منذ أوائل 2021 بدأت أسعار النفط العالمي في التعافي تدريجيًا -بفضل الالتزام بتوصيات خفض الإنتاج- حيث ارتفع سعر برميل خام برنت بداية الأسبوع الجاري لنحو 61.47 دولار مقابل 49 دولارًا للبرميل بنهاية عام 2020. ذلك لأول مرة منذ بداية جائحة كورونا، مدعومًا بتفاؤل المستثمرين الحذر حول عودة الطلب العالمي على النفط واستعادة النشاط الاقتصادي.
هذا التحرك في أسعار النفط عالميًا فتح المجال للتنبؤ بسيناريوهات تأثير هذه الزيادة على السوق الداخلي للبترول في مصر. وما إذا كان سيتبعه تحرك في تسعيرة البنزين وباقي أنواع الوقود خلال الشهر المقبلة أم لا؟ وكذلك قدرة سوق النفط العالمي على استمرار التحرك نحو زيادة أسعار النفط وتجاوزها حاجز الـ 70 دولارًا بنهاية العام المالي 2020/2021.
كورونا تصيب سوق النفط بالخلل
قبل أزمة كورونا كان إنتاج دول العالم من النفط يصل لـ 105 ملايين برميل يوميًا. حيث يتم استهلاك حوالي 90 مليون برميل بشكل يومي. لكن حجم الاستهلاك العالمي بعد انتشار فيروس كورونا تراجع إلى نحو 70 مليون برميل نفط يوميًا، مما أدى إلى حدوث خلل بين العرض والطلب في جميع دول العالم وانخفاض حجم الاستهلاك.
الوضع الاقتصادي حينها دفع كثير من شركات التنقيب إلى التراجع عن برامج التوسع في الإنتاج والتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي. ليس الأمر في مصر فقط ولكن على مستوى الشرق الأوسط كله. ذلك نتيجة للغموض الذي سيطر على مستقبل صناعة الطاقة بالعالم. وهو أمر دفع ببعض الشركات إلى تقليص الإنتاج لتجنب تخمة المعروض ومن ثم تراجع الأسعار.
أيضًا تراجعت أسعار النفط الأمريكي في أبريل 2020، إلى ما دون الصفر. وذلك للمرة الأولى في التاريخ، الأمر الذي يعني أن شركات إنتاج البترول دفعت مبالغ مالية إلى عملائها على مستوى العالم. كي يحصلوا على براميل النفط، وذلك خشية تراكم مخزون النفط الخام لديها لأشهر طويلة.
“أوبك بلس” تُقيد المنتجين لإعادة التوازن للسوق
حزمة من الإجراءات والقرارات الصرامة اتخذتها مجموعة “أوبك بلس” لإعادة التوازن لسوق النفطي العالمي. وذلك من خلال خفض الإنتاج اليومي للبترول الخام من جميع دول العالم، لمنع تفاقم الكميات المعروضة من البترول الخام بالسوق العالمي.
مجموعة أوبك بلس استهدفت الأشهر الماضية حجب 7.2 مليون برميل يوميًا من النفط الخام عن السوق. أيّ حوالي 7% من الإمدادات العالمية. وتم الاتفاق على زيادة الإنتاج بمقدار 500 ألف برميل تدريجيًا، في إطار خطة لتخفيف التخفيضات.
بدأت “أوبك +” أيضًا في فرض قيودها غير المسبوقة على إمدادات النفط في أبريل 2020. بعد أن أوقفت جائحة فيروس كورونا حركة الطيران وأغلقت الاقتصادات وتسببت في انهيار أسعار النفط.
القيود التي فرضتها “أوبك +” رفعت سعر خام برنت منذ بداية العام المالي الجاري 2020/2021. ليصل إلى حوالي 61 دولارًا للبرميل حاليًا. لكنه لايزال دون المستوى الذي تحتاجه معظم دول أوبك+ لموازنة ميزانياتها.
معدل الالتزام بتنفيذ اتفاق “أوبك+” الخاص بخفض الإنتاج بلغ في يناير الماضي 103% من قبل أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك”. وأيضًا 93% من قبل شركائهم من خارج المنظمة. وهي مجموعة دول على رأسها روسيا وكازاخستان.
أوبك بلس هو تحالف يضم 23 دولة مصدرة للنفط وجرى التوصل لهذا التحالف في نوفمبر 2016 بهدف خفض الإنتاج لتحسين أسعار النفط
خفض الإنتاج لمواجهة تخمة المعروض
أستاذ هندسة البترول والطاقة بالجامعة الأمريكية، الدكتور جمال القليوبي، أكد أن كبريات الدول المنتجة للنفط وافقت على توصيات خفض الإنتاج كإجراء حتمي لمواجهة تخمة النفط المعروض بالسوق. منذ تفشي وباء كورونا بداية 2020، وتأثيره على الأنشطة الاقتصادية بدول العالم.
أشار القليوبي، في حديثه لـ”مصر 360″، إلى أن سوق النفط العالمي عانى خلال العام الماضي من كميات البترول المطروحة للبيع. الأمر الذي حفز منظمة الأوبك على تدعم خفض الإنتاج للحفاظ هيكل الأسعار وحماية كبار المنتجين من الشركات البترولية. ولمنع حدوث انهيارات أخرى للنفط مثلما حدث مع الخام الأمريكي الذي تراجع بشكل حاد إلى أدنى مستوى له في التاريخ بسبب انهيار الطلب.
