خاض المجتمع الدولي كدول أو كمؤسسات مسيرة طويلة من الحرب ضد الإرهاب، لكن تلك الجهود قد تتأثر بسبب عدد من الأزمات يشهدها العالم حاليًا، خاصة أزمة تفشي فيروس كورونا، بالإضافة إلى أولويات الدول الكبرى.
الأمم المتحدة اتبعت استراتيجية عالمية لمكافحة الإرهاب أطلقت عليها (A/RES/60/288). كذلك فعل الاتحاد الأوروبي للحد من قوة الجماعات الإرهابية التي اكتوى بنارها خلال سنوات.
فبعد أن لعبت الأمم المتحدة دورًا مهمًا في بنـاء التوافق على استراتيجية عالميـة لمكافحـة الإرهاب وتقديم المساعدات التقنية لتعزيز القـدرات المدنيـة في مجال مكافحة الإرهاب حول العالم. قد تتأثر هذه الاستراتيجية نتيجة اهتمام كل دولة من الدول العظمى بمعالجة أمور الداخل.
اقرأ أيضًا.. “الإرهاب” في العالم (ملف)
استراتيجية المجتمع الدولي لمكافحة الإرهاب
تكونت استراتيجية الأمم المتحدة السابقة من 4 ركائز هي: معالجة الظروف المؤدية إلى انتشار الإرهاب، ووضع تدابير لمنع الإرهاب ومكافحته، ووضع تدابير لبناء قدرة الدول على منع الإرهاب ومكافحته وتعزيز دور منظمة الأمم المتحدة في هذا الشأن. واتخاذ تدابير لضمان احترام حقوق الإنسان الواجبة للجميع وسيادة القانون بوصفه الأساس الجوهري لمكافحة الإرهاب.
ولتحقيق هذه الأهداف دعيت الـدول الأعـضاء في الأمـم المتحـدة وغيرهـا مـن المنظمات الدوليـة والإقليمية المعنية لدعـم استخدام وسـائل أمنية وغير أمنية منها تعبئـة الموارد والخبرات. واتخاذ التـدابير الراميـة لمعالجـة الظـروف المؤديـة إلى انتـشار الإرهـاب.
ومن هذه الأسباب: (الـصراعات الطويلـة الأمد الـتي لم تحل بعـد، وغياب سـيادة القـانون وانتـهاكات حقوق الإنسان، والتمييز على أساس الانتماء العرقي والوطني والـديني، والاسـتبعاد الـسياسي، والتهميش الاجتماعي والاقتصادي، والافتقار إلى الحكم الرشيد).
اقرأ أيضًا.. هل يتخلى العالم أخيرًا عن خرافة الربط بين “الإرهاب والإسلام”؟
وبالتالي تم اللجوء لوسائل التفاوض والوساطة والتوفيـق والتـسوية القـضائية وسـيادة القـانون وحفـظ وبناء الـسلام لمنع ظهور البيئة الحاضنة للإرهاب أصلًا وهو ما تكلف الكثير. من العمل على تحقيـق الأهـداف الإنمائيـة التي أقرتها الأمـم المتحـدة، ومـن بينـها الأهـداف الإنمائية للألفية؛ بشكل كامل وفي الوقت المناسـب، عبر الاتزام بالقـضاء علـى الفقر وتعزيز النمو الاقتصادي المتواصل وتحقيق التنمية المستدامة.
كما قدمت كل مـن اليونـسكو ومصرف التنميـة الأفريقـي الـدعم لمشروع تابع للجماعـة الاقتـصادية لدول غرب أفريقيا (الايكواس) في مجال الـسلام والتنمية، يهـدف إلى استحداث أدوات تعليمية لتعزيز التثقيف في مجال حقـوق الإنـسان، والمواطنة ونشر ثقافة السلام والديمقراطية، وكان تركيزها على نيجيريا. أيضًا في نفس السياق قامت اليونسكو بعقد مـؤتمرًا دوليًا في نيجيريا موضـوعه “زيـادة الدرايــة الإعلاميــة والمعلوماتية كوسيلة لتعزيـز التنوع الثقافي”.
اقرأ أيضًا.. “كُلفة الدم”.. خسائر الإرهاب الاقتصادية
العمليات الإرهابية في ظل أزمة “كورونا”
الطبع استغلت الجماعات الإرهابية ظروف انتشار الوباء العالمي لتزيد من حدة وقسوة عملياتها عبر العالم أجمع، وفي أفريقيا بشكل خاص. سجل شهر مارس 2020 عددًا أكبر من الهجمات وصلت إلى 153 مقارنةً بفبراير من نفس العام حيث كانت 139.
أما فيما يتعلق بالإصابات فقد شهدت أيضًا ارتفاعًا في عدد الوفيات بسبب الهجمات الإرهابية. فبينما تم تسجيل 748 حالة وفاة في فبراير 2020، تم تسجيل 944 حالة وفاة في مارس من نفس العام، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 24%.
واستمرت هذه الزيادة عبر عام 2020 لتصل إلى 288 حادث إرهابي في يوليو من نفس العام بإجمالي 1035 حالة وفاة، في منطقة جعرافية شملت جمهورية الكونغو الديمقراطية ونيجيريا والصومال ومالي وبوركينا فاسو بالترتيب.
كل هذا التصاعد شكل تحديًا كبيرًا أمام الدول والمنظمات الدولية؛ سواء كان تحديًا أمنيًا أو ماليًا.
