أيام معدودة تفصلنا عن قرار ربما لا يكون مفاجئًا يتعلق بمصير وزير الدولة للإعلام، أسامة هيكل،  “ألقريب من مغادرة حقيبته الوزارية”، خصوصا بعد أن قدمت لجنة الإعلام والثقافة والآثار بمجلس النواب، برئاسة الدكتورة درية شرف الدين، تقريرًا للمستشار حنفي جبالي رئيس المجلس يكشف قصور أسامة هيكل وعرضها بعض المخالفات المتعلقة بمدينة الإنتاج الإعلامي.

وسجلت اللجنة في تقريرها، العديد من الملاحظات وعلامات الاستفهام على أداء الوزير، وصلت إلى 15 بندًا، أبرزها جمعه بين منصبين وهو ما يعد مخالفة للمواد الدستور، كما أنه حمل ميزانية الدولة 12 مليون جنيهًا تقريبًا خلال ستة شهور، منها 8.5 ملايين جنيه أصول. كمال حملتته مسؤولية انفصام وزير الدولة للإعلام والصحفيين والإعلاميين والمؤسسات الإعلامية، وغياب التنسيق،  إلى جانب عدم قيام وزير الدولة للإعلام بدوره المأمول في تفعيل دور التليفزيون المصري والرقابة على المحتوى الإعلامي الذي يتم بثه من داخل مدينة الإنتاج الإعلامي.

كما انتقدت اللجنة عدم تمكن هيكل من تحقيق تواجد إعلامي مصري مؤثر في المنطقة يليق بمكانة الدولة المصرية إقليميا.

هجوم متكرر على وزير الإعلام

هذا الانتقاد يعد جزءا من حملة كبيرة نالت من هيكل على عدة مراحل، آخرها البرلمان، لكنه تعرض لأزمة كبرى في أكتوبر الماضي، الأمر الذي استدعى هجومًا كبيرًا من رؤساء تحرير ومقدمي عدد من برامج التوك شو على الوزير الذي انتقدهم، ما دفعه لدعوة عدد من الإعلاميين لعقد لقاء مفتوح بمقرّ وزارته للتباحث في دور الوزارة وسياسة الدولة الإعلامية.

ووصف هيكل، الذي عُيّن وزيرًا للإعلام منذ ما يقرب من عامين إثر قرار بإعادة الحقيبة الوزارية للتشكيل الحكومي بعد إلغائها، الانتقادات ضده بأنها “حملة مدارة”.

اقرأ أيضا:

“هيكل” والهيئات الثلاث.. بداية حرب التصريحات والإعلام محلك سر

الحملة الحالية تحيلنا إلى واقع المشهد الإعلامي في مصر إبان عام 2011، عام السيولة الإعلامية، خاصة بغدما استجابت لجنة الخمسين لتعديل الدستور (2013–2014) لمطالبات الجماعة الصحفية والإعلامية والحقوقية المنادية بإعادة هيكلة المؤسسات المسؤولة عن إدارة الشأن الصحفي والإعلامي بما يمنحها استقلاليتها عن السلطة السياسية والتنفيذية، فنصَّت على إلغاء وزارة الإعلام والمجلس الأعلى للصحافة واتحاد الإذاعة والتلفزيون (ماسبيرو).

فراغ وزارة الإعلام

إلا أن إلغاء وزارة الإعلام خلق مساحة كبيرة فارغة، حاولت لجنة الخمسين للدستور تفاديه مسبقًا عن طريق استحداث ثلاث هيئات جديدة لتنسيق شؤون الإعلام، ولكن في عام 2019، صدر قرار جمهوري ينص على استحداث وزارة دولة للإعلام، وتولَّى مسؤوليتها الرئيس السابق للجنة الإعلام والآثار والثقافة بالبرلمان، أسامة هيكل، وذلك لتخفيف الضغط على الرئيس، الذي يضطر إلى الحديث إلى الرأي العام في تفاصيل كثيرة، خاصة أنه لم يظهر دور الهيئات في عمليات الاحتكار وانتقال الملكية الواسعة التي جرت خلال السنوات الأخيرة في سوق الإعلام المرئي (التلفزيون) رغم أن قانون تنظيم الصحافة والإعلام ينص في أكثر من موضع على دور المجلس في حماية التنافسية ومراقبة عمليات انتقال رؤوس الأموال ومنع الاحتكارات وحماية التنوع والتعددية ودعمهم.

وتحدثت ورقة بحثية صادرة عن مؤسسة حرية الفكر والتعبير عن المشهد الإعلامي بعد إلغاء وزارة الإعلام واستحداثها، وعن دور الهيئات الثلاث الجديدة لتنسيق شؤون الإعلام، والتي رأت إنها استغرقت في الانشغال بتنظيم أمورها والصراع على الاختصاصات من ناحية، وممارسة أدوار الرقيب المجتمعى على وسائل الإعلام من ناحية أخرى، دون النظر إلى دورها المنوطة به.

تشير الدراسة إلى أن حالة الارتباك وعدم الاستقرار التي شابت المرحلة التأسيسية من عمر الهيئات الإعلامية في تخبط أدائها بدرجة كبيرة، ما جعلها غير قادرة على أداء مهامها المنوطة بها قانونيًّا في إدارة وتنظيم الشأن الصحفي والإعلامي، أدى ذلك إلى عودة الجدل مرة أخرى حول أهمية استعادة منصب وزير الإعلام.