وتابع بأن الإجراءات التي التزمت بها الدولة المشاركة بتحالف “أوبك +” حفزت استعادة بورصة النفط العالمية توازنها، وارتفاع الأسعار تدريجيًا إلى أن تجاوزت حاجز الـ 60 دولارًا للبرميل للمرة الأولى منذ بداية جائحة كورونا.
تسعيرة الـ 60 دولارًا عادلة أم لا؟
وزير البترول الأسبق، أسامة كمال، أكد أن بورصة أسعار النفط العالمية لن تطرأ عليها أية زيادات جديدة خلال الفترة المقبلة. على أن تستقر بين 55 و65 دولارًا خلال 2021، حفاظًا على توازن السوق بين المنتجين والمستهلكين.
وأوضح لـ “مصر 360″، أن مستوى الأسعار الحالي -60 دولارًا- يمثل السعر العادل للبرميل. وبالتالي حال تغير تسعيرة النفط سواء بالارتفاع أو التراجع سيمثل ذلك عبئًا على أحد الطرفين “المنتج أو المستهلك”.
أي ارتفاع بأسعار النفط عالميًا سيؤثر سلبًا على السوق المحلية نتيجة استيراد كميات من النفط من الخارج، كما يرى الوزير السابق. لكن في الوقت ذاته تستطيع الهيئة العامة للبترول تحقيق عائد دولاري جيد من تصدير المنتجات البتروكيماوية ووقود النفاثات الذي تصدره مصر للأسواق العالمية، على حد قوله.
بذات السياق، أكد ألكسندر نوفاك، نائب رئيس الوزراء الروسي، أن سوق النفط العالمية على مسار التعافي. وأن سعر الخام قد يدور بين 45 و60 دولارا للبرميل في المتوسط هذا العام.
هل ترتفع الأسعار في مصر بعد الزيادة العالمية؟
مجموعة من خبراء البترول والطاقة استبعدوا استمرارية زيادة أسعار النفط العالمي حتى نهاية العام الجاري. ذلك حفاظًا على اقتصاديات الدول المستوردة للنفط، ومنها مصر التي توفر نحو 40% من احتياجاتها عبر الاستيراد الخارجي. ومن ثم استبعد الخبراء قدرة بورصة البترول على الوصول لـ 70 دولارًا كسعر لبرميل النفط في 2021.
ويؤكد نائب رئيس هيئة البترول الأسبق، المهندس عمرو مصطفى، أن زيادة أسعار خام برنت الذي وصل لـ 60 دولارًا مؤخرًا تظل في الحدود الآمنة بالنسبة لمصر. على اعتبار أن سعر برميل البترول في الموازنة المالية للعام المالي الحالي 2020/2021 يقدر بـ 61 دولارًا. ما يعني أن تجاوز خام برنت 60 دولارًا لا يمثل عبئًا على الموازنة.
توقع المهندس عمرو مصطفى أيضًا عدم تسجيل ارتفاع بأسعار النفط العالمي عن المستوى الحالي. ووفق لتوقعاته ستتراوح الأسعار بين 58 و62 دولارًا للبرميل. نظرًا للظروف الحالية لجائحة كورونا التي لاتزال تؤثرًا سلبًا على سوق العرض والطلب العالمي. وقد لفت إلى احتمالية تراجع معدلات استهلاك النفط حال ظهور موجة جديدة لأزمة كورونا. ما يقلل من إمكانية صعود أسعار البترول كما توقع البعض.
ووفق هذه الرؤية، مستوى السعار الحالي لن يتبعه تحرك على مستوى أسعار البنزين والوقود في مصر. لأنه لم يتجاوز الحد الأقصى لتقديرات الحكومة في الموازنة العامة للدولة. وزيادة أسعار الوقود داخليًا تُحددها لجنة تسعير الوقود التي تنعقد كل 3 أشهر وتُحدد متوسط الأسعار بناءً على سعر السوق العالمي وسعر الصرف.
الاكتفاء الذاتي لتجنب التقلبات الخارجية
جهود الدولة لحماية السوق المحلي من تقلبات الأسعار العالمية، دفعتها لتبني مجموعة من برامج زيادة عمليات البحث والتنقيب. بما يحقق الاكتفاء الذاتي، ومن ثم عدم التأثر بخريطة الأسعار العالمية المتقلبة.
مصادر بالهيئة العامة للبترول، أكدت أن خطط التنمية والإنتاج الخاصة بالنفط والغاز لن تتأثر على الإطلاق بتراجعات الأسعار العالمية. على اعتبار أن الدولة لا تزال توجه استثماراتها لمضاعفة إنتاج الزيت الخام لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الوقود، ولمنع الاستيراد الخارجي.
أضافت أن خطط تنمية حقول الغاز قائمة كما هي بسبب توجهات الدولة للتوسع في تصدير فائض إنتاج الغاز للخارج، وتحقيق عائد دولاري جيد يزيد من إيرادات القطاع. ذلك في الوقت الذي يتم فيه التوسع في توجيه كميات من الغاز إلى صناعات البتروكيماويات لإنتاج منتجات بتروكيماوية تصدر للسوق الخارجي.
ووفق المصادر، فإن الحكومة تدعم بشكل مباشر شركات البحث والتنقيب الأجنبية لمواصلة خطط الإنتاج والتنمية للحقول الواقعة بمناطق امتياز، بحيث يتم إنهاء برامج الحفر للحقول الغازية والنفطية وفق الجدول الزمني المحدد للمشروع.
كتب – محمود السنهوري: