يتوافد الآلاف في هذه الأيام على كنيسة القديس الأنبا بيشوي بمطرانية بورسعيد، التي تحوي معجزة فريدة من نوعها في تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، متمثلة في أيقونة صورة للسيدة العذراء مريم التي ينساب ويتدفق منها زيت في شهر فبراير من كل عام، وذلك على مدار 31 عاما متتاليا.

يحكي الأقباط أن هذا الزيت له قدره على شفاء الأمراض، وحدثت بسببه معجزات شفاء كثيرة سجلت ودونت بالتقارير الطبية فى 6 كتب صدرت ونشرتها الكنيسة، إلا أن هذا العام كان الحضور منظم وبإجراءات مشددة بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد، ومع ذلك وبالرغم من هذه الاجراءات توافد البعض إلى الكنيسة ليرفعوا صلواتهم متشفعين بالعذراء مريم  أمام الله ليزول عن العالم الوباء ويشفي المصابين ويصبر أهالي من أطاح بهم ذلك الوباء اللعين.

قصة معجزة الزيت

تعود قصة معجزة انسكاب ذلك الزيت، حين أصيبت سيدة أرملة تدعى “سامية يوسف” بمرض السرطان، قبل أن تظهر لها العذراء مريم وتشفيها، وبعد المعجزة بعام، قام البابا المتنيح شنودة الثالث، بتكريسها وألبسها ملابس التكريس وأسماها “اليصابات” وفي شهر فبراير من كل عام كانت تظهر لها العذراء في موعد المعجزة، وبدأ الزيت ينساب من الأيقونة “الصورة”  التى كانت لديها في “قلايتها” أي بيت المكرسة.

بعد ذلك وصلت الصورة إلى كنيسة القديس الأنبا بيشوي في ميدان المنشية في بورسعيد، واعتاد الأنبا تادرس مطران بورسعيد الحضور  إلى الكنيسة والدخول الى المقصورة الخاصة التى توجد بداخلها هذه الصورة “المباركة”، في نهاية شهر يناير من كل عام لتغيير “كيس” الزيت الذى يوضع  أسفل الأيقونة والذى يتجمع فيه الزيت لتفريغه واستعدادًا لاستقبال الزيت الجديد في شهر فبراير.

ويقول القس أرميا فهمي، المتحدث الإعلامى باسم مطرانية بورسعيد وراعى الكنيسة، إن هذا العام انسكب الزيت يوم 10 