الإذاعة تاريخ طويل يمتد لأكثر من قرن من الزمان، شاهدة على تاريخ أمم بأكملها صنعت وجدان وثقافات وأفكار وخيال ملايين البشر من المستمعين ومازالت.

يرجع الفضل في نشأة الإذاعة في العالم واختراع الراديو للفيزيائي الإيطاليّ جاليليو ماركوني، الذي حقق لأول مرة في تاريخ الاتصالات اللاسلكية بواسطة الموجات الهيرتزية عام 1896م على بعد 400 متر، ثم تطور لـ2000 متر، ثم 46 كلم عام 1899م.

اقرأ أيضًا.. 87 عامًا على الإذاعة المصرية.. الذكرى العاشرة لصوت “المهمشين”

تاريخ الإذاعة

إلى أن حقّق انتصاره الأكبر عام 1901م عندما أرسل موجات الراديو عبر المحيط الأطلسي بين نيو فوندلاند وكونوول وتبلغ المسافة بينهما 3200 كلم.

بدأ ماركوني الإرسال الإذاعي من بيته عام 1921م، حيث اتفق مع هيئة البريد البريطانية على تشغيل نظام للبث الإذاعي من خلال شركة BBC، وكان أول بث لمحطة ماركوني عبارة عن نقل حفلات موسيقية بلندن.

كما أن مصادر أخرى أشارت إلى أن أول بث كان إذاعة نتائج الانتخابات الأمريكية من محطة نيويورك، وفي سنة 1923م كان أكثر من مليون شخص يستمعون سنويًا للبرامج التي تبث من صالات الموسيقى، والملاعب الرياضية والمسارح.

اقرأ أيضًا.. “هنا القاهرة”.. الإذاعة المصرية والسياسة في ثمانية عقود

القانون الأمريكي.. تاريخ جديد للإذاعة والراديو

ومع تزايد المحطات الإذاعية التي ثبت عبر الهواء، بدأ يحدث التداخل فيما بينها، إلى أن أصدر الكونجرس عام 1927م قانون الإذاعة، حيث تم تشكيل لجنة الإذاعة الفيدرالية التي كانت مهمتها تنظيم الفوضى الإذاعية.

وجاء قانون الاتصالات الفيدرالية عام 1934م، لكي يوسع من نطاق تطبيق قانون 1927م، وقضى بتشكيل لجنة الاتصالات الفيدراليّة لتنظيم أنظمة الاتصال التليفونية والتلغرافية والإذاعية بحسب ما تقضي الضرورة والصالح العام.

هذا القانون مازال ساري المفعول حتى اليوم، بعد تعديله بطبيعة الحال بما يتفق والظروف السياسية والاجتماعية.

ما هي أهمية الراديو؟

وتعد الإذاعة من أهم وسائل الإعلام منذ نشأتها وحتى يومنا هذا والأسباب واضحة وجلية ومن أهمها أن الإرسال يستطيع تخطي الحدود والموانع الطبيعية ما يضمن انتشارًا أوسع للرسالة، لذلك تُعد الإذاعة أسرع وسائل النشر متفوقة بذلك على الصحافة والتلفزيون.

وتتميز أيضًا باستعمالها لطرق التأثير المختلفة على العاطفة التي تتمثل في المؤثرات الموسيقية والصوتية، ويتصف الراديو بخاصيّة ذاتية، وهي لا تتوفر في وسائل الإعلام الأخرى.

الإذاعة جهاز شخصي، والاتصال في الإذاعة لا يحتاج إلى وسيط فالرسالة الإذاعية تصل مباشرة من المذيع إلى المستمع، وتكون أكثر فعالية من الرسالة التي تنقل بالاتصال الذاتي ويسهل استخدامها خاصة عند الفئات الأقل تعليمًا.

اقرأ أيضًا.. التربية على صوت الإذاعة.. كثير من المحبة والامتنان

اليوم العالمي للإذاعة

وبالتالي فإن مميزات وخصائص البث الإذاعي العديدة جعلت الإذاعة تتربع بقوة على عرش الإعلام منذ نشأتها وحتى يومنا هذا وفي ظل التنوع والتعدد والإنترنت ما جعل المتخصصين في الإعلام يخصصون يومًا عالميًا للإذاعة في 13 فبراير من كل عام.

