“إن غياب الإذاعة يضعف الحق في الحصول على المعلومات وحرية التعبير. ومن ثم الحريات الأساسية. ولما كانت محطات الإذاعة المحلية صوت الذين لا صوت لهم، فإن غيابها يضعضع التنوع الثقافي أيضًا” تقول المديرة العامة لليونسكو أودري أزولاي في الذكرى العاشرة للاحتفاء بصوت الأثير؛ الذي تصفه المنظمة الأممية بأنه “صوت من لا صوت له”.

تعددت الروايات المختلفة حول بداية الأثير في مصر، التي انطلقت بصورة أهلية في بدايات القرن التاسع عشر. وما بين هذا وما أعقبه من انطلاق رسمي للأثير بجملة “هنا القاهرة”، عشق المصريون صوت الأثير وكان هو نافذتهم على أخبار القطر ومن ثم العالم. يلتفون حول هذا الصندوق العجائبي في انتظار فرمانات الملوك المتتابعين والرؤساء اللاحقين وحتى خبري الهزيمة والنصر.

الإذاعة المصرية.. كيف بدأ الأثير؟

بدأ الأثير في مصر بشكل غير رسمي لأول مرة في العام 1925 حينما استصدر هواة اللاسلكي رخصًا من وزارة المواصلات لإنشاء محطات إذاعية أهلية في القاهرة والإسكندرية. 

وقد اختلفت الروايات حول بدايات الإذاعة الأهلية، وإن اتفقت جميعها على أن محطاتها استهدفت أهالي الأحياء التي انطلقت منها. وكان أغلبها دعائيًا يروج لبضائع أصحابها أو لتبادل رسائل الحب والغرام.

إذاعة “مصر الجديدة” كانت أول إذاعة أهلية مصرية، لحقتها “سابو” الأوروبية بعدها بعامين. ثم تبعتهما إذاعات أخرى منها: راديو القاهرة – راديو الأميرة فوزية – راديو فؤاد – راديو مصر الملكية – راديو مصر الحرة – راديو فيولا – راديو أبو الهول – راديو الجيش. وقد استمرت هذه الإذاعات في إرسالها حتى توقف أغلبها في 29 مايو 1934. ذلك مع بداية صفحة جديدة من تطور الأثير.

وفق وثائق دار الوثائق القومية، انطلقت الإذاعة المصرية بشكل رسمي في العام 1934. ذلك بعد 3 سنوات من توقيع الحكومة المصرية وشركة ماركوني التلغرافية اللاسلكية اتفاقية لتشغيل محطات الحكومة المصرية للإذاعة باللاسلكي بالنيابة عن الحكومة المصرية وتحت إشرافها. وذلك في 31 مايو 1931.

كان العقد المبرم ينص على أن تسلم الشركة للحكومة المصرية الإذاعة بمحطاتها واستوديوهاتها في 31 ديسمبر 1949. لكن الحكومة فسخت هذا العقد في باريس 1947. ومن ثم تشكلت لجنة لتسلم الإذاعة من ماركوني في 27 مارس 1947. وفي 18 مايو 1947 أنشئت إدارة الإذاعة اللاسلكية المصرية، وأصبحت الإذاعة مصرية شكلاً ومضمونًا منذ 31 مايو 1946.

10 سنوات من الاحتفاء بالأثير

للعام العاشر على التوالي يحتفل العالم باليوم العالمي للإذاعة. ذلك بعد أن أعلنته الدول الأعضاء في اليونسكو في 13 فبراير من العام 2011. ثم اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2012 بوصفه يومًا دوليًا.

احتفالية هذا العام تأتي تحت شعار “إذاعة متجدة لعالم متجدد“. وقد اختير يوم 13 فبراير لهذا الاحتفال تزامنًا مع إنشاء إذاعة الأمم المتحدة سنة 1946. ذلك تقديرًا للدور الهام الذي تقدمه تلك الوسيلة المسموعة في إعلاء حقوق الإنسان.

جاءت فكرة الاحتفال من قبل الأكاديمية الإسبانية للإذاعة. وجرى تقديمها رسميًا من الوفد الدائم لإسبانيا لدى اليونسكو. في الدورة 187 للمجلس التنفيذي في سبتمبر 2011. لكن، تم إقرار الاحتفال وخصص له يوم 13 فبراير من كل عام بقرار من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم في ديسمبر 2012.

