بعد موجة من الاحتجاجات في الشارع السوداني لعدم تلبية الاحتياجات الأساسية، واستمرار تدهور الحالة الاقتصادية وتجدد الاشتباكات في دارفور والتوتر على الحدود الإثيوبية، أعلن رئيس الوزراء عبدالله حمدوك تشكيل وزاري جديد ضم رموزًا من الأحزاب والحركات المعارضة.

“حمدوك” احتفظ بوزراء المياه والري والدفاع والأوقاف والعدل والتعليم العالي. بينما أسند الخارجية لمريم الصادق المهدي من حزب الأمة، والمالية لجبريل إبراهيم، زعيم حركة العدل والمساواة.

اقرأ أيضًا.. من قائمة الإرهاب إلى المواجهة …”الآن يمكنكم دعم السودان”

الحكومة الجديدة وتحديات الشارع السوداني

التشكيل اتفق مع اتفاق السلام الموقع في أكتوبر 2020 في جوبا، وجاء أيضًا بعد أسبوع من تعيين 3 من الحركات والمجموعات المتمردة في مجلس السيادة الذي يدير المرحلة الانتقالية بعد عزل البشير.

وفق حمدوك، تستهدف الحكومة برنامجًا يرتكز على 4 قضايا، تشمل معالجة الأزمة الاقتصادية واستكمال اتفاق السلام وتطوير علاقات خارجية متوازنة. وأخيرًا إعادة هيكلة المؤسسات المدنية والعسكرية وضع نظام ديمقراطي مستقر للعبور بالبلاد.

“حمدوك” غرّد في تويتر عقب أداء اليمين الدستورية: “الوزارة الثانية من عمر الثورة السودانية تأتي في ظل ظرف بالغ التعقيد وتحديات اقتصادية وأمنية كبيرة. الحكومة تشكل أعرض تحالف سياسي لديه القدرة على إنقاذ البلاد”.

الحكومة السودانية الجديدة

المواطن السوداني وتدهور الوضع الاقتصادي

قبل أسبوع من إعلان التشكيل الجديد للحكومة امتلأت الشوارع مرة أخرى بالمحتجين في مناطق متفرقة في الخرطوم، احتجاجًا على شح الخبز وغاز البوتوجاز والوقود.

يأتي ذلك في ظل معاناة يومية وطوابير لا تنتهي أمام منافذ توزيع الخبز والوقود، وتعذر جهود الحكومة في احتواء وتلبية المتطلبات اليومية وتخفيف حدة الأزمات.

ووفق تقارير ارتفع معدل التضخم في ديسمبر 2020 إلى أكثر من 269% وهو من بين أعلى معدلات التضخم في العالم. بينما انخفضت قيمة الجنيه السوداني أمام الدولار 368 جنيهًا بالسوق السوداء، مقابل 55 جنيهًا في السوق المصرية.

كما فشلت جهود البنك المركزي السوداني في توفير النقد الأجنبي، رغم حزمة القرارات المتعلقة بتحجيم استيراد السلع غير الضرورية.

الحكومة وضعت برنامجًا اقتصاديًا لـ12 شهرًا لإنقاذ الاقتصاد المتدهور وأقره صندوق النقد الدولي في سبتمبر الماضي، شمل عدة قرارات أهمها إلغاء دعم الوقود وتحرير سعر الصرف.

اقرأ أيضًا.. كيف يمكن فهم انسحاب السودان من مفاوضات سد النهضة؟

“موازنة الإنقاذ الاقتصادي”

ومن المنتظر أن تنفذ الحكومة بتشكيلها الجديد موازنة تستهدف تحقيق الاستقرار الاقتصادي وتطبق متطلبات السلام الدائم وتحقيق معدلات نمو للناتج المحلي الإجمالي.

كما لابد أن تعمل الحكومة على تخفيض العجز الكلي وتنويع مصادر الدخل والتنسيق بين السياسات المالية والنقدية، وتقليل أثر الإصلاحات الاقتصادية على الفئات الفقيرة.

