بعد تعرضه لوعكة صحية، توفي رئيس الاتحاد العام لأصحاب المعاشات والبرلماني السابق، البدري فرغلي، اليوم الإثنين، مختتمًا 74 عامًا من عمر قضى أغلبه منضالاً ينادي بحقوق أصحاب المعاشات، يخوض معاركهم ويقود مسيراتهم.
للفرغلي مسيرة نضالية طويلة بدأها في الثامنة عشر بمسقط رأسه ببورسعيد. حيث كان ضمن كتائب البورسعيدية وعضوًا قياديًا بالمقاومة الشعبية أيام الاحتلال الإسرائيلي. هذا أكسبه شعبية وتاريخًا وطنيًا مشرفًا. في وقت أكسبته حياته القاسية ورحلته مع الفقر زخمًا آخر أهله لاحقًا لقيادة نضال العمال وأصحاب المعاشات.
كره فقرًا اضطر لمعايشته
انتمى فرغلي لأسرة فقيرة، اضطرته ظروفها لترك الدراسة الابتدائية والعمل بالشحن والتفريغ في ميناء بورسعيد. ساعد أسرته وأشقاءه الستة، ولم يعرف معنى الرفاهية صغيرًا. لهذا كان يرى الحياة قاسية، ورغب في قتل الفقر الذي لطالما كرهه واضطر لمعايشته. كما كان يروي في كثير من جلساته مع أصدقائه من العمال الذين كانوا يلجأون إليه لحل مشكلاتهم.
الحذاء الجديد وأول برلمان
يحكي فرغلي عقب نجاحه في أول انتخابات للبرلمان. وكان ذلك في العام 1990: “اصحبني أحد أصدقائي لشراء حذاء جديد، لسوء حالة حذائي، وخلال عودتي، قابلني أحد معارفي وفوجئت به ينظر لحذائي ويسألني، أنت اشتريت حذاء جديد؟ منذ هذه اللحظة أدركت أن الناس تضع المسؤول أو النائب تحت عيونها وتراقب كل تصرفاته”.
قرر فرغلي منذ هذه اللحظة الانخراط مع الشعب وعدم الانفصال عنه. “قررت أعيش مثلهم ووسطهم، فلم أغير ملابسي، ولم أترك دراجتي البسيطة التي كانت وسيلة مواصلاتي الوحيدة قبل فقدان بصري، وكنت أذهب بها كل لقاءاتي حتى مع المحافظ والمسؤولين. ولهذا السبب أحبني أهلي في بورسعيد”؛ يحكي في حديث لأحد البرامج الإذاعية.
نجح البدري فرغلي في أربع دورات نيابية متتالية منذ العام 1990. وصُنف صاحب أقوى الاستجوابات وأكثرها عددًا. وقد استعان خلال رحلته تحت قبة البرلمان بخبرته السياسية الطويلة التي جعلته يحظى باحترام الجميع.
وجبة فسيخ أفقدته البصر لا النضال
فقد فرغلي بصره بسبب وجبة فسيخ فاسدة في شم النسيم 2011. “لا يمكن أن أنسى يوم شم النسيم هذا العام. لأنه اليوم الذي فقدت فيه بصري، ورغم أن الدولة أرسلتني للعلاج في الخارج، إلا أن العلاج فشل، وضاع نظري نهائيًا، حزن كثيرًا إلا أننى قررت أن أواصل حياتي كما اعتدت، وبدأت المطالبة بحقوق أصحاب المعاشات في رحلة طويلة خضتها وأنا فاقد البصر. كنت أرى بعيون أصدقائي والناس الذين استأمنوني على حقوقهم”؛ يقول فرغلي في أحد اللقاءات الصحفية.
مارس الذي تحول عيدًا
نضال البدري فرغلي العمالي ثم البرلماني استمر 40 عامًا. وكان قد تفرغ منذ 11 عامًا لرئاسة اتحاد أصحاب المعاشات والمطالبة بحقوق هذه الفئة. وهي مهمة اعتبرها “شاقة تحتاج للتفرغ”، فلم يعد للبرلمان مرة أخرى.
خلال رئاسته النقابة العامة لأصحاب المعاشات، قدم فرغلي مستندات في جلسة دعوى تفسير حكم الخمس علاوات الخاص بأصحاب المعاشات، وقد انتهت هذه القضية حينها لصالحه بأحقية أصحاب المعاشات في إضافة 80% من قيمة آخر 5 علاوات إلى الأجر المتغير. الأمر الذي دعا وزارة التضامن وهيئة مفوضي الدولة للطعن على الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا. ثم طلبت وزارة التضامن الرأي القانوني للفتوى والتشريع بمجلس الدولة.
حينها، خرج البدري فرغلي اعتراضًا على تحرك وزارة التضامن، وهدد بخروج مسيرة لأصحاب المعاشات في 7 مايو 2017، بالبدل الحمراء. في إشارة إلى أن نزع حقهم في العلاوة بمثابة الحكم بإعدامهم.
استمر البدري فرغلي في نضاله من أجل حصول أصحاب المعاشات على حقهم، حتى مارس 2019 الذي تحول عيدًا، بعدما أصدر رئيس الجمهورية قرارًا بسحب الاستشكال المقدم من الحكومة بحق علاوات أصحاب المعاشات.
شائعة الوفاة ونعي التجمع
سبقت وفاة البدري شائعة ترددت في الأصداء عن وفاته في أغسطس 2020. وهو الأمر الذي تناوله بسخرية وخرج معلنًا: “أنا بخير وعمر الشقي بقي”، موضحًا أن ما نشر تسبب في قلق عائلته ومحبيه. واليوم رحل عن عمر ناهز 74 عامًا، تاركًا ذكراه النضالية لأبناء محافظته وأصحاب المعاشات والمنتمين للنقابات العمالية.
وقد نعاه حزب التجمع باعتباره أحد مؤسسي الحزب وعضوًا بالأمانة العامة به. وقد انتخب عنه نائبًا بمجلس الشعب لأكثر من دورة برلمانية، وقدم باسمه العديد من الاستجوابات والأسئلة تحت قبة البرلمان.