تحول اشتياق المصريين الذين يدرسون في الخارج إلى الأسرة والأصدقاء إلى هاجس حقيقي يقض مضاجعم، بعد تكرار حوادث القبض على الباحثين الذين يدرسون بالجامعات الأجنبية خلال فترة الإجازة التي يقضوها في مصر. باتريك جورج وسمير سنطاوي ووليد سالم أسماء لا يربطها أية روابط سوى أنهم يدرسون في الخارج وتربطهم علاقات بسياسيين، فهل يلاحق الباحثين بسبب آرائهم السياسية والمجتمعية أم بسبب موضوعات دراستهم؟

“سمير سنطاوي”

“سمير” 29 سنة، يدرس الماجستير في الجامعة المركزية الأوروبية CEU بالنمسا، عاد إلى مصر في عطلة دراسية لزيارة أسرته. بدأ دراسته في الأنثروبولوجيا والعلوم الاجتماعية سبتمبر 2019، وفقًا لشقيقه “عبدالرحمن”.

عبدالرحمن قال: “يوم السبت 23 يناير، اقتحم الأمن المنزل الساعة 2 صباحًا، وأخذوا صور البطاقات الشخصية، وصور عقود السكان المسجلة بقسم الشرطة، وكاميرات المراقبة. وسألوا عن أحمد كان وقتها خارج القاهرة”.

“لما فتشوا البيت مكنش في أي حاجة مخالفة، ولما أحمد رجع من السفر راح القسم بنفسه يوم الاتنين 1 فبراير. من وقتها منعرفش عنه حاجة والقسم أنكر وجوده، وجالنا معلومة من حد أنه شاف أحمد هناك. لكن لم روحنا نسأل في القسم قالوا مش عندهم”.

“سمير” خريج كلية الآداب بجامعة عين شمس، ويدرس الماجستير النمسا كما قال شقيقه: “بقاله سنة ونص مسافر، وكان نازل إجازة صغيرة. باقي له 4 أشهر على التخرج، وكان بيجهز للدكتوراه”.

أحمد سمير سنطاوي

“الإخوان وأولتراس أهلاوي وسمير”

خلال عام ونصف ماضيين دخل “سمير” مصر 3 مرات وعاد مجددًا لاستكمال دراسته في النمسا. كما أن أسرته قدمت بلاغًا للنائب العام، للكشف عن مكانه بتاريخ 4 فبراير. قبل أن توجه له النيابة تهم نشر أخبار كاذبة والانضمام لجماعة إرهابية، كما يوضح المحامي نبيه الجنادي.

الجنادي قال إن “سمير” أخبره أنه سأل عن علاقتة بجماعة الإخوان وأولتراس أهلاوي، نافيًا أي علاقة بهما. كما أخبره أيضًا أنه تعرض لمعاملة سيئة في قسم الشرطة، إلا أن محضر التحقيق حرر في اليوم السابق لظهوره، وليس يوم اختفاءه.

اقرأ أيضًا.. باتريك زكي.. عام على الاحتجاز بمصر واحتفال بالمواطنة الشرفية في إيطاليا

عبدالرحمن يؤكد أن شقيقه لا علاقة له بالسياسة: “هو مش عضو في أي جماعة ولا نشر حاجة كذب، وإحنا كأسرة مش فاهمين هو ليه اتقبض عليه”.

الأسرة ترى أن ابنها سمير بعيدًا عن السياسة، هو فقط يدرس العلوم الاجتماعية في الخارج، أصدقاؤه ربما يكونون من داخل الوسط السياسي لكن هذا لا يعد بالنسبة لهم سببًا كافيًا لملاحقته والقبض عليه.

مايكل إيجناتيف رئيس جامعة أوروبا المركزية بالنمسا التي يدرس فيها “سمير”، طالب في بيان له بإطلاق سراحه وإعادته إلى أسرته ودراسته فورًا.

بعد سمير.. عام من حبس باتريك جورج 

القبض على “سمير” يأتي بينما أتم الباحث باتريك جورج عامًا كاملًا في الحبس الاحتياطي، بعد القبض عليه عقب عودته إلى مصر. “باتريك” ألقي القبض عليه في مطار القاهرة أثناء عودته لقضاء إجازة في فبراير 2020، وكان يدرس الماجستير بجامعة بولونيا بإيطاليا.

النيابة وجهت لباتريك عدة اتهامات من بينها إشاعة أخبار وبيانات كاذبة والتحريض على التظاهر دون تصريح، والترويج لارتكاب جريمة إرهابية. كما استندوا على أمر ضبط وإحضار صدر له في ديسمبر 2019.

ووفق محامو “باتريك” تعرض الباحث الشاب للتعذيب. بينما ذكرت المفوضية المصرية للحقوق والحريات في بيان لها، أنه تعرض للصعق بالكهرباء أثناء التحقيق معه.

اقرأ أيضًا.. “خريجو كلية العلوم”.. التائهون في بحر العلم

أصدقاء باتريك يمكن وضعهم في نفس دائرة أصدقاء “سمير”، وهو ما أرجعه أحد المحامين الذي رفض ذكر اسمه، ليكون السبب وراء القبض عليها وملاحقتهما أمنينًا.

كما أوضح المحامي، أن ما كانا يدرسانه في الخارج، فـ”باتريك” نشيط في المجال الحقوقي والطلابي في الخارج، والاثنان درسا العلوم الاجتماعية أيضًا. كما أشار إلى أن سبب القبض عليهما ومن سبقهما يرجع لدوائرهما المشتركة من الأصدقاء في السياسة.