ويأتي ذلك من خلال توفير خدمات التعليم والصحة والضمان الاجتماعي والدعم المباشر، وفقًا للسياسات الحكومية التي تم الاتفاق عليها في الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية.

الأزمة الاقتصادية تضاعفت في السودان خلال الفترة الانتقالية عقب الإطاحة بنظام البشير، بسبب عدد من الأزمات المتلاحقة أهمها الفيضانات التي دمرت عدد من القرى والمدن السودانية.

كما تضاعف عدد اللاجئين الإثيوبيين حيث دخل السودان ما يقرب من 40 ألف لاجئ منذ نوفمبر الماضي في أعقاب النزاع في إقليم تجراي الإثيوبيي.

الدعم الخارجي ضرورة لتخفيف حدة الأزمات

يرى مراقبون أن استقطاب دعم خارجي سريع لإنقاذ الاقتصاد السوداني أصبح أمرًا لا مفر منه. حيث تشير التقديرات إلى احتياج البلاد إلى 6 مليارات دولار على الأقل لتأمين الوقود والقمح والدواء.

المليارات الستة يترقب الحصول عليها من دول عربية وخليجية دون شروط. بينما لا يعول على الدعم الأوروبي والأمريكي بسبب البرامج الزمنية الطويلة وربطها باشتراطات إصلاحية.

ومنذ تولي حمدوك رئاسة الحكومة في 2019 كانت هناك عدة محاولات للحصول على قروض ومنح دولارية من مؤسسات دولية، إلا أنها لم تسفر عن مبالغ يمكن الاعتماد عليها.

تحرير سعر الصرف قرار مرهون بتوافر منح وقروض لتمويل برامج الرعاية الاجتماعية، لتخفيف الآثار الناجمة عن الأزمة الاقتصادية طويلة الأمد والتخفيف التدريجي للدعم.

كما يرى المراقبون أن تأخر الحكومة السودانية في تفعيل قرارات إصلاح العملة يهدد الدعم المالي للمرحلة الانتقالية في النهاية.

الفقر يتفاقم في السودان

استمرار التوترات الأمنية

رغم المساعي الأمنية لإرساء السلام بين الأقاليم السودانية، إلا أن الوضع الأمني لا يزال متدهورًا خاصة في دارفور بعد إنهاء تفويض بعثة حفظ السلام “يوناميد” نهاية 2020.

التوتر في دارفور بدأ خلال الأسبوعين الماضيين مع سلسلة من الاحتجاجات ضد الأوضاع المعيشية وارتفاع الأسعار. حيث بدأت سلسلة من أعمال العنف وتخريب المقار الحكومية في جنوب وشمال دارفور.

من ناحيتها، أعنلت الحكومة الطوارئ وحظر التجول وإغلاق المدارس والأسواق في شمال دارفور لمواجهة الانفلات الأمني.

وفي تصعيد أمني آخر قتل ما يقرب من 48 شخصًا في غرب دارفور بعد مشاجرة قبلية، ما فجر أزمة نزع السلاح بالإقليم وآليات بسط هيبة الدولة.

ولا تزال المواجهات القبلية تشكل امتدادًا للحرب التي بدأت في 2003 بين القوات الحكومية والمتمردين، والتي خلفت ما يقرب من 300 ألف قتيل وتشريد 2.5 مليون آخرين بحسب الأمم المتحدة.

الحدود مع إثيوبيا

تصاعد التوتر على الحدود الشرقية للسودان مع إثيوبيا في الفشقة سيكون التحدي الأكبر أمام الحكومة والمجلس السيادي. كذلك فالحكومة مطالبة باستعادة الأراضي من الميليشيات الإثيوبية وتأمين المزارعين.

ويبقى الاقتصاد والأمن على رأس المخاطر السياسية التي تهدد المرحلة الانتقالية في السودان. إذ سيكون أداء الحكومة وقدرتها على السيطرة أمر ضروري لتحقيق الحد الأدنى من متطلبات المواطن السوداني.

كما سيكون مؤشرًا قويًا على مدى قدرة الحكم المدني على الاستمرار في إدارة السودان دون التسليم بسيطرة المكون العسكري على السلطة مرة أخرى.