الأسلحة المستخدمة في إرهاب المجتمع الدولي
استخدمت الجماعات الإرهابية الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة في 115 هجومًا من أصل 153. كما تم استخدام الأجهزة المتفجرة المحمولة (IEDs) في عدد 25 من الهجمات، بينما تم استخدام العبوات الناسفة والأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة في المحمولة هجومين.
وقد حصلت عليها من المخزون الخاص ببعض الجيوش، وخاصة الدول التي تعاني من ضعف نفوذ الحكومات المركزية داعش مثالًا، على الأقل خلال توسعها الإقليمي في المرحلة الأولى، عندما استولت على الكثير من معداتها العسكرية من قوات الدفاع والأمن العراقية والسورية.
في أفريقيا ماتزال ليبيا تمثل “أحد المحاور الرئيسية” لعمليات داعش في المجتمع الدولي سواء من حيث السلاح أو المقاتلين. فبسبب الفراغ الأمني الناجم عن عدم الاستقرار السياسي؛ تمكنت داعش من الاستيلاء على بعض الأجزاء الاستراتيجية من الأراضي الليبية بما في ذلك مدينة سرت الساحلية في عام 2015.
اقرأ أيضًا.. الإرهاب الرقمي.. عندما تصبح تقنيات التواصل الاجتماعي “منصات للدماء”
أمريكا تنسحب من المشهد
ومع انهيار النظام الليبي عام 2011 سقط جزء كبير من هذه الترسانات في أيدي الجماعات المسلحة وتجار ومهربي السلاح حيث كانت ليبيا أحد أكبر مخزونات الأسلحة التقليدية وأكثرها تنوعًا في أفريقيا، وتراوحت الأسلحة المختارة من العبوات الناسفة الصغيرة والعبوات الناسفة المحمولة على السيارات أو الدراجات البخارية.
في ظل كل تلك التداعيات والتي ألقت بظلالها على الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب حيث صرحت الولايات المتحدة إبان ولاية ترامب أنه يمكن أن تخفض قواتها في غرب أفريقيا. كما تم استدعاء بعض الوحدات من العراق. وفي ظل تصريح بايدن الأخير لا يمكن تخيل أن تحظى قضية الإرهاب بالاهتمام الدولي مرة أخرى إلا في حالة ما ضرب الإرهاب تلك الدول الكبرى مرة أخرى.
فالشاهد أن إنفاق الدول الغربية على مكافحة الإرهاب ازداد على مدار 15 عامًا الماضية لوصول العمليات الإرهابية الى الأراضي الأمريكية تحديدًا.
اقرأ أيضًا.. من قائمة الإرهاب إلى المواجهة …”الآن يمكنكم دعم السودان”
فمنذ عام 2001، ازداد الإنفاق الفيدرالي على الأمن الداخلي في المتوسط بمقدار 360 مليار دولار سنويًا. في حين أنه من غير الممكن حساب إجمالي إنفاق الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء على التحويلات النقدية بأي دقة.
لكن تشير التقديرات إلى أن إنفاق الاتحاد الأوروبي قد زاد من 5.7 مليون يورو في 2002 إلى 93.5 مليون يورو في 2009. وتحت الراية الكبرى “الأمن والمواطنة” التي رفعت في الاتحاد الأوروبي تمت زيادة الميزانية من 2522 مليون يورو في 2015 إلى 4052 مليون يورو في 2016. خاصة بعد أحداث شارل إبدو وظهور ظاهرة الذئاب المنفردة.
الإنفاق على مكافحة الإرهاب
كما زاد الإنفاق على التحويلات النقدية. بما في ذلك أموال الاتحاد الأوروبي والنفقات التشغيلية لتفعيل الإطار المؤسسي لمكافحة الإرهاب. وهو ما يأتي ردًا على تصاعد التهديدات الإرهابية.
ومع ذلك، فإن زيادة الإنفاق لم ينتج عنها دائمًا انخفاض في حدة الإرهاب لا في أفريقيا وحدها بل في أوروبا أيضًا. بينما تظل مكافحة الإرهاب بشكل أساسي شأن داخلي. فقد حظيت باهتمام متزايد على مستوى الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي.
اقرأ أيضًا.. ما الإرهاب؟
بعد الهجمات الإرهابية في عام 2015 في باريس وكوبنهاجن، و 2016 في بروكسل، أصبحت مكافحة الإرهاب مجالاً ذا أولوية أعلى في الاتحاد الأوروبي. هناك عدد من المقترحات قيد المناقشة (أو تمت الموافقة عليها) على مستوى الاتحاد الأوروبي. وهي تهدف مواصلة تنفيذ وتعزيز استراتيجية الاتحاد الأوروبي بشأن مكافحة الإرهاب.
على سبيل المثال، تم إنشاء المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب داخل اليوروبول في يناير 2016.
لكن المستقبل قد يشهد سحب البساط من القضايا المتعلقة بالإرهاب. خاصة أنه أمر لم يثبت جدوى الإنفاق فيه حتى الآن. ذلك لصالح القضايا الصحية المرتبطة بمنع ومعالجة الأثار الاقتصادية الناجمة عن انتشار الأوبئة التي فجرتها أزمة كورونا. وأيضًا ما ترتب عليه من إرهاق ميزانيات المجتمع الدولي أجمع. فقضية الصحة هي قضية وجودية للنوع البشري كله.