“لجين في المنزل” هكذا غردت شقيقة لجين الهذلول بالإنجليزية عبر حسابها الشخصي على تويتر، معلنة إنهاء معاناة الناشطة النسوية البارزة في السجون السعودية.
إخلاء لجين لم يكن سهلا على الإطلاق، حيث صمت المملكة العربية آذانها عن كل المناشدات الحقوقية العالمية في العامين الماضيين لإخلاء سبيل الناشطة، حتى جاء موعد الحسم مع زيادة الضغوط “الديمقراطية” على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وجاء قرار الإفراج بعد ساعات قليلة من إعلان محمد بن سلمان عن مشروعات إصلاحات تشريعية قريبة في المملكة، تستهدف أربع قوانين هم الأحوال الشخصية، والمعاملات المدنية، والنظام الجزائي للعقوبات التعزيرية، ونظام الإثبات، لتعزيز مبادئ العدالة والشفافية، وتحقّق التنمية الشاملة
وقضت لجين عامين و8 أشهر في السجن السعودية منذ اعتقالها في 2018 ضمن ناشطات أخريات ناضلن من أجل السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة، وتغيير البيئة الاجتماعية للسيدات.
القضاء السعودي أصدر حكمًا بسجن الناشطة لجين الهذلول 5 سنوات و8 أشهر، مع إيقاف التنفيذ لسنتين و10 أشهر، لكنها أدينت بـ31 سنة، بتهم إلحاق الضرر بالأمن القومي والسعي لخدمة أجندة خارجية داخل المملكة.
وذكر أفراد من أسرة الناشطة السعودية لجين الهذلول على تويتر أمس الثلاثاء أن محكمة استئناف رفضت ادعاء لجين بتعرضها للتعذيب في السجن.
انزعاج بايدن
هذا الحكم أزعج إدارة جو بايدن المحمل برسائل سلبية عن إدارة محمد بن سلمان، حيث يعد المسؤول الأول عن مقتل الصحفي جمال خاشقجي، فبادر جيك سوليفان مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي بالتعليق على حكم القضاء السعودي، قائلاً إن “حكم السعودية على لجين الهذلول لمجرد ممارستها حقوقها ظالم ومقلق”، مؤكداً أن “إدارة بايدن-هاريس ستقف ضد انتهاكات حقوق الإنسان أينما جرت”.
وقال البيت الأبيض هذا الشهر إن الرئيس جو بايدن يتوقع من السعودية تحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك إطلاق سراح نشطاء حقوق المرأة وسجناء سياسيين آخرين.
وفي السياق نفسه، قال السيناتور الديموقراطي كريس ميرفي إنه “كان بإمكان السعودية إنهاء التعذيب والاضطهاد السياسي الذي تعرضت له لجين الهذلول كبادرة حسن نيّة لإدارة بايدن المقبلة، لكنها لم تفعل”.
وتابع ميرفي أنه “من المثير للسخرية أن كل الجمهوريين الذين يتحدثون بقوة عن انتهاكات حقوق الإنسان في الصين وكوبا وفنزويلا يصمتون عندما يحدث ذلك في الخليج”.
ليست إدارة بايدن وحدها، لجنة الأمم المتحدة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة السلطات السعودية طالبت أيضا الإفراج الفوري عن الناشطة لجين الهذلول وجميع المحتجزين من مدافعين ومدافعات عن حقوق الإنسان، معربة عن “قلقها البالغ” إزاء تدهور صحة لجين المُضربة عن الطعام منذ 26 أكتوبر الماضي احتجاجا على احتجازها.
كانت مجلة فورين بوليسي الأمريكية كشفت عن تعاقد السعودية مع 16 شركة من أجل الاستفادة من خدماتها لتحسين صورتها في الولايات المتحدة، على خلفية قضية خاشقجي، وأن “صورة السعودية تضررت أيضا إثر سجلها السيء في قضايا حقوق المرأة”، ما يعكس استجابة السعودية السريعة لرغبات بايدن في إصلاح ملف حقوق الإنسان.
من هي لجين الهذلول؟
لجين الهذلول، ناشطة مدافعة عن حقوق المرأة السعودية ضد الحظر المفروض عليها في المملكة، وهي من أبناء منطقة القصيم وهي واحدة من أكثر المناطق محافظة من الناحية الاجتماعية لكنها تنتمي إلى أسرة متحررة اجتماعيا وقد أمضت سنوات عديدة من طفولتها في فرنسا.
بدأت لجين العمل ضد الحظر المفروض على قيادة المرأة للسيارة عام 2012، ومن ثم كرست جهودها في الدفاع عن حقوق المرأة السعودية المهدرة وذلك قبل القرارات التي اتخذتها المملكة مؤخرا فيما يخص وضع نساء المملكة.
