أصدرت الفنانة رانيا يوسف مؤخرًا بيانًا صحفيًا حول لقائها بإحدى القنوات الفضائية التي حلت ضيفة عليها الشهر الماضي، وأثارت جدلاً واسعًا، بسبب تصريحاتها عن مؤخرتها والحجاب والدين. وهو ما دفع بعض المحامين إلى رفع دعاوى قضائية ضدها تحمل اتهامًا ازدراء الأديان، حددت جلسة يوم 21 فبراير لنظر أولى جلساتها.

طالبت رانيا الجميع بألا يحكم بتسرع مبني على لقطات مجتزئة ومحرفة عن سياقها من الحوار. هذا وقد طلبت من المحامي الخاص بها البدء فورًا في اتخاذ كافة الإجراءات القانونية بمصر وبالعراق، وإبلاغ الجهات المختصة والمجلس الأعلى للإعلام بما تم من خداع وتشويه لحوارها. كما قدمت اعتذارها الخالص لجموع الشعب المصري.

اختتمت رانيا بيانها قائلة: “لذا فقد رأيت أن أكتب هذا البيان للجمهور الغالي بالذات في بلدي مصر الحبيبة الذي أتحصن به دومًا في مواجهة كل ما يمس الفن والفنان المصري بهدف التشويه المتعمد، ومن هنا أهيب بجموع الإعلاميين المهنيين بحق أن نتكاتف جميعًا لنحمي هيبة الكلمة، فالكلمة هيه الجسر الوحيد للفنان الذي يصل به لوجدان جمهوره”.

لم يكن هذا الاعتذار هو الأول من نوعه للفنانة، فقبل عامين حدث الأمر ذاته معها على خلفية أزمتها الشهيرة بـ “فستان البطانة”، حيث ظهرت مع المذيع عمرو أديب، وهى تبكي وتطلب من الجمهور مسامحتها، قائلة “أنا بنتكم”.

بعد الإفراج عنها خلال الأسبوع الماضي بعدما رفضت المحكمة استئناف النيابة العامة بشأن رفض قرار الإفراج عنها على خلفية اتهامها بالاتجار بالبشر، بالإضافة للإبقاء على عقوبة الغرامة المالية وإنهاء عقوبة الحبس عن تهمة إهانة قيم الأسرة المصرية اعتذرت أيضًا حنين حسام، الشهيرة بفتاة “التيكتوك”، عن أسلوبها في فيديوهاتها السابقة مع الجمهور، مشيرة إلى أنها ستقدم محتوى جديد الفترة المقبلة.

قبل ذلك أيضًا، اعتذرت الممثلة منى فاروق عبر مقطع فيديو ظهرت فيه تخاطب الجمهور، وتحكي كيف تأثر عملها بقضيتها الشهيرة، وكيف نبذها الجميع على إثر ذلك، قائلة إنها “تابت”، ونالت عقابها بالحبس.

الاعتذار للتخلص من الوصم الاجتماعي

يبدو جليًا إنهن جميعًا استخدمن أسلوب الاعتذار للتحايل أو التخلص من الوصم الاجتماعي الذي يمكن له بكل سهولة تدمير حياتهن الاجتماعية ومستقبلهن المهني. هذا الاعتذار الذي سيضمن لهن تقبل المجتمع لهن طالما أنهن أعلنوا رضوخهن والتزامهن بشروطه في سلوكياتهن، وهوياتهن الاجتماعية، وميولهن الجنسية.

السلطة الأبوية ودورها في ترسيخ العنف ضد النساء

تحمل الأعراف الاجتماعية والعادات والتقاليد في مصر إرثًا طويلاً من اتباع نهج النظام الأبوي السلطوي، في وضع معايير سلوكية لدور المرأة في المجتمع. تلك المعايير المبنية بالأساس على هيمنة وسيطرة الذكور على كافة مناحي الحياة. تلك الأعراف الاجتماعية التي تعتمد الهيمنة على أجساد النساء، ونزع حقوقهن في التمتع بالسيطرة على أجسادهن، ونزع خصوصيتهن، ما أثر على تلبية احتياجاتهن الأساسية، بداية من الرعاية الصحية، التي لا تراعي بشكل كافي حقوقهن الصحية المبنية على النوع الاجتماعي، وصولاً إلى تقييد حقوقهن في الوصول إلى مستويات تعليمية متقدمة، وعدم إتاحة فرصة متساوية مع الرجال في الحصول على حقوقهن في العمل والأجر والترقي نهايةً بحرمانهن من بعض المناصب الوظيفية المختلفة.

