً وفقيرًا، كل ما عليك هو أن تطبق ثلاثة قوانين “قانون الوفرة، وقانون الاختيار، وقانون الإيمان.

وتفسر ذلك قائلة” أولاً، لا بد أن تؤمن بأن هناك وفرة في الكون لأن تصبح ثريًا على الرغم من ظروفك، وثانياً الاختيار، لأن الأثرياء اختاروا هذا الأمر، وأخيرًا قانون الإيمان، وهو أن تؤمن بهذا وهو جانب أساسي”.

وتقول أخرى، أن هذه الممارسة تقوم على “الإيمان” بأن الله خلق الإنسان في أحسن صورة، وأنه “لا يحتاج إلى أدوية أو علاج خارجي، وإنما علاجه في ذاته”.

اقرأ أيضًا.. استشاري الطب النفسي د. نبيل القط في حوار مع مصر 360

لكن ما الدليل على ذلك وكيف يمكن إثباته علميا؟ تجيب “هدى السالم”: ألمْ يأمرنا ديننا الإسلامي بصيام أيام البيض؟ وهي الأيام التي يكون فيها القمر بدراً كاملاً في منتصف الشهر، ثم تضيف “ما علاقتنا بالقمر إن صار هلالاً أو بدراً؟ وتجيب” اكتشفت الدراسات الحديثة(؟)، وذكرت هي في كتابها( تحيل إلى نفسها!)، أن أحد الأسباب يعود إلى تمدّد واضطراب دمائنا.

ما علاقة دمائنا بالأمر؟ تقول “نحن نعلم أن الماء يمثل 70% من دمائنا، ونعلم أيضًا أن القمر حين يكون بدرًا، وهي أيام الصيام، تحصل بحسب العلوم الجيولوجية عملية المد والجزر للبحار، أو بمعنى أصح للمسطحات المائية التي تتأثر بدورها بجاذبية القمر، وبخاصة حين يكون بدراً، وهذا يعني أن ثمة هيجانًا وتوترًا وقت المد، إذا نحن على علاقة وطيدة بالمجرات والكواكب شئنا أم أبينا.

وتضيف: “الكلام، السلبي والإيجابي، عبارة عن ذبذبات تتأثر بها حتى الحيوانات، فكيف إذاً بالإنسان؟”!

“كوين” اسم مستعار لإحدى المعالجات بالطاقة، رفضت ذكر اسمها في تحقيق صحفي نشره موقع “إندبندنت عربية” في يونيو الماضي، قالت: “نستطيع علاج بعض الأمراض النفسية، كما لو أننا أطباء في علم النفس، وقالت أنها تتقاضى ما يعادل 70 دولار في مقابل كل جلسة للقراءة والعلاج بالطاقة، تستغرق الجلسة بين 30-60 دقيقة وقد يحتاج المريض إلى عدة جلسات”!

الطب البديل

ما يسمى بالطب البديل، أو الطب التكميلي، فهو مثال على العلم الزائف، فهو من الأصل ليس طبًا، ولا يصلح بديلًا للطب، وليس دينًا، ولا يصلح بديلًا للدين. والعلوم الزائفة ليست علمًا، وإن كانت تتمسح في العلم ومفرداته وأحيانًا أدواته، وهي ليست دينًا، وإن كانت تتمسح في النصوص والكتب المقدسة.

الطاقة في الفيزياء هي كمية فيزيائية قياسية، وليس لها اتجاه، وهي كمية قابلة للقياس والتقدير الكمي، وتعرفها كتب الفيزياء على أنها “القدرة على بذل الشغل”، ومن ثم فالشغل والطاقة صنوان، وهي كمية مشتقة من حاصل ضرب كميتين قابلتين للقياس، هما القوة والإزاحة.

ومع أن القوة والإزاحة لهما مقدار واتجاه، إلا أن حاصل ضربهما القياسي، هو ما نسميه الشغل- أو الطاقة- وتقدر الطاقة في النظام العالمي الموحد للقياس بوحدة قياس تسمى “جول”، أو “كيلووات ساعة”، ومعدل استهلاك الطاقة هو ما يسمى بالقدرة، وهي أيضًا كمية فيزيائية يمكن قياسها وتقديرها، ونحن ندفع شهريًا لشركة الكهرباء في مقابل استهلاكنا للطاقة الكهربية.

يتحدث هؤلاء عن شىء آخر غير ما تعرفه الفيزياء عن الطاقة، يصنعون معجمهم الخاص، يستخدمون كلمة “طاقة” على سبيل المجاز، ويتحدثون عن الطاقة السلبية، والطاقة الإيجابية، والطاقة الكونية، والطاقة الروحية، وهي مجرد صفات لأسماء أشياء لم يتفق عليها ولا يمكن إخضاعها للتجربة، ولا يمكن قياسها، أوتقديرها كميًا.

الطاقة التي يتحدث عنها هؤلاء، هي طاقة سرية غامضة، لا يعرفها أحد سواهم، وغير قابلة للقياس، وبلا ثمن.

ثمة أربعة أنواع من الطاقة يعرفها العلم: طاقة الجاذبية، والطاقة الكهرومغناطيسية، والطاقة النووية الضعيفة، والطاقة النووية القوية، فإذا سمعت من أي دعي عن صنف خامس من الطاقة فتحسس رأسك!