وفي مقابلة لها مع مجلة “The Time” الأمريكية، أشارت لينا الهذلول شقيقة لجين، إلى أنه خلال الأشهر العشرة الأولى التالية لاعتقال لجين، لم توجه السلطات السعودية للُجين اتهاماتٍ رسمية، ولم يكن سوى ما تقوله وسائل الإعلام السعودية، التي اتهمت لجين “بأنها خائنة وجاسوسة وعميلة لصالح قطر، وحين صدرت بحقها تهم أخيراً، كانت تتعلق جميعها بأنشطتها الحقوقية“.
وشملت الاتهامات أشياءً مثل المشاركة في مؤتمرات دولية للحديث عن أوضاع حقوق الإنسان في السعودية، أو التواصل مع بعثة الاتحاد الأوروبي في السعودية، واتهموها أيضاً بأنها تناضل من أجل منح النساء في السعودية حقوقاً منحتها لهن بالفعل الشريعة الإسلامية، وفقاً لقول لينا، كما أن واحدة من الاتهامات تستند إلى قانون الجرائم الإلكترونية”.
وفي مارس من العام الماضي، أفرجت السلطات السعودية مؤقتًا عن 3 ناشطات من بين 11 ناشطة محتجزات في سجون السعودية، وأشارت تقارير حقوقية وصحفية، إلى أن بعضهن أبلغ المحكمة بأنهن تعرضن للتعذيب والتحرش الجنسي خلال فترة استجوابهن.
وأصدرت المحكمة الجزائية بالرياض، أمرًا بالإفراج المؤقت عن الناشطات رقية المحارب وعزيزة اليوسف وإيمان النفجان، بعد تقدمهن بطلب الإفراج المؤقت للمحكمة، بحسب وكالة الأنباء السعودية.
وأفادت المحكمة في قرارها، أنها ستواصل النظر في قضاياهن مع حضورهن لجلسات المحاكمة مطلقات السراح لحين صدور الأحكام النهائية والمكتسبة للقطعية فيما نُسب إليهن.
وفي مايو الماضي، وتزامنًا مع انتشار جائحة كورونا، وتوالي دعوات الإفراج عن السجناء، دعت منظمة العفو الدولية “أمنيستي”، العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى إطلاق سراح ناشطات سعوديات، ووصفتهن بـ “مدافعات بارزات عن حقوق المرأة”، بعد عامين من احتجازهن.
الناشطات السعوديات
وانضمت السعودية لـ “اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة” (سيداو) سنة 2000، وهي مُلزمة قانونا بالقضاء على التمييز ضدّ المرأة دون تأخير، بما يشمل إلغاء نظام ولاية الرجل.
وأشارت العفو الدولية، إلى اعتقال مجموعة من الناشطات السعوديات في 15 مايو عام 2018، قائلة: “لقد كن يدافعن سلمياً منذ سنوات عن حق المرأة في المملكة في قيادة السيارات، فضلاً عن إجراء إصلاحات أوسع نطاقاً تتعلق بنظام ولاية الرجل القمعي”.
وأضافت المنظمة: “في الأيام والأسابيع التي تلت ذلك، اعتقل المزيد من زملائهن الناشطات السلميات كجزء من حملة القمع والتشهير التي تشنها السلطات السعودية”.
وقالت مديرة البحوث للشرق الأوسط في المنظمة لين معلوف إنه “من المحزن أن عامين قد مرا الآن وما زالت هؤلاء النساء الشجاعات خلف القضبان، لا سيما وأن النساء السعوديات خلال هذه الفترة يتمتعن ببعض الحقوق الجديدة التي ناضلن من أجلها ببسالة”.
وتابعت: “قد حان الوقت لأن تتوقف القيادة السعودية عن استخدام القضاء كسيف مسلط على رقاب الناشطات”، مؤكدة أنه لا يمكن اعتبار حملة الإصلاح في المملكة العربية السعودية”.
البحث عن مقعد
تلك الممارسات تسببت في إخفاق السعودية في الحصول على مقعد بمجلس حقوق الإنسان لصالح دول مثل نيبال وباكستان وأوزبكستان، لكنه لم يكن مفاجئا في ظل التقارير الحقوقية التي انتقدت سياسات المملكة في هذا الملف بالتزامن مع الترشح، وهو ما ترجمه تصريح لويس شاربونو، مدير شؤون الأمم المتحدة في “هيومن رايتس ووتش”، بأنه لا ينبغي مكافأة عتاة المنتهكين بشغل مقاعد في مجلس حقوق الإنسان.