أصدرت مؤسسة حرية الفكر والتعبير “أفتي” تقريرها بشأن وقائع انتهاكات جسدية ولفظية، إلى جانب تجاوزات إدارية، جرت على أرض المؤسسة خلال الفترة الماضية، وجرى التحقيق فيها عبر لجنة مستقلة، خلصت إلى مجموعة من التوصيات، والإجراءات بحق من يثبت اتهامهم بارتكاب تلك التجاوزات.

ويترافق التقرير مع صعود موجة من التصاريح النسائية العلنية، تخص انتهاكات جنسية، وتمييز على أساس النوع، في دوائر مدنية وسياسية، بالتوازي مع حملة “مي تو” العالمية، والتي طالت العديد من الشخصيات البارزة في كافة المجالات.

وتعود وقائع “أفتي” عندما نشر المدير السابق لوحدة محمد ناجي منشورا على موقع التواصل الاجتماعي يقر فيه بارتباكه لانتهاكات جنسية ضد عدد من الناجيات والضحايا، الذي أعقبه بوح إحدى الناجيات وقائع انتهاكات جنسية قالت إنها تعرضت لها على يد ناجي، وقد أصدرت المؤسسة لاحقًا قرارًا بفصله من العمل بتاريخ 9 يوليو 2020.

وجاء تقرير “حرية الفكر والتعبير”، بعد أيام من تقرير أصدرته مؤسسة “بلادي-جزيرة الإنسانية” المهتمة بأطفال الشوارع، أدانت فيه المدير التنفيذي للمؤسسة محمد حسانين، واتخاذ قرار بفصله، وهو التقرير الذي لاقى جدلا شديدا خلال الفترة الماضية، ووصف بعدم المرضي.

لجنة تقصي

وبحسب تقرير المؤسسة، تشكلت لجنة تقصي للحقائق، ضمت في عضويتها فريدة القلعجي، ومايكل رؤوف، وسلمى النقاش، وهم ناشطون في المجتمع المدني وخبراء في قضايا النوع الاجتماعي والعنف الجنسي، وذلك لوضع توصيات ملزمة للمؤسسة تخص تحسين بيئة العمل لضمان عدم تكرار الانتهاكات، وجبر ضرر الناجيات والضحايا، وكذا توقيع العقوبات على المتورطين في هذه الانتهاكات إذا لزم الأمر، من خلال قواعد عمل وضوابط اللجنة التي أعدها مجلس الأمناء الاستشاري للمؤسسة، والتي تمت مراجعتها وتعديلها واعتمادها من قبل أعضاء اللجنة الثلاثة.

وكشف التقرير عن أن اللجنة أجرت عددا من المقابلات، للعاملين الحاليين والسابقين في المؤسسة، للوقوف على حقيقة الأوضاع في المؤسسة، وفي غضون ذلك استمعت اللجنة إلى شكاوى عديدة، وشكلت نسبة الشكاوى المرتبطة بالانتهاكات على أساس النوع الاجتماعي 61% في مقابل 39% للشكاوى المتعلقة بمشكلات إدارية داخلية.

تضمنت الشكاوى التي وردت للجنة موضوعات متعددة مثل التعنيف اللفظي، أداءات غير مريحة، التنمر، سوء استخدام السلطة والتحرش الجنسي، فيما سلمت لجنة تقصي الحقائق تقريرًا مكونًا من 54 صفحة لمجلس الأمناء الاستشاري للمؤسسة يحتوي على تفاصيل التحقيقات التي أجرتها اللجنة بالقدر الذي سمحت بها قيود الخصوصية والسرية التي اختارها مقدمات، ومقدمو الشكاوى.

اقرأ أيضا:

الواقعة الثالثة في أقل من عام.. منظمة “بلادي” تدين أحد مسؤوليها بـالتحرش

الشللية والعصبوية

وأورد التقرير أن اللجنة ارتأت أن بيئة العمل داخل “أفتي”، تعاني من غياب الضمانات التي تحمي النساء من التمييز والعنف بصوره المختلفة، حيث لم تتبن المؤسسة منذ نشأتها سياسة واضحة لمناهضة العنف الجنسي ومحاسبة مرتكبيه.

كما اتضح للجنة أن المؤسسة تعاني من غياب اللوائح الإدارية التي من شأنها ضبط بيئة العمل وجعلها عادلة وقائمة على المحاسبة والشفافية لكل العاملات والعاملين، بينما رصدت لجنة تقصي الحقائق انخفاض عدد العاملات بالمؤسسة من 60% عام 2011 إلى 20% في السنوات الأخيرة، وهو ما يعكس تحول بيئة العمل بالمؤسسة إلى بيئة طاردة للنساء.

