انتظرتُ أن تندلع ردود فعل غاضبة داخل المجتمع السعودي بعد قرار الحكومة هذا الأسبوع بإلغاء الطلاق الشفوي والغيابي، وإجبار الزوج على الحضور للمحكمة أولاً لإثبات الطلاق وتسوية مسائل النفقة والحضانة بحضور الطرفين. بل وإحضاره بالقوة الجبرية لو امتنع عن الحضور. لكني لم أعثر على أثر لهذا الغضب المتوقع، على الرغم من أن السعودية لا ينقصها المحافظين والمتشديين أو الثقافة الذكورية.

لو أن هناك ميزة وحيدة للنظم غير الديمقراطية، فإن تلك الميزة هي قدرتها على اتخاذ قرارات تُحدث تغييرات عميقة في بنية المجتمع، من دون المقاومة التي كانت لتواجهها في الأنظمة الديمقراطية. سواء كانت تلك القرارات اقتصادية طبقية كالإصلاح الزراعي في مصر الخمسينيات، أو تتعلق بالمساواة بين الرجل والمرأة كما في “مجلة الأحوال الشخصية” في تونس الحبيب بورقيبة، أو تتعلق بقوانين الزواج والطلاق كإقرار قانون الخلع في مصر مطلع الألفية الثانية، من بين حفنة قوانين قدمت بعض الإنصاف للمرأة والطفل، والتي أطلق عليها كارهوها اسم “قوانين سوزان مبارك” رغبة في وضعها في سياق سياسي رافض، وهي حيلة انطلت على البعض للأسف ممن كانت مواقعهم الطبيعية تستلزم تأييد تلك القوانين وطلب المزيد منها، لكن هذه قصة أخرى، ففي جميع الأحوال، استفادت المرأة المصرية من قانون الخلع ولازالت تستفيد، واستفادت من تعديل قانون الجنسية الذي أقر حقها في توريث جنسيتها لأبنائها، تماما كما استفاد الكثير من أجدادنا من قوانين الإصلاح الزراعي لينتقلوا من حالة فقر قريب من العدم، إلى أصحاب ملكيات صغيرة أتاحت لهم تعليم أبنائهم ليشكلوا إضافة معتبرة إلى الطبقة الوسطى، وفي تونس، بعد حوالي 70 سنة من مجلة بورقيبة، لايزال تعدد الزوجات ممنوعا وسيبقى، وتشكل المرأة نصف مجلس النواب، وكتلة هائلة من قوة العمل وفئات المتعلمين.

هناك نكتة مشهورة عن الرجل الذي سأل الشيخ: هل يمكن أن أصلي بدون وضوء؟ فأجابه الشيخ: طبعا لا يمكن. فكان رد الرجل: فما رأيك إني “جربتها ونفعت”!

النكتة بالطبع تسخر من الرجل الذي لم يفهم عبارة “لا يمكن”، أو فهم “الإمكان” بمعناه الحرفيّ. ولكن على العكس من تلك النكتة القديمة، فإن القرارات المتلاحقة في السعودية خلال السنوات الأخيرة، التي قطعت في زمن قياسي رحلة طويلة للغاية، بدأت بحقوق بدائية مثل حق المرأة في قيادة السيارة، مرورا بإسقاط نظام ولاية الرجل على المرأة، ومنع رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (المطاوعة) من ملاحقة المواطنين في الشوارع، هي قرارات تعطي معنى جديدا لعبارة “جربتها ونفعت”، فها هي تلك التغيرات التي ظن الكثيرون أنها لن تتحقق في السعودية حقا، أو لن تتحقق قبل عشرات وربما مئات السنين، ها هي تتحقق “وتنفع”، لم ينقلب العالم ولم تنتفض الجماهير ولم “ينهار الإسلام”، تماما كما كان حين أصدرت مصر قانون الخلع، أو حين صدرت رواية أولاد حارتنا في القاهرة بعد منع 50 عاما، فقد اتضح في كل مرة أن الوحش الذي كان يخوفوننا به كان وحشا من قش، وإنه بعد كل قرار من تلك القرارات التي تواكب الزمن، طلعت الشمس كعادتها في اليوم التالي وانسابت الحياة في صيرورتها من دون عائق.

واليوم تنتقل السعودية من مرحلة القرارات التي تعالج أوضاعا كانت تأخرت فيها كثيرا، كحق المرأة في السفر ومباشرة “البيزنس” من دون وصاية، إلى أوضاع صارت تسبق فيها غيرها من الدول “العريقة”، فمع إقرار الإلزام بالطلاق الحضوري، تكون السعودية قد سبقت مصر لأول مرة في مجال الأحوال الشخصية، حيث لا يزال باستطاعة  رجل “المحروسة” أن يطلق رفيقة عمره بكلمة يلقيها وهو يحتسي كوبا من الشاي، أو بخطاب بعلم الوصول تستلمه الزوجة من رجل بريد، بل كم من مصريات “فوجئن” بأنهن مطلّقات أو ضرائر، ومن المحزن أنه اليوم أو غدا،   ستنظر حفيدات هدى شعراوي وبنات نوال السعداوي إلى المرأة السعودية وتغلبهن الحسرة.