لكن لماذا تم اختيار 13 فبراير للاحتفال بيوم الإذاعة؟ جاء ذلك تزامنًا مع ذكرى إطلاق إذاعة الأمم المتحدة عام 1946 وجاءت فكرة هذا الاحتفال من قبل الأكاديمية الإسبانية للإذاعة، وقدمت رسميًا من الوفد الدائم الإسباني لدى اليونسكو في الدورة 187 للمجلس التنفيذي في سبتمبر 2011.

لكن، تم إقرار الاحتفال في 13 فبراير من كل عام، من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم في ديسمبر 2012.

وفي اليوم العالمي للإذاعة لابد أن نتوقف عند سؤال تردد كثيرًا خاصة بين الإعلاميين والمتخصصين، وهو هل التكنولوجيا الحديثة والتطور المذهل والسريع سيؤثر سلبًا على الإذاعة؟

راديو

إذاعات الإنترنت

الإجابة واضحة وضوح الشمس ليس تفاؤلًا ولا تحيزًا للإذاعة، ولكن أثبتت الحقائق أن العكس هو الصحيح، لقد تألقت الإذاعات سواء حكومية أو خاصة أو إنترنت في تنافس قوي صب في صالح المستمع.

إذاعات الإنترنت بالآلاف ولها مستمعيها من الشباب ما جعل الإذاعات الحكومية والخاصة تسارع بمواكبة التطور التكنولوجي الحديث بمهارة وتحاول جاهدة جذب مستمعيها بالتنوع والتميز في الأداء وسرعة نقل الأحداث والبعد عن الأساليب التقليدية المملة في بعض الأحيان.

وفجرت الثورة التكنولوجيا طاقات إذاعية إبداعية لو لم تكن التكنولوجيا الحديثة لكانت خطواتها بطيئة للغاية.

اقرأ أيضًا.. في اليوم العالمي للراديو.. أصوات إذاعية جسدت تاريخ مصر

إذاعات الإنترنت قلصت المسافة بين الخبر والمتلقي وأصبحت بين يدي المستمع في أي وقت وفي أي مكان وفي المتناول بسهولة ويسر.

الأمر الذي يجعلني أتوقف قليلاً وأوجه كلمتي إلى خريجي كليات ومعاهد الإعلام وهم بالآلاف، أبنائي لا تنتظروا الوظيفة في مجال الإعلام فالأماكن محدودة لا تستوعب 1% من الخريجين سنويًا.

رسالة لخريجي كليات الإعلام

لكن انطلقوا بقوة في تأسيس إذاعات على الإنترنت فهي المستقبل بالنسبة لكم ولشباب العالم من خريجي الإعلام، لا تدعوا أحلامكم تتحطم عند صخرة الواقع لا تنتظروا مكانًا جاهزًا للعمل في الإعلام، لكن أعملوا واجتهدوا وسيتحقق الحلم بقدر اجتهادكم إن شاء الله.

هنا نعود مرة أخرى، لنؤكد أن الأثير الإذاعي سيستمر بقوة وسيزداد انتشارًا وإبداعًا وتنوعًا، وما نراه حاليًا من آلاف الإذاعات محليًا وعربيًا وعالميًا نتوقع أن يتضاعف في المستقبل القريب.

وبمناسبة اليوم العالمي للإذاعة أتمنى من كل قلبي للإذاعة المصرية بجميع شبكاتها وللزملاء والزميلات في هذا الصرح الإعلامي الشاهد على التاريخ الذي أنار الحياة بالعلم والمعرفة والفن المزيد من التألق والإبداع.

هذا الصرح الذي صنع خيال أجيال وثقافات عقول وساهم في تنمية المجتمعات، أتمنى للإذاعة المصرية التي شرفت بتولي رئاستها في يوم من الأيام وللإذاعات العربية في دولة الإمارات العربية المتحدة والتي التحقت بها لعدة سنوات ولكل إذاعات العالم أن تظل شامخة بأبنائها ومستمعيها.

كل عام والإذاعة والإذاعيين بخير، وسيظل شعار “هنا القاهرة.. هنا الإذاعة المصرية” صانعة الخيال وشعاع المعرفة ومصدر الإلهام.

  • رئيس قطاع الإذاعة المصرية الأسبق