ورصدت اللجنة وجود مناخ تسوده روح “الشللية والعصبوية” بين بعض أفراد فريق العمل، وتفشي ممارسات غير مهنية بين العاملين كالشتائم والمزاح غير اللائق داخل مكان العمل، وخلط واضح بين العلاقات الشخصية وعلاقات العمل.

أربع شكاوى

وبناء على التقرير تسلمت اللجنة شكاوى في أربع وقائع طلبت الشاكيات والشاكين التحقيق فيها، واعتبرت اللجنة أن هذه الوقائع تدخل في نطاق عملها وصلاحيتها، في حين طلبت المبلغات، والمبلغين في ثلاث من هذه الوقائع عدم الإفصاح عن أسمائهن/أسمائهم أو عن تفاصيل الوقائع التي قمن بالإدلاء بها أمام اللجنة، على أن تصدر التوصيات وقرارات الإدانة في هذه الوقائع داخلياً في حالة ثبوتها.

 أما عن الواقعة الرابعة فهي التي وردت بشأنها شكوى من العاملة السابقة بالمؤسسة أمنية فراج ضد المدير التنفيذي السابق للمؤسسة محمد الطاهر، حيث اتهمته أمنية بتعنيفها لفظيًا أثناء إشرافه على التحقيقات في واقعة تحرش جنسي تعرضت لها أمنية على يد أحد العاملين في المؤسسة عام 2018.

وبعد السماع لأقوال الشاكية والشهود والعديد من الموظفين الذين شاركوا مع اللجنة العديد من المواقف التي تعامل معهم فيها محمد الطاهر بالترهيب والصراخ الكثير والنهر الدائم، وبعد التأكد من أن هذا التعنيف اللفظي كان أحيانا يوجه لبعض النساء بصورة خاصة، ومن ثم اتخذ صورة تمييزية على أساس النوع، قررت لجنة تقصي الحقائق إدانة محمد الطاهر بالتعنيف اللفظي.

قرارات اللجنة

خلصت مقابلات وتحقيقات اللجنة إلى مجموعة من القرارات تضمنت، صياغة وتبني سياسة مناهضة التحرش الجنسي وجميع أشكال العنف القائم على النوع في مكان العمل، ومناهضة التمييز، على أن تنتهي صياغة هذه السياسة قبل نهاية شهر أبريل للعام 2021 كحد أقصى، على أن تكون هذه السياسة من بين الأوراق الرسمية التي يوقّع عليها كل العاملين والعاملات بالمؤسسة مع عقود العمل .

وطالبت اللجنة مؤسس مؤسسة حرية الفكر والتعبير ومديرها التنفيذي الأسبق وممثلها القانوني لعدة سنوات عماد مبارك، بتقديم اعتذار مكتوب علني، بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن المؤسسة ككيان اعتباري، لكل العاملات والعاملين السابقات/ين والحاليات/ين بالمؤسسة، عن عدم تبني سياسة مكافحة العنف الجنسي طوال السنوات الماضية وعن غياب سياسات واضحة للمحاسبة والشفافية ولوائح إدارية فعالة.

وأشارت اللجنة إلى ضرورة تقديم المدير التنفيذي السابق محمد الطاهر اعتذارا علنيا مكتوبا لكافة العاملات/ين في مؤسسة حرية الفكر والتعبير اللاتي عملن/الذين عملوا أثناء فترة إدارته عن وقائع التعنيف اللفظي التي تعرضن/وا لها على يده.

يقدم المدير التنفيذي السابق محمد الطاهر اعتذارا علنيًا للعاملة السابقة بالمؤسسة أمنية فراج عن العنف اللفظي الذي بدر منه في حقها في أكثر من اجتماع جمع بينهما أثناء تعامله مع شكوى تحرش جنسي تقدمت بها أمنية ضد أحد العاملين بالمؤسسة عام 2018.

وأوجبت اللجنة ضرورة جبر الناجيات، وضحايا الانتهاكات، عبر تلقي مؤسسة حرية الفكر والتعبير، طلبات جبر ضرر الناجيات وضحايا الانتهاكات الجنسية التي تعرضن لها على يد أي من العاملين بالمؤسسة في سياق عملهن أو تطوعهن بالمؤسسة، على أن تقوم بدراسة هذه الطلبات والتفاعل معها بشكل إيجابي ومناقشتها مع الضحايا والناجيات ومجلس الأمناء وإصدار قرارات فيها وفقًا لإمكانيات المؤسسة.