وبحسب الدارسة، فإن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام اكتفى منذ إنشائه، بدور“شرطة السلوك والأخلاق” داخل المجتمع الصحفي والإعلامي، حيث اقتصر اهتمام المجلس على ممارسة أدوار رقابية وعقابية، وانشغل بفرض سيطرته، عبر رئيسه السابق مكرم محمد أحمد، على الهيئتين الوطنيتين للصحافة والإعلام، بينما أهمل المجلس الأعلى للإعلام أدواره التنظيمية والسياسية، المتعلقة بإدارة المشهد الصحفي والإعلامي المصري.

 

الصراع على الهيئات

ازداد التداخل في الاختصاصات بين وزارة الدولة للإعلام والتي هي جزء من السلطة التنفيذية ومجالس الإعلام المستقلة بنص الدستور، وبات هناك صراع بين مؤسسات الدولة حول التحكم في الإعلام والسيطرة على تنظيم وإدارة أموره، إلى أن أصدر مجلس الوزراء قرارًا باختصاصات وزير الدولة للإعلام بالفعل، إلا أن القرار جاء فضفاضًا.

وفيما يتعلق بالاختصاصات، فقد انقسمت إلى اختصاصات متعلقة بالمهام السياسية للوزير الجديد، وأخرى تتعلق بالإشراف والتنظيم بما يسمح للوزير بالمساهمة في ضبط المشهد الصحفي والإعلامي، وتنفيذية تتعلق باقتراح السياسة الإعلامية للدولة بالتنسيق مع السيد رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، وتنفيذها بالتنسيق مع الهيئات المنظمة، الإشراف على خطط تطوير أداء وسائل الإعلام المرئية العامة والخاصة بالتعاون مع الهيئات المختصة وغيرها.

ورغم  ذلك ظلت الصلاحيات في أغلبها بيد المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والذي بدوره ما زال متقاعسًا عن أداء مهامه السياسية والتنظيمية، رغم التشكيل الجديد للهيئات الإعلامية،  أدى غياب الاختصاصات الواضحة إلى جعل أغلب معارك الوزير إعلامية وكلامية، تفتقر إلى آليات التنفيذ، كما أنها لم ترقَ إلى استخدام أدوات سياسية معتبرة مثل إجراء النقاشات المجتمعية مع الفئات المستهدفة، ومحاولة خلق توافق حول السياسات العامة.

حرب التصريحات بين هيكل والإعلاميين

“الأعمار أقل من 35 سنة، ويمثلون حوالي 60 أو 65 في المئة من المجتمع، لا يقرءون الصحف ولا يشاهدون التلفزيون، وبالتالي من المهم التفكير في نمط حياة هذه الفئات”، هذا التصريح للوزير كان كفيل بأن تشتعل نار الحرب عليه أكثر، من إعلاميين مصريين ورؤساء تحرير صحف قومية وخاصة، طالبوا باستقالته، واتهموه بالانتماء إلى جماعة الإخوان الإرهابية، وتصاعد الهجوم على “هيكل” إلى درجة أن التلفزيون الرسمي أذاع مكالمة هاتفية شخصية مسجلة، جمعت وزير الدولة للإعلام مع رجل الأعمال ورئيس حزب الوفد السابق السيد البدوي، تناولت أمورًا تتعلق بتنسيق العمل مع جماعة الإخوان في الانتخابات البرلمانية.

إيمان هيكل بنهاية الصحافة الورقية في ظل التنامي الواسع في استخدام مواقع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي كمنصات بديلة مجانية للوصول إلى الأخبار والبيانات وتداولها بشكل لحظي أدى إلى تراجع شديد في معدلات توزيع الصحف المصرية خلال السنوات الأخيرة، بحسب هيكل فإن الصحف المصرية مجتمعة توزع اليوم متوسط 300 ألف نسخة يوميًّا، بينما كانت توزع جريدة الأهرام وحدها عام 1980 قرابة مليون نسخة يوميًّا، حينما كان عدد المواطنين 40 مليون فقط. 

وبحسب تقرير أصدره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة فإن الصحف الورقية المصرية لم تتأثر بقوة بسبب الصحافة الرقمية، فقد بلغ معدل التوزيع اليومى 1.4 مليون نسخة عام 2018.”، وأضاف التقرير أن “عدد النسـخ الموزعة للصحف العامة محليًّا وخارجيًّا بلغ 547.2 مليـــون نسخة عـام 2018، مقابل 510.2 مليون نسخة عام 2017، بزيادة 7.2٪. وأن عدد الصحف العامة التي صدرت 70 صحيفة عامة، منها 3 صحف حزبية عـام 2018، مقابل 76 صحيفة عامة عام 2017، بانخفاض نسبته 7.9٪.

إلا أن معركة وزير الدولة لم تتوقف بعد، بعد أن رفضت لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب، برئاسة الدكتورة درية شرف الدين، بيان أسامة هيكل، وزير الإعلام بشأن تنفيذ برنامج الحكومة جملة وتفصيلا، مع التأكيد على أن  الوزير وجهازه المعاون لم يحققا الأهداف المرجوة ، وأن هناك أخطاء مالية وإدارية قد ارتكبت.