رصد تقرير حديث صادر عن مؤسسة فريدم هاوس الحقوقية، التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها، الطرق التي تستخدمها 6 حكومات أفريقية مع المعارضين من مواطنيها بعد انتقالهم عبر الحدود، بهدف إسكات المعارضة بين المغتربين في المنفى، بما في ذلك استخدام وسائل مثل الاغتيالات والترحيل غير القانوني والاختطاف والتهديدات الرقمية وانتهاكات الإنتربول والترويع باعتقال أفراد من أسرة المعارض المستهدف.
وقالت المنظمة إن عشرات الدول تلجأ إلى أدوات عدة في القانون الدولي وممارسة ضغوط ثنائية ومراقبة رقمية إعلامية ومضايقات وتهديدات جسدية لملاحقة معارضين ونشطاء في المنفى.
القمع العابر للدول
ووثقت “فريدوم هاوس” المنظمة المدافعة عن الديمقراطية التي تحصل على الجزء الأكبر من تمويلها من الحكومة الأمريكية، 608 حالات من “القمع العابر للدول” المباشر والجسدي، ارتكبتها 31 دولة منذ 2014.
وقالت “في كل حادثة، وصلت سلطات البلد الوطن الأم جسديا إلى شخص يقيم في الخارج، خلال الاعتقال أو الهجوم أو الترهيب الجسدي أو الترحيل غير القانوني أو التسليم أو القتل المفترض”.
6 دول أفريقية من بين 31
ومن المثير للدهشة من بين 31 حكومة ترتكب هذه الأفعال القمعية؛ هناك ستة دول أفريقية جنوب الصحراء الكبرى هي: بوروندي، غينيا الاستوائية، إثيوبيا، رواندا، جنوب السودان والسودان. كما انخرطت حكومتا إريتريا وجيبوتي في قمع عابر للحدود، ولكن ليس في نفس الفترة الزمنية ليتم إدراجها في تقرير فريدوم هاوس.
يشمل هذا الاستهداف أشكال عدة منها الحوادث الجسدية – الاعتقالات، والاعتداءات، والتخويف الجسدي، والترحيل غير القانوني، والتسليم السري، والاغتيالات المشتبه بها والتي قد يمر العديد من هذه الحوادث مرور الكرام دون الإبلاغ عنها. هناك أيضا أشكال أخرى للقمع والاستهداف تستخدمها الحكومات منها تكتيكات غير مادية للقمع العابر للحدود مثل التهديدات الرقمية وبرامج التجسس والإكراه بالوكالة (مضايقة أو إيذاء عائلة المنفى أو أحبائه) وهو سلوك منتشر في دول إفريقيا جنوب الصحراء.
حكومة بوروندي
أول من ذكر في التقرير جاءت حكومة بوروندي حيث شنت حملة مكثفة ضد المعارضين في المنفى في السنوات الأخيرة، حيث تزامنت العديد من الهجمات مع موجة القمع والتهجير في 2015 و 2016 التي أعقبت قرار الرئيس بيير نكورونزيزا الترشح لولاية ثالثة غير دستورية. وبحسب ما ورد في التقرير فإن إمبونيراكوري وهي ميليشيا شبابية تسيطر عليها الحكومة، تمارس أعمالها الإرهابية في رواندا وتنزانيا وجمهورية الكونجو الديمقراطية وأوغندا وكينيا والسودان وجنوب السودان.
وفي يوليو وأغسطس 2020، تم التنسيق ما بين قوات الأمن التنزانية والبوروندية لاحتجاز وتسليم ما لا يقل عن ثمانية لاجئين وطالبي لجوء بورونديين؛ وضعوا جميعا في السجن عند وصولهم إلى بوروندي.
ولم يتوقف نفوذ الحكومة البوروندية على العمل في الدول الأفريقية فقد، بل امتد نفوذها إلى أوروبا. فقد تعرض الحقوقي البوروندي بيير كلافير مبونيمبا لمحاولة اغتيال عام 2015، وبينما كان يتعافى في أوروبا قُتل ابنه وصهره على يد قوات الأمن البوروندية.
اقرأ أيضا:
“ملاك بوكافو”.. مداوي ضحايا الاغتصاب والعنف بالكونغو
القمع على الطريقة الراوندية
ولم تختلف الجارة التوأم لبوروندي (رواندا) عن نفس النهج؛ فقبل أكثر من ست سنوات بقليل امتلأت عناوين الصحف بتقارير عن مقتل باتريك كاريجيا الرئيس السابق للمخابرات الرواندية في غرفة بفندق في جوهانسبرج، مما أثار الشكوك ضد الرئيس الرواندي بول كاغامي. ومنذ ذلك الحين، تم اختطاف الروانديين في جميع أنحاء العالم واستهدافهم ببرامج التجسس والاعتقال والاعتداء وتعرض أحبائهم للأذى. في حين أن الهجمات البارزة مثل الهجوم على كاريجيا، ومحاولات الاغتيال المتعددة ضد الفريق أول كايومبا نيامواسا، والاختطاف الأخير لبول روسسابجينا في الإمارات العربية المتحدة حظى باهتمام كبير لا تحظى به باقي الحالات.
أما عن جنوب السودان، ففي عامي 2016 و2017، تم طرد أربعة منفيين من جنوب السودان من كينيا تنفيذا لطلب الأولى. أيضا قامت حكومة غينيا الاستوائية باستهداف شخصيات معارضة اتهمتها بالتخطيط لانقلاب، مما أدى إلى طرد العديد من توغو وجنوب السودان، وقيام الحكومة التشادية باعتقال شخص آخر بناءً على طلب حكومة غينيا الاستوائية. كما يزعم العديد من المعارضين وأعضاء الشتات أن الهجوم المسلح عام 2019 على المعارض المنفي سالومون أبيسو في لندن كان محاولة اغتيال.
ترتبط حملات القمع الإثيوبية والسودانية العابرة للحدود إلى حد كبير بالحكومات السابقة، لكن التقرير ذكرها لأن كل حادثة قمع عابرة للحدود لها تأثير كبير ودائم على المجتمعات المستهدفة. إلى جانب الضرر الجسدي المباشر للفرد، حيث يخلق القمع العابر للحدود انعدام الثقة والصدمة في مجتمعات بأكملها، ويحد من مشاركة الكثيرين في الانخراط في سياسة خوفا من العواقب. كما قال أحد المنفيين الروانديين لمؤسسة فريدوم هاوس: “لم تعد هناك وحدة، لم نعد نثق في بعضنا البعض”.
تسليم متبادل
وبحسب التقرير، فلم يعد القمع العابر للحدود أداة استثنائية، ولكنه ممارسة عادية ومؤسسية لعشرات البلدان التي تسعى للسيطرة على مواطنيها في الخارج.
واختتم تقرير فريدم هاوس بأن تأثيره على حقوق الضحايا كبير حتى أولئك الذين لم يتم استهدافهم بشكل مباشر قد يقررون نتيجة لهذه التهديدات ضد مجتمعهم التزام الصمت. وينطبق هذا على أكثر أشكال العنف تطرفاً سواء قتل ناشط أو معارض أو تسليم سري؛ الامر الذي يرسل موجات متتالية عبر دائرة ضخمة من الناس. وحتى التهديدات الرقمية أو التخويف الأسري – وهي الأقل ضررا والأسهل وأشهر أشكال القمع العابر للحدود – تخلق جوًا من الخوف بين المنفيين يسيطر على أنشطتهم اليومية.