الإذاعة.. 85% من سكان العالم يستمعون للأثير

ذكرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر العام الماضي، إنه رغم التطور التقني الكبير الذي طال وسائل الإعلام المتنوعة، بقي الأثير حاضرًا بقوة في المشهد الإعلامي. إذ بلغ عدد المستمعين لأثير الراديو نحو 85% من سكان العام. هذا فيما تشير إحصاءات اليونيسكو إلى العام 2016. فتقول إن عدد مستمعي الأثير في هذا العام تجاوز عدد مشاهدي التلفزيون ومستخدمي الهواتف الذكية، ذلك بالنظر إلى سهولة الوصول للمعلومات عبر هذه الوسيلة. لافتةً إلى وجود أكثر من 800 محطة في البلدان النامية. بينما نصف سكان العالم تقريبًا (3.9 مليارات شخص) لا يزالون غير قادرين على الاتصال بشبكة الإنترنت.

لذلك تعرف الإذاعة بأنها “صوت الشعب”، فهي الوسيلة الأكثر وصولاً إلى مختلف الفئات. خاصة في المجتمعات النائية والفقيرة. وهي الوسيلة الأنسب للأميين وأصحاب الهمم والفقراء والشباب.

وفقًا لـ”يونسكو”، فإن هذه الوسيلة أداة فعالة للاحتفاء بالحياة الإنسانية على تنوعها، إذ توفر لهم منبرًا لنشر الخطاب الديمقراطي. ويظل الأثير أكثر وسائل الإعلام استخدامًا على الصعيد العالمي. وهو يستطيع أن يرسم معالم حياة المجتمعات في إطار التنوع. كما أنه قادر على أن تكون ساحة تتيح للجميع إمكانية التعبير عن آرائهم وتمثيلهم والإصغاء إليهم.

الأكثر استماعًا

في تقرير سابق، أشار الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى عدد الشبكات الإذاعية في مصر. فقدرها بـ 10 شبكات، بإجمالي عدد ساعات بث مسموع 178.1 ألف ساعة. وذلك عام 2018/2019. بينما احتلت الشبكة الإقليمية النصيب الأكبر بعدد ساعات إرسال 63528 ساعة من إجمالي ساعات البث الإذاعي. وذلك بنسبة 35.7% بمتوسط يومي 174 ساعة. فيما تلتها الشبكة الثقافية، بـ21900 ساعة ونسبة 12.3%، بمتوسط يومي 60 ساعة.

أيضًا بلغ المجال الترفيهي عدد 39443 ساعة بنسبة 22%، بمتوسط يومي 108 ساعة. وتلاه المجال الثقافي، بـ30564 ساعة ونسبة 17% بمتوسط يومي 83 ساعة. كما بلغ عدد ساعات البث البرنامج العام 8760 ساعة خلال عام 2018/2019. وبلغ متوسط ساعات البث اليومي لقطاع الإذاعة 488 ساعة خلال عام 2018/2019.

نوافذ الحرية.. صوت من لا صوت له

دعت اليونسكو، في احتفالها باليوم العالمي للإذاعة عام 2021، محطات الإذاعة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية العاشرة لإعلان هذا اليوم العالمي، وذكرى مرور أكثر من قرن على اختراع المذياع. 

وتتمحور برنامج الاحتفالات هذا العام حول موضوعات فرعية ثلاثة، هي: “التطور” حيث أن العالم يتغير والإذاعة تتطور – “الابتكار” فالإذاعة تتكيف مع التغيير وتبتكر – “الربط” فالإذاعة تؤمّن الربط.

لفتت اليونسيكو أيضًا إلى أنه ينبغي لمحطات الإذاعة أن توفر خدماتها لمختلف المجتمعات على تنوعها. كذلك أن تقدم إليها تشكيلة متنوعة من البرامج ووجهات النظر والمحتويات. بينما يجب أن تكون المحطات الإذاعية قادرة -من حيث تنظيمها وتشغيلها- على التعبير عن تنوع مستمعيها، تقول اليونيسكو.

وفي رسالة المديرة العامة لليونسكو أودري أزولاي، قالت: “بتنا بحاجة في يومنا هذا، أكثر مما كنا في أي وقت مضى، إلى وسيلة الإعلام العالمية هذه”. فهي تتسم بطابع إنساني وتفتح نوافذ الحرية، على حد قولها.