كانت الانتخابات الخمس السابقة في إثيوبيا ذات شعارات مطاطية تمثل الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية (EPRDF). وقد أسفرت عن فوز الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي والأحزاب المتحالفة معها بكامل المقاعد البرلمانية الاتحادية والإقليمية. منذ ذلك الحين، طرح المجلس الانتخابي الوطني لإثيوبيا NEBE إصلاحات حاول أن يبث بها بعض الأمل في أن التصويت القادم -تقرر له يونيو المقبل- يمكن أن يكون أكثر عدلاً وحريةً وتعبيرًا عن الإرداة الحقيقية للشعب الإثيوبي.
مع ذلك، فإن هناك أسباب تحد من هذا التفاؤل بشأن احتمالات إجراء انتخابات سلمية في يونيو، تكون مغايرة لتلك المؤجلة من العام الماضي بسبب كورونا، والتي خلف إرجاؤها أزمة كبرى، تجلت في أدمى صورها في حرب “تيجراي”، وما أسفرت عنه من مئات القتلى وآلاف المشردين.
يتمتع حزب الرخاء الحاكم، بقيادة رئيس الوزراء آبي أحمد، بمزايا كثيرة ترجح فوزه السهل في الانتخابات المقبلة. ما قد يعيد تأجيج العنف إذا ما تم فرض الأمر الواقع على الناخبين. ولكي لا يحدث هذا، فإن حزب الرخاء مطالب بترشيد استخدام مزاياه الحالية التي من شأنها تهديد الانتخابات. وتتمثل في سلطة الحزب والطريقة التي يعمل بها.
انتشار الحزب الحاكم في إثيوبيا
يحظى حزب الرخاء الحاكم بانتشار واسع عبر الولايات الإقليمية العشر والمدينتين اللتين تتمتعان بالحكم الذاتي. وهو حزب تم تشكيله تحت اسم جديد بعد دمج الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي (باستثناء جبهة تحرير تيجراي الشعبية) مع خمسة أحزاب إقليمية مسيطرة في أقاليمها. لذلك تنتشر مخالبه في جميع المناطق، ما يمكنه من الفوز بعدد كافٍ من الأصوات في كل منطقة، وفي النهاية الفوز بـ 274 مقعدًا برلمانيًا من أصل 547 مطلوبة لتشكيل الحكومة الجديدة. أو 255 إذا تمت إزالة مقاعد تيجراي البالغ عددها 38 مقعدًا لأن الانتخابات ليست مقررة في منطقة الحرب التي مزقتها منطقة.
وفي ظل أن معظم أحزاب المعارضة متواجدة على الأرض في منطقة أو اثنتين، فإنها ستنافس في عدد أقل من الدوائر التي سيخوض فيها الرخاء معركته الانتخابية. وهو أمر آخر يرجح فوز الرخاء بنصف عدد المقاعد ومن ثم اكتساح الانتخابات بسهولة.
من بين كل أحزاب المعارضة، أعلن حزب المواطنون الإثيوبيون من أجل العدالة الاجتماعية (إزما- Ezema) النية لتقديم مرشح في كل منطقة من الدوائر الـ 435. لكن إلى أي مدى سيكون (إزما) قادرًا على التنافس ضد الوجود الراسخ للرخاء في هذه الدوائر الانتخابية. هذا سؤال مفتوح.
أبواق الحزب الحاكم الإعلامية
تنبع الميزة الثانية لحزب الرخاء في الانتخابات المقبلة من تعامل وسائل الإعلام التابعة للدولة باعتبارها البوق الاعلامي الخاص بالحزب. وهي نفس الطريقة التي اتبعتها الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية سابقًا. فنادرًا ما تمكنت أحزاب المعارضة من التواجد الإعلامي في كل من التلفزيون والإذاعة والصحف العامة. وفي حال ما تمكنت من الوصول فذلك يكون لتقديم الدعم لإنجازات الجبهة، وليس لعرض الأجندة الخاصة بها.
ومن المفارقات أن ميرارا جودينا زعيمة حزب الكونجرس الفيدرالي الأورومو المحاصر من قبل الحكومة الإثيوبية؛ عضو في مجلس إدارة هيئة الإذاعة الإثيوبية. لكن لا يبدو أن لهذه العضوية أي تأثير.
أيضًا يمتلك حزب الرخاء مؤسسة فانا للإذاعة Fana Broadcasting Corporation، الناطقة إعلاميًا باسمه، ذلك في حين يجري التضييق وفي أحيان أخرى إغلاق وسائل إعلام خاصة تتعاطف مع المعارضة. ومنها شبكة أوروميا الإعلامية، المتوافقة مع آراء أحزاب المعارضة التابعة لأورومو.
ثروة رجال آبي أحمد
الميزة الثالثة وربما الرئيسية للحزب الحاكم تكمن في توفر الموارد المالية. فقد نفذ الرخاء حملة لجمع التبرعات لم تشهدها البلاد من قبل. أقيمت خلال فعالياتها حفلة عشاء بقيمة 10 ملايين بر، حضرها الأثرياء والمشاهير. هذا بخلاف التبرعات التي تلقاها رئيس الوزراء شخصيًا من العائلة المالكة في الإمارات العربية المتحدة.
وعلى الرغم من إنفاق هذه الأموال على تطوير قطاع السياحة في البلاد. لا يمكننا استبعاد احتمال أن يستخدمها الحزب لبناء شبكة العملاء المناصرة له. وذلك نظرًا لانعدام الشفافية في التعاملات المالية. فقبل بضعة أشهر، قال رئيس الوزراء أبي أحمد لأعضاء البرلمان إنه ليس لهم الحق في سؤاله من أين يحصل على أمواله أو كيف ينفقها، طالما أنها لا تأتي من الخزانة العامة.
وبشكل مقارن تفتقر جميع أحزاب المعارضة الإثيوبية إلى الموارد اللازمة للإنفاق على هذا النوع من الدعاية.
استثمار أوجه التنمية
لا يسيطر الحزب الحاكم على أمواله الخاصة فقط. لكنه أيضًا يقرر أوجه ومناطق الاستثمار في التنمية العامة ومتى يتم تخصيصها. ما يترتب عليه قيام شاغلي المناصب في الحزب باستخدام هذا الاستثمار في صالحهم. وتكفي مشاهدة وسائل الإعلام التابعة للدولة لملاحظة احتفالات قص الشريط وافتتاح المدارس والمستشفيات والطرق ومرافق الري والعديد من مشاريع الأشغال العامة الأخرى في جميع أنحاء إثيوبيا.
هذا في وقت لا تتملك المعارضة “القرابين الانتخابية” التي يمتلكها الحزب الحاكم. وعلى وجه الخصوص للناخب منخفض الدخل المنهك تحت وطأة الديون ويميل إلى التصويت لما يسميه علماء السياسة “الفائز المؤكد”. وليس للمعارضة المجزأة والفقيرة. وفيما يتعلق بالتشرذم، فمن المتوقع أن يشارك ما لا يقل عن 52 حزبا سياسيا في الانتخابات المقبلة. هذا أقل بكثير من ذي قبل – لكنه لا يزال عددًا كبيرا.
قمع المعارضة
عسكرة الحكم وعمليات التطهير السياسي المتكررة تقدم لحزب الرخاء ميزة أخرى تسهل طريقه إلى الفوز بالانتخابات. فعلى سبيل المثال، ساهمت قرارات القيادة المركزية في الأقاليم وفرض حالة الطوارئ في كل من أوروميا (مناطق ويليجا) وبني شنقول-جوموز (منطقة ميتيكل) في الحد من حرية الحركة لمرشحي المعارضة. بل جعلها شبه مستحيلة. وإذا ظل الوضع الأمني كما هو دون تغيير، فلن تتمكن المعارضة في الغالب من فتح مكاتب حزبية أو استقطاب مرشحين أو إدارة حملاتهم الانتخابية.
إن سجن كبار القادة من مؤتمر أورومو الفيدرالي وجبهة تحرير أورومو، وبالديراس من أجل ديمقراطية حقيقية، والعديد من الأحزاب الأخرى وما حدث في إقليم التيجراي؛ يعني أن حزب الرخاء سيواجه معارضة أضعف. لا سيما في أديس أبابا وأوروميا.
قيادات داخل السجون
وعلى سبيل المثال تم إلقاء القبض على العديد من المعارضين وصلوا إلى 9000 شخص -وفق ما ذكرته “رويترز” خلال عام 2020 فقط. وكان أبرزهم كل من الصحفي ومؤسس ورئيس حزب بالديراس من أجل ديمقراطية حقيقية اسكندر نيجا Eskinder Nega، ونائبه سينتايهو تشيكول Sintayehu Chekol، و الناشطة استر سيوم Aster Seyoum، وبركلي جيربا أحد أهم قادة مؤتمر أورومو الفيدرالي (OFC) Bekele Gerba.
هذا فضلاً عن جوار محمد أحد مؤسسي شبكة أروميا الاعلامية Jawar Mohammed و Hamza Borena وديجين تافا سكرتير حزب المؤتمر الفيدرالي لأورومو Dejene Tafa والعقيد جميشو ايانا وهو عضو بارز في جيش جبهة تحرير الاورمو Gemechu Ayana والصحفي شمس الدين طه Shemsedin Taha ، و مرتع السبع عضو اللجنة المركزية لجبهة تحرير الاورومو Murataa Sabaa والمتحدث الرسمي لجبهة تحرير الاورومو محمد رجاسة Mohamed Ragasa ، والمراسل بيلاي ميناي ومذيع الأخبار مولوغيتا أنبيربير والمصور ميسجانو كيفيلجن العاملين في إذاعة الامهرة الخاصة. كل هؤلاء كانوا سيشكلون بالتأكيد معارضة قوية نسبيًا، مما يشكل تحديات خطيرة لمرشحي حزب الرخاء.
وفي نفس السياق، تواجه جماعات المعارضة التي نجت من التطهير قمعًا يبدأ من إغلاق مكاتبها إلى حظر التجمعات. حيث أعلنت جبهة تحرير الأورومو عن إغلاق مكاتبها الفرعية ووضع مقرها تحت المراقبة. ورفضت الشرطة مسيرة خطط لها حزب بلادرس في 31 يناير. بينما نظم حزب الرخاء مسيراته في مدن عدة في 2 فبراير.
بناءً على كل ما سبق، يشكك كثير من المراقبين في إمكانية أن تتخذ الانتخابات الإثيوبية القادمة شكلاً تنافسيًا حقيقيًا بين أنداد.
ما يبعد عن الانتخابات المقبلة شبح العنف
للخروج من هذا المأزق السياسي الذي يمر به المشهد الانتخابي في إثيوبيا يجب على المعارضة الاتجاه نحو الاندماج وتكوين تحالفات فيما بينها لتوسيع نطاق وصولها إلى ما هو أبعد من القاعدة العرقية الداعمة. وبالرغم من حدوث اندماجات فعليًا على الأرض إلا أن هذه الاندماجات والائتلافات لن تشكل تحديًا كبيرًا لحزب الرخاء.
وعلى سبيل المثال، بعد أن شطب حزبا الديمقراطي الإثيوبي EDP والحركة الوطنية الإثيوبية ENM وانضما لحزب هيبير إثيوبيا الديمقراطيHEDP، تبقى هذه الأحزاب الثلاثة بنفس القاعدة الجماهيرية. ومن غير المرجح أن يغير الاندماج حقيقة عدم قدرتها على تجاوز قاعدتها التقليدية بصعوبة. فهي تفتقر إلى التمثيل في مناطق مثل الصومال وعفر وسيداما وغامبيلا. والمفتاح هنا هو تشكيل تحالفات خارج قاعدة الدعم العرقية أو الأيديولوجية.
كما يجب على المجلس الانتخابي والمنظمات المعنية الأخرى الضغط على وسائل الإعلام التابعة للدولة بضرورة فتح المجال أمام أحزاب المعارضة.
أيضا يجب تقنين حجم التبرعات لكي تكون هناك عدالة في أنشطة جمع الأموال ما بين حزب رئيس الوزراء وأحزاب المعارضة. وذلك لتدمير الحواجز التي تعيق دخول الأحزاب المعارضة لنشاط جمع التبرعات. حيث تميل أحزاب المعارضة إلى الاعتماد على مساهمات العضوية والتبرعات الصغيرة، وهو أمر ليس بكاف.
أما من جانب الحكومة فيجب عليها السيطرة على الوضع الأمني المتدهور في البلاد وإعادة النظر في القضايا المرفوعة ضد السجناء السياسيين. حيث من الصعب رؤية كيف ستكون الانتخابات تنافسية وسلمية وذات مصداقية بينما يقبع العديد من كبار قادة المعارضة في السجن.
وبالرغم من ذلك قد لا يكون لدى المجلس الانتخابي ومنظمات المجتمع المدني الإرادة أو القدرة على منع حزب الرخاء الحاكم من استغلال ميزاته النسبية الحالية. لكن ما من شك في أن هناك حاجة لاتخاذ إجراءات عاجلة إذا كان هناك هدف لخلق منافسة حقيقية وليست هزلية. وكذلك منع العنف الانتخابي المتوقع.