طالعتنا الجريدة الرسمية في عددها رقم مكرر (ج) الصادر بتاريخ 20 يناير لسنة 2021، بصدور قرار رئيس الجمهورية رقم 19 لسنة 2021. وهو القرار الذي يتضمن مد حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر جديدة. على أن تبدأ من صباح يوم الإثنين الموافق 26 / 1 / 2021. وقد صدر هذا القرار حسب ما جاء في ديباجته، نظرًا للظروف الأمنية و الصحية الخطيرة التي تمر بها البلاد.
من الزاوية التاريخية، فإن مصر تعيش في ظل حالة الطوارئ منذ أمد بعيد، إذ أنه قد تم سن قانون الطوارئ رقم 162 في عام 1958. وقد تم فرضها لأول مرة أثناء حرب 1967. واستمر إعلان تلك الحالة إلى أن قام الرئيس السادات بإعلان إلغائها في عام 1980، ولم يستمر الأمر طويلاً، إذ تمت إعادة إعلانها مرة جديدة عقب اغتيال الرئيس السادات.
عقب قيام ثورة يناير سنة 2011، كان من أهم مطالبها إلغاء حالة الطوارئ، لكن عقب تولي المجلس العسكري السلطة تقرر إعادة العمل بها في مارس 2011 ، إلى أن تم إيقاف العمل بقانون الطوارئ قبل الاحتفال بالذكرى الأولى للثورة. وقد أعاد الرئيس محمد مرسي إعادة العمل بالطوارئ مرة جديدة لمدة شهر عقب أحداث الشغب في مدن القناة. وعقب تولي الرئيس المؤقت عدلي منصور أعلن إعادة حالة الطوارئ في أغسطس 2013 لمدة شهر. ذلك على إثر فض اعتصام رابعة. وبعد أن تولى الرئيس السيسي حكم البلاد قام بإعلان حالة الطوارئ في أكتوبر 2014، ومنذ ذلك الحين لم تزل حالة الطوارئ مستمرة ويتم التجديد لها حينًا بعد حين، سواء كان بموافقة مجلس النواب أو مجلس الوزراء.
من حيث الأصل العام يُعد نظام الطوارئ نظامًا استثنائيًا محدد في الزمان والمكان، تعلنه الحكومة لمواجهة ظروف طارئة وغير عادية تهدد البلاد أو جزءًا منها وذلك بتدابير مستعجلة وطرق غير عادية في شروط محددة ولحين زوال التهديد. لكن في ظل كل هذه التمديدات لهذه الحالة المفترض فيها أنها استثنائية، والتي باتت في ظل الواقع إلى حالة أصيلة متأصلة في النظام المصري، فلم يعد يتفق معها أو يناسبها وصف استثنائية.
أما إذا ما تطرقنا إلى ما جاء كسبب لإعلانها وهو بحسب القرار الجمهوري لإعلانها “الظروف الأمنية والصحية الخطيرة”، فإذا ما وضعنا تلك الظروف على طاولة البحث، سنرى أن الأحوال الأمنية مستقرة بشكل عام منذ فترة ليست بالقصيرة، إذ أن ما يُطلق عليه بالحوادث الإرهابية قد تخافتت كثيرًا. كما أن التذرع بوجودها كسبب لتبرير فرض حالة الطوارئ قد يصيب أحوال الاستثمار الخارجي وتدفق رؤوس الأموال بحالة من الضعف وعدم الإقبال. أما عن الأحوال الصحية، وعلى ما يبدو أن المقصود منها هو تفشى وباء كورونا. لكن هذا الوباء المنتشر عالميًا يشكل سببًا في مد حالة الطوارئ لو كان ذلك لتم إعلان تلك الحالة في معظم بلدان العالم. وهو الأمر غير الحاصل هنا، ربما بشكل كلي من كل البلدان، على الرغم من انتشار هذا المرض بشكل أكبر في العديد من بلدان العالم، وأكثر انتشارًا من مصر مرات عديدة، بحسب الأرقام المعلنة من وزارة الصحة المصرية.
فهل يتحمل المواطن المصري كل هذا التضييق والذي قارب العزل، فقد بات المواطن المصري محاصرًا ما بين توحش الحياة من زاوية الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وصعوبة العيش والحصول على كافة ضروريات الحياة من غذاء ودواء وكساء دون ترف، وهو ما يمكن توصيفه بشكل إجمالي بتفشي رقعة الفقر العام وزيادة أعداد من هم تحت خط الفقر. ما يعني انهيار ما يسمى بالطبقة الوسطى، والتي كانت فيما مضى قادرة على تلبية احتياجاتها وانصهارها في طبقة المعدمين وغير القادرين على تلبية الاحتياجات الأساسية للحياة. وبين قوانين وقرارات تضييق من حدود ونطق ممارسة الحقوق والحريات المدنية والسياسية بشكل عام وتأطر بشكل رسمي أو قانوني لما تبقى من هوامش لممارسة أي نوع من هذه المجموعة الكبيرة للحقوق والحريات.
من الأوجب على سلطات الدولة السعي الدؤوب لإيجاد منظومة عمل وحلول للمشكلات التي زادت عن قدرة تحمل المجتمع المصري من كل الزوايا والاتجاهات، والتي أهمها قاطبة المشكلات الاقتصادية والحياتية، والتي تؤثر بشكل نافذ على حياة المواطنين، ولا أرى في تمديد حالة الطوارئ وتطبيق قانونها إلا مزيد من حالة الاختناق العام التي لن يصمد أمامها كثيراً المواطن المصري، حتى أنه بترديد مقولة محاربة الإرهاب بمثل تلك القوانين والسياسات، فأعتقد أن هذا القول مغالى فيه، لكون المدونة العقابية المصرية مزودة بالنصوص الكافية والصالحة للاستخدام في مثل هذه الحوادث، وأن التوسع في نطاق التجريم والعقاب لا يفيد المجتمع ولا يتماشى مع ما جاء بالدستور المصري فضلا عن الاتفاقيات الدولية المعنية بالمسائل الحقوقية، إذ أن التغول على الحقوق والحريات تحت أي مظنة أو ذريعة يضر بحقوق عامة للمواطنين لا يجوز التضحية بها إلا إذا تم وصم المجتمع بأكمله بالإرهاب، وهذا ما لا يمكن أن يتقبله عقل أو منطق، وكذلك الحال إذا ما تطرقنا إلى التذرع بالأحوال الصحية أو تفشى وباء كيوفيد 19 الذي لم يدع مكانًا في أرجاء الأرض إلا وصال فيها وجال، حتى صار أمرًا يتعايش معه المجتمع الدولي منذ ما يزيد عن عام كامل.
أما إذا ما عاودنا الحديث عن مجلس النواب الذي يستهل وجوده معنا بالموافقة على تمديد حالة الطوارئ، وحسب نص الفقرة الثانية من المادة 154 من الدستور المصري من أنه ” وفي جميع الأحوال تجب موافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب على إعلان حالة الطوارئ، ويكون إعلانها لمدة ثلاثة أشهر، ولا تُمد إلا لمدة أخرى مماثلة، بعد موافقة ثلثي أعضاء المجلس، وإذا كان المجلس غير قائم، يُعرض الأمر على مجلس الوزراء للموافقة، على أن يُعرض على مجلس النواب الجديد في أول اجتماع له”.
فهل هناك توافق من الاستمرار في تمديد حالة الطوارئ وما جاء بنص الدستور المصري من اشتراط عدم تمديدها إلا لمدة مماثلة؟ وهل قام مجلس النواب بمناقشة حيادية لمبررات إعلان حالة الطوارئ أو تمديدها، أم أن الموافقة قد جأت متسقة مع سيطرة حزب مستقبل وطن على أغلبية مجلس النواب؟ ومن نافلة القول فهل قام مجلس النواب بمناقشة هذا التعارض مع الدستور المصري بشكل رئيسي؟
من قبيل المعلوم لدى الكافة، وبشكل خاص للهيئة التشريعية، التي أقرت مد حالة الطوارئ أن الضرورات تقدر بقدرها، وهذه القاعدة تقتضي النظر بشكل أكثر دقة وتفعالاً مع التمديد المستمر لحالة الطوارئ، بحسب كونها حالة مؤقتة، لا يمكن قبول عقلاً تمديدها لكل هذه المدد دون أي فواصل، حتى صارت هي القاعدة العمومية.
أرى أن الأجدر بنا السعي نحو إيجاد حلول للمشكلات الحيايتية وعلى الأخص منها المتعلقة بالأمور الاقتصادية والتي تهم القطاع الأعرض من المواطنين، والبحث عن سبل لحلها، وحينها لن تكون هناك مدعاة لإعلان أو تمديد لحالة الطوارئ.
للاطلاع على مقالات الكاتب.. اضغط هنا