باتريك جورج

دكتوراة في جامعة واشنطن.. وليد سالم

قبل سمير وباتريك كان هناك العديد من الأسماء ربما لم تلق نفس التفاعل الإعلامي، منهم وليد سالم، باحث الدكتوراه بجامعة واشنطن.

سالم ألقي القبض عليه في 23 مايو 2018، عقب لقائه أستاذ جامعي، في إطار العمل على رسالة الدكتوراه الخاصة به. بينما ظهر في نيابة أمن الدولة، كمتهم في القضية رقم 441 لسنة 2018 حصر أمن دولة عليا، حيث اتهم بنشر أخبار كاذبة، والانتماء لجماعة إرهابية.

لكن ذلك حدث قبل إخلاء سبيله عقب 6 أشهر من الحبس.

سالم قال إنه حجز للسفر على متن رحلة مصر للطيران في 8 مايو الماضي، إلا أن الأمن سحب جوازه ومنعه من السفر دون إبداء أسباب أو أمر قضائي. كما أبلغه الأمن أنه سيتم التواصل معه لاحقًا لإعادة جواز السفر، وهو ما لم يحدث حتى الآن.

الحريات الأكاديمية

اليونسكو” أوصت في مادتها رقم 11 في الفقرة (ج)، بحرية التنقل للمشتغلين بالبحث العلمي، ودعت الدول الأعضاء بالمنظمة ومن بينهم مصر بالتشجيع على ذلك. كما أكدت حرية الانتقال لاكتساب أكبر قدر من الخبرات والمهارات.

وفي تقريرها الربع سنوي لحرية التعبير في مصر لعام 2018، ذكرت مؤسسة حرية الفكر والتعبير، أن هناك تضييقًا على الحريات الأكاديمية منذ النصف الثاني من عام 2018. التضييق ليس فقط للعائدين من الخارج لكن لمن هم بداخلها أيضًا.

ليس الطلبة فقط.. أساتذة أيضًا

التقرير أوضح أنه في 15 مايو 2018، عزلت الدكتورة منى البرنس من الوظيفة مع الاحتفاظ بالمعاش أو المكافآة، عقب صدور حكم مجلس التأديب فيما نسب إليها من اتهامات.

ويرجع ذلك بسبب نشرها فيديو على حسابها الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” تقوم فيه بالرقص في منزلها، ووجهت لها تهم الظهور دون موافقة من إدارة الجامعة.

انتقدت المؤسسة ما وصفته بمراقبة حسابات أعضاء هيئة التدريس عبر مواقع التواصل، ووضع قيود على حياتهم الشخصية، وانتهاك خصوصيتهم. كما انتقد التقرير بيانًا أصدره رئيس جامعة دمنهور في 1 مايو 2018، استنكر فيه ما وصفه بقيام اﻷستاذ بكلية التربية أحمد رشوان بالهجوم على الشيخ الشعراوي.

منى البرنس

التقرير أدان أيضًا إحالة رشوان للتحقيق بسبب كتاب من تأليفه، تناول نقدًا للشيخ الشعراوي، ووصف التحقيق بانتهاك حرية التعبير والحرية الأكاديمية.

عراقيل تواجه الباحثين

محمد هلال أحد الباحثين في مؤسسة أوربية تعمل داخل مصر، قال إن هناك معوقات كثيرة تقابل الباحثين في مصر، وخاصة الأجانب.

هلال قال إن المعوقات تبدأ من الحصول على التصاريح اللازمة لإجراء البحث، كما أن السلطات ترفض منح تأشيرات دخول للباحثين الأجانب، أو العرب.

الباجثون يواجهون عراقيل أخرى، منها التضييق الأمني بالرغم من الحصول على الموافقات، والتوقيف عدة مرات عند الأبحاث الميدانية وصعوبة الحصول على المعلومات في النهاية.

خالد فهمي، أستاذ الدراسات العربية الحديثة بجامعة كامبريدج، يرى أن هناك تخوف من الباحثين الأجانب، أو المصريين الذين يتجهون للدراسة في الخارج.

فهمي قال إن التخوف يكون خاصة ممن يدرسون القضايا النوعية، والتي تهتم بحقوق العمال والنقابات وغيرها. كما تثار حولهم التساؤلات، عن سبب الدراسة، وسبب السفر للخارج، والتي ربما تنتهي تلك بالملاحقة الأمنية.

كلام مقابل أفعال

الأمر يصل وفقًا لفهمي إلى أن الأجهزة الأمنية تصور أن جزءا كبيرا من مشكلات بالبلاد ترجع للباحثين الأجانب، أو من ذهبوا للدراسة في الخارج.

على الجانب الآخر، تقول الدولة ممثلة في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إنها تهتم بالبحث العلمي وتشجع عليه. كما تؤكد الحكومة أهمية ملاحقة المستجدات والتطورات العالمية للوفاء بالاحتياجات القومية في المجالات البحثية.

أما الدستور المصري، فهو يكفل حرية التنقل والسفر، وتنص المادة (62) على “حرية التنقل والإقامة والهجرة مكفولة، ولا يجوز إبعاد أي مواطن عن إقليم الدولة. ولا منعه من العودة إليه، ولا يكون منعه من مغادرة إقليم الدولة، أو فرض الإقامة الجبرية عليه، أو حظر الإقامة في جهة معينة عليه. إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة، وفي الأحوال المبينة في القانون”.