كل تلك العراقيل هي جزء لا يتجزأ من معايير الأعراف المجتمعية، التي تتيح للرجال الهيمنة على أجساد النساء والتحكم فيها سواء داخل الأسرة بداية من الأب، الإخوة الذكور، وصولاً إلى الزوج والأبناء الذين يرثون بطبيعة الحال الهيمنة والسيطرة على أجساد الأمهات والشقيقات، ليصل الأمر في النهاية إلى هيمنة الرجال بشكل عام على النساء في المجالين العام والخاص.

خلال العام الماضي، كان الهجوم على عدد من الشابات مثل حنين حسام ومودة الأدهم ومنة عبد العزيز هو المشهد الأبرز على وسائل التواصل الاجتماعي، وأخذ العنف ضدهن أشكال متعددة ما بين السب والقذف والتحرش اللفظي والاغتصاب وصل إلى حد، ووجهت لهم السلطات تهم ذات أبعاد أخلاقية مثل (الاعتداء على مبادئ وقيم أسرية في المجتمع المصري ونشر الفسق والفجور وخدش الحياء العام).

الأمر الذي نال استحسان عدد كبير من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الشخصيات العامة وبعض الإعلاميين الذي شاركوا عبر وسائل الإعلام المختلفة، في دعوة السلطات التنفيذية ، والقضائية بمعاقبة بعض النساء صانعات المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وهو الأمر الباعث للقلق حول ارتفاع معدلات العنف الاجتماعي ضد النساء، والمغلف بإجراءات قانونية ضدهن، والذي يعد انتهاكًا للدستور المصري الذي أكد على المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين، وكذلك الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد النساء، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة “السيداو”، وكافة المواثيق والاتفاقيات التي وقعت وصدقت عليها مصر.

الأمر الذي يستوجب معه التأكيد على ضرورة التصدي لكافة أشكال العنف الممارس ضد النساء داخل المجتمع المصري، والآثار المترتبة عليه من عرقلة تمكين النساء على المستوى الاقتصادي، الاجتماعي، السياسي.

الأعراف الاجتماعية تأثر بالسلب على البنية التشريعية

لا يمكن إنكار أن الأعراف الاجتماعية السائدة داخل المجتمعات لها تأثير كبير على طبيعة وفلسفة البنية التشريعية، فالمشرع بالضرورة هو ابن ثقافة المجتمع، ويتأثر بها، وينعكس هذا التأثير على شكل وطبيعة البنية التشريعية. لذلك سعت المواثيق والاتفاقيات الدولية إلى التأكيد على ضرورة العمل على تغيير الأعراف المجتمعية، حتى تتمكن المجتمعات من الوصول إلى المساواة ما بين الجنسين.

في هذا السياق، لعبت المؤسسات الحقوقية -خاصة النسوية- دورًا كبيرا عبر سنوات لتغيير الأنماط الاجتماعية، التي تدعو للعنف أو تحقر من دور النساء في المجتمع. كما سعت العديد من الحكومات المتعاقبة على اتخاذ تدابير وإجراءات من شأنها السعي للحد من تأثير الأعراف المجتمعية على البنية التشريعية المصرية.

وبالرغم من تلك الجهود، مازالت البنية التشريعية في مصر تحتاج إلى المزيد من العمل لتنقيتها من كافة أشكال العنف ضد النساء، والتي تعرقل وصول النساء إلى العدالة والمساواة القانونية ما بين الجنسين.

فعلى سبيل المثال:
تنص المادة 10 من دستور 2014 على أن “الأسرة هي نواة المجتمع وهي تقوم على الدين والأخلاق والوطنية. تضمن الدولة تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها “.

أيضًا المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات لعام 2018 والتي تنص على أن “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة 50 حتى 100 ألف جنيه أو بأحد هاتين العقوبتين من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري أو انتهك حرمة الحياة الخاصة أو أرسل بكثافة رسائل إلكترونية لشخص دون موافقته أو منح بيانات شخصية إلى موقع إلكتروني لترويج سلع دون موافقته، أو نشر أخبارًا أو صورًا تنتهك خصوصية شخص دون رضاه”، والمقصود في هذه المادة من يقوم باختراق حسابات الآخرين أو سرقة معلوماتهم وخصوصياتهم ونشرها بطريقة تسيء لهم.