تواصل مصر مقاربتها السياسية للأوضاع الإقليمية الجديدة مع العراق والأردن، حيث عقد وزراء خارجية الدول الثلاث اجتماعاً، في القاهرة، قبل أيام. وهي الاجتماعات التي تعد استئنافاً للقاءات الأولى التي جرت، في النصف الثاني من العام الماضي، في العاصمة الأردنية، عمّان. 

لا تختلف هوية الملفات وطبيعة الأزمات القائمة في الاجتماع الأخير عما سبقه. فالمآلات السياسية والميدانية في ليبيا، والأزمات في العراق، والتعاون مع الأخيرة في قضايا الطاقة والنفط والكهرباء، تحتفظ بثباتها وحيويتها على طاولة المفاوضات، بالإضافة إلى الوصول لصيغة باتجاه تشكيل تكتل إقليمي ضد التدخلات الخارجية، يضمن استقرار الأمن العربي.

وبحسب بيان وزراء الخارجية فإن الاجتماع ناقش “مستجدات المجالات الاستراتيجية للتعاون المشترك، وسبل دفعها قدماً نحو تحقيق التكامل الاقتصادي والمنافع المتبادلة، بما يعود على الدول الثلاث وشعوبها بالنمو والرخاء”. 

وأكد وزراء خارجية مصر والأردن والعراق على التزامهم بمخرجات “قمة عمّان الثلاثية، في أغسطس 2020، والاستمرار في منهج التعاون المشترك والتنسيق الوثيق، من أجل الإسراع بتنفيذ المشروعات الاستراتيجية التي تصُب في مصلحة الدول الثلاث والمنطقة ككل”.

وقال أحمد حافظ، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، إن اللقاء تطرق إلى الاجتماع الطارئ لوزراء خارجية جامعة الدول العربية حول فلسطين، والذي يأتي بمبادرة مصرية أردنية، من أجل التأكيد على ثوابت الموقف العربي تجاه القضية الفلسطينية، مضيفاً: “اللقاء شهد كذلك توافقا في الرؤى بين الجانبين إزاء التطورات الإقليمية والقضايا محل الاهتمام المشترك، حيث تم التأكيد على ضرورة وقف كافة التدخلات الأجنبية في شؤون الدول العربية، وإعلاء الحلول السياسية لكافة أزمات المنطقة، بما يدفع باتجاه ترسيخ الأمن والاستقرار ويصون مقدرات”.

ويعد مشروع المشرق الجديد الذي استعرضه رئيس الحكومة العراقي، مصطفى الكاظمي، للمرة الأولى، في القمة الثلاثية بالأردن، قبل نحو عام، من بين أبرز النتائج المهمة واللافتة التي تم التوصل لها، بحسب الباحث والأكاديمي العراقي، الدكتور محمد نعناع.

ويوضح نعناع لـ”مصر 360″، أن المشروع يقوم بناء على الأهداف الاستراتيجية لسياسة الكاظمي التي تعتمد في تعاونها وشراكاتها الخارجية على المحيط العربي، لافتاً إلى أن “هناك رغبة مشتركة من العراق ويبدو وجود توافق أردني عراقي عليها.

ويتوقع أن تنضم دول أخرى، بهدف صناعة تكتل إقليمي عربي قوي، خاصة في ظل التحولات الجيوسياسية بالإقليم، والتي تشهد اضطرابات تؤثر على الاقتصاد والتنمية وكذا الأمن الإقليمي. ففي العراق المنفذ البحري الوحيد يعاني من سيطرة الميلشيات وتهريب البضائع. كما أن المنفذ التجاري المتاخم للحدود مع تركيا يعاني من أزمات عديد ترتبط بالنزاعات مع إقليم كردستان العراق والتوترات المستمرة بينه وبين أنقرة.

ويرى الباحث والأكاديمي العراقي،أنه في ظل تعرض منطقة البوكمال الحدودية بين سوريا والعراق إلى قصف متكرر على خلفية الوجود العسكري الإيراني، وسيطرة الميلشيات المدعومة من الحرس الثوري عليها، بينما تقوم بتهريب الجنود والسلاح، فليس أمام العراق سوى معبر طريبيل الحدودي مع الأردن. فهو المعبر الحدودي الذي يمكن الاستفادة منه وتحويله لمنطقة نقل بضائع استراتيجية للعالم.

واللافت في الاجتماع الأخير هو مشروع “الشام الجديد” أو “المشرق الجديد، الذي سبق وتحدث عنه رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، والذي أوضح أن “مشروع الشام الجديد سيقوم على أساس التفاهمات الاقتصادية والسياسية بين العراق ومصر والأردن. فالمشروع يتبنى رؤية تنطلق وفق ثلاثة مرتكزات ومحددات، تتمثل في أن مصر تمثل كتلة بشرية، والكتلة النفطية في العراق، بينما الأردن تكون نقطة التواصل المشترك بينهما. إذ سيتم مد خط أنبوب نفطي من ميناء البصرة في جنوب العراق، مروراً بميناء العقبة في الأردن وينتهي في مصر”. 

