توجهت منذ أيام للإدلاء بصوتي في انتخابات نقابة المحامين الفرعية بالجيزة، وفوجئت أنه توجد ورقة مستقلة للتصويت على قبول الميزانية السنوية لنقابة محامين الجيزة بشكل مطلق دون أي بنود، سوى أوافق أو لا أوافق. وذلك بخلاف ورقتي الانتخاب المرتبطتين بمقعد النقابة وأعضاء المجلس.

قبل أن أتطرق لموضوع الموازنة لابد وأن أتطرق لموضوع الانتخابات بشكل عام. إذ بالمشاهدة العينية وجدت أنها لا تختلف عن مواسم الانتخابات على اختلاف أنواعها في المجتمع المصري. فقد لاحظ الجميع وخصوصًا مجتمع الميديا الشعبية المتمثلة في شبكات التواصل الاجتماعي وبشكل خاص “فيسبوك – تويتر” كم النقد والتعليق الموجه لما دار في انتخابات مجلس النواب ومجلس الشيوخ الأخيرة من مقولة استخدام المال السياسي، أو العصبات الاجتماعية والقبلية، وتأثير دور العائلات في المجتمع الريفي، وما إلى ذلك من أوجه نقد.

لكن لم يختلف الوضع في انتخابات النقابات الفرعية للمحامين عن ذلك كثيرًا فقد ظهرت الهدايا العينية بداية من الكتب القانونية، والحوافظ و حقائب اليد، نهاية بوجبات الغذاء للتأثير على مجتمع الناخبين، مرورًا في ذلك باستخدام عناصر من خارج الوسط القانوني للحشد والمناصرة أو لتوزيع الهدايا. هذا بخلاف التربيطات السابقة وإعداد قوائم بين بعض المرشحين وبعضهم البعض على حسب ثقلهم، أو على حسب تقارب بعضهم البعض، ولا ينتهي الموضوع في ذلك إلا بدخول اللجنة الانتخابية للتصويت، كل ذلك يؤثر كثيرًا في مسار المسألة الانتخابية والتمثيل النقابي سواء على مستوى الفرعيات أو على مستوى النقابة العامة. فهل يصح لمجتمع قانوني عن أخره أن يدير انتخاباته بهذا الشكل الذي يصيب المسألة الديمقراطية في صميمها. كما أنه يصم مجتمع المحامين بصفات لا يجب أن يتصف بها، وهو المجتمع القانوني المفترض فيه مناقشة أمور التشريعات والقوانين وتبصير المواطنين بما يجد من قوانين. هذا إضافة إلى كون نقابة المحامين من المفترض أن يكون لها دور في إعداد التشريعات، تنسيقًا مع مجلس النواب.

أما إذا تطرقنا إلى شمول أوراق الانتخابات لورقة مستقلة للتصويت بالموافقة أو عدم الموافقة على الموازنة السنوية للنقابة، فأعتقد أن هذا الأمر يشكل مخالفة صريحة وواضحة لقانون المحاماة، إذ أنه من حيث المبدأ فقد أقر قانون المحاماة على حسب ما ورد بالمادة 126، بأن تختص الجمعية العمومية بالنظر في تقرير مجلس النقابة ومراقبي الحسابات عن الحساب الختامي للنقابة عن السنة المنتهية وإقرار الميزانية التقديرية عن السنة المقبلة، وكذلك ما جاء بالمادة 149 من أنه تختص الجمعية العمومية بالنظر في تقرير مجلس النقابة الفرعية وملاحظات مراقبي الحسابات عن الحساب الختامي للنقابة في السنة المنتهية واقتراح الميزانية التقديرية عن السنة المقبلة.

هذا ما يتعارض بشكل قاطع الدلالة مع ما يتم من عرض الأمر على جموع الناخبين، وحتى نسلم من النقد ومن مقولة أن الناخبين هم أعضاء الجمعية العمومية، فهل ما تم أو يتم بحسب أن هناك جولات انتخابية لم تتم في بعض المحافظات أو أن هناك جولات إعادة في المحافظات التي لم يكتمل فيها النصاب القانوني، فهل اشتملت الورقة على أي تفاصيل متعلقة بالحساب الختامي للنقابة الفرعية، أو تقرير مراقب الحسابات، أو كان مبين بالورقة المعروضة للتصويت أي تفصيلات حسابية متعلقة بمصروفات النقابة خلال العام المطلوب التصويت عليه حتى يتبين مدى صحة ما يصوت عليه من قريب أو بعيد أو حتى إشارة ترمز لذلك. المؤسف يقينًا أن الأمر لم يكن سوى ورقة انتخابية بسيطة احتوت على كلمات معدودة محصورة في الموافقة على ميزانية النقابة أو رفضها على إطلاقها دون أي بيان مرفق أو تفصيل لمصروفات.

ومن الجدير في هذا الصدد أن نذكر بما ورد من ملاحظات بتقرير الجهاز المركزي للمحاسبات على أموال النقابة العامة للمحامين وذلك عن عام 2018 بحسب ما نشره موقع أخبار بتاريخ 3 / 1 / 2021، وأهم ما ورد في هذا التقرير  على سبيل المثال من خلو حسابات النقابة وصندوق الرعاية الصحية والاجتماعية من أي حسابات لمشروعات الإسكان بالنقابة وملفاتها حيث – كما ورد بالتقرير- أنه تعذر الوقوف على تفاصيل مشروعات الإسكان بالنقابة وبيان إيراداتها ومصروفتها والكيان القانوني لها إن وجد، حيث خلت حسابات النقابة العامة وصندوق الرعاية الصحية والاجتماعية من حسابات تلك المشروعات.

هذا وقد سبق وإن أفادت النقابة ردًا على الاستفسارات في هذا الشأن ضمن كتابها بتاريخ 5/12/2017، بأنه سيتم مخاطبة الإسكان ونوافيكم بالرد، ثم يعقب الجهاز: دون أن يوافى الجهاز بالرد أو بشيء من البيانات المطلوبة حتى تاريخ إعداد هذا التقرير، وعدم اتخاذ إجراءات تحصيل مديونيات للنقابة لدى الغير جاوزت 7 مليون جنيه، ولبحث ودراسة هذه المديونيات طرف الغير والمرحلة منذ عدة سنوات لمحامين وعاملين وشركات وموردين، صفحة 7 من التقرير، عدم إحكام الرقابة على السلف المؤقتة التي بلغت في عام واحد هو عام 2018 ما يقارب مليوني جنيه، وذلك بالمخالفة لنص لمادة 76 للائحة المالية التي تقضي بأنه يتم تسوية السلفة فور تمام العملية وبحد أقصى أسبوعين من تاريخ الصرف، وكذا حكم المادة رقم 77 من اللائحة المشار إليها والتي تقضي بأن كل من يتأخر في تسوية السلفة تخصم من مستحقاته فضلاً عن اتخاذ الإجراءات القانونية ضده -صفحة 7 و8 من التقرير، وصرف مبالغ لعاملين تحت مسمى عهد ولم يتم تسويتها ومن أخطر هذه العهد ما لاحظه الجهاز في حدود ما أمكن حصره صرف 500 ألف جنيه بغرض الصرف على مؤتمر العام للمحامين بالغردقة – صفحة 8 من التقرير. وهذه بعض الملاحظات الواردة من الجهاز المركزي للمحاسبات على كيفية إدارة أموال نقابة المحامين.

فهل يصح أن نسير بنفس الطريقة ويتم عرض الموازنة المالية لنقابة المحامين بهذه الطريقة؟ أم كان الأصوب من ذلك أن تتم دعوة الجمعية العمومية للاجتماع لمناقشة الموازنة المالية بشكل تفصيلي يوضح لأصحاب المصلحة فيه طرق الصرف أو كيفية التصرف في أموالهم، حتى يتسنى لهم عقد رقابة مالية على حقوقهم، وعى كيفية تصرف وإدارة أعضاء مجالس النقابات في هذه الأموال.

أرى في الختام أن الأمر في نقابة المحامين فيما يتعلق بالعملية الانتخابية المفترض أنها تنتهي باختيار أعضاء مجلس النقابة في حاجة ماسة لإعادة النظر فيها من بدايتها حتى آخر خطواتها، بحسب كون نقابة المحامين تمثل أكبر ثقل نقابي في المجتمع النقابي المصري، وبحسب كونها تمثل أكبر تجمع عددي نقابي في مصر، وبحسب كون أعضاء جمعيتها العمومية هم كما يحبون أن يُطلق عليهم سدنة القانون وحماة العدالة وحراس الشرعية، فكيف يستنى لحراس سيادة القانون أن تُدار أهم أمورهم بهذه الطرق؟ وكيف يليق بهم كل هذه السلبيات في انتخاباتهم النقابية أو في التصويت على موازنتهم المالية؟

للاطلاع على مزيد من مقالات الكاتب.. اضغط هنا