وفي القمة الثلاثية بين رؤساء الدول الثلاث، قبل عام، استهدفت تكثيف التنسيق المتبادل في ما يتصل بتطوير البنية الأساسية، فضلاً عن إيجاد مسار سياسي لحل وتصفية النزاعات الموجودة في عدد من دول المنطقة، خاصة، في ليبيا وسوريا واليمن. وذلك بالصورة التي تضمن وحدة واستقرار جغرافيتهم السياسية. وبالتبعية، إنهاء التدخلات الخارجية التي تشكل تهديدات متفاوتة على الأمن القومي العربي.

وقد أشار الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى أن “القاهرة مستعدة لإقامة مشروعات تنموية مشتركة محددة مع البلدين، يتم تنفيذها وفق جدول زمني محكم، يكون لها مردود مباشر وسريع علي عملية التنمية والحياة المعيشية للمواطنين، وذلك بالإضافة إلى تعزيز مسارات التعاون السياسي والأمني”.

وبحسب المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية المصرية، بسام راضي، فإن “القمة الثلاثية تناولت سبل تعزيز التعاون الثلاثي المشترك في مختلف المجالات بين الدول الثلاث، خاصة تلك التي تتعلق بالطاقة والربط الكهربائي والبنية الأساسية والغذاء، فضلاً عن التشاور والتنسيق بشأن مستجدات الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة، وجهود مكافحة الإرهاب”.

الشام الجديد

ويستهدف مشروع “المشرق الجديد” أو “الشام الجديد، الذي سبق وطرحه الرئيس العراقي، مصطفى الكاظمي، في أعقاء لقاء القمة الثلاثي بالأردن، قبل نحو عام “الربط بين مصر التي تمثل كتلة سكانية كبيرة، ولديها خبرات في العديد من المجالات، بالإضافة إلى موقعها على البحر المتوسط، والعراق الذي يمتلك موارد نفطية كبيرة، والأردن الذي يملك مزايا اقتصادية جيدة”، بحسب “تقدير موقف” منشور عبر مركز الإمارات للسياسات.

إذ إن المشروع “يركز على التعاون الاقتصادي وتعزيز الجوانب الاستثمارية والتجارية بين البلدان الثلاثة، في خطة ستكون تدفقات رأس المال والتكنولوجيا فيها أكثر حرية، ويتوقع أن يشجع الدول الأخرى على ضخ استثمارات جديدة في المنطقة”.

كما سوف يجري بناء التحالف على تفاهمات اقتصادية بين الدول الثلاث، التي يبلغ الناتج المحلي لها معاً نحو 570 مليار دولار، بحسب بيانات البنك الدولي. ومن ثم، يرى مركز الإمارات أن “القمة الأخيرة حملت مؤشراً على جدية البلدان الثلاثة بالسير قدماً بالتحالف، وذلك من خلال إنشاء سكرتارية دائمة للتنسيق حول ملفات التعاون الثلاثي، إذ ستكون مهمتها تنفيذ ومتابعة ما جرى الاتفاق عليه بين البلدان الثلاثة، وذلك في محاولة لتجنب فشل التجارب العربية السابقة، التي لم يستطع القائمون عليها نقلها من البيانات والتمنيات إلى التطبيق العملي”.

وأردف المركز: “يرتكز التحالف على عناصر تكاملية، هي النفط والطاقة والنقل وتجارة السلع والعمالة، حيث سيمد خط أنبوب نفطي من ميناء البصرة جنوب العراق وصولاً إلى ميناء العقبة في الأردن، ومن ثم إلى مصر. وبينما يحصل الأردن على النفط العراقي بسعر أقل من سعر السوق الدولي، فضلاً عن رسوم العبور، تستفيد مصر من عملية تكرير جزء من النفط العراقي على أراضيها، في حين يستورد العراق الكهرباء من مصر، كما يمكنه الاستفادة من الخبرات المصرية في عملية إعادة الإعمار، وستتم الاستفادة من إمكانيات الأردن في مجال النقل، نظراً لامتلاكه قدرات كبيرة في هذا المجال، إضافة إلى تصدير السلع من الأردن ومصر إلى العراق”.

ومن جانبه، أكد الباحث العراقي، عبد القادر الجنابي، أن السياسة “المعتدلة” للكاظمي، تتجه نحو بناء شراكات سياسية وإقليمية متنوعة ووازنة للدور الذي تؤديه إيران في بغداد.

ويردف في حديثه لـ”مصر 360″: تنخرط طهران سياسياً وميدانياً، مرة، بشكل مباشر، ومرات عبر كلائها المحليين. وذلك الأمر يحدث في العراق كما في عدد من عواصم المنطقة، لاسيما في سوريا ولبنان واليمن، بينما تسعى إلى فرض نفسها في موضع “حماية المستضعفين”، مما تسبب في تهديدات جمّة للامن الإقليمي والدولي، وتحتاج إلى اصطفافات مقابلة”.

ويلفت الباحث العراقي إلى أن السياسة الخارجية التي تتبناها إيران عبر النسق العقائدي المتمثل في  ولاية الفقيه، تتحرك من خلاله نحو إدارة الازمات والنزاعات والحروب في عدد من ساحات الصراع، خاصة ما يحدث في العراق التي تهدف طهران أن تكون واحدة من ساحات المواجهة مع الولايات المتحدة، وبالتالي يحتاج العراق إلى تحالف آخر بموازاة ذلك لضمان استقراره السياسي، من ناحية، واستقرار الأمن الإقليمي، من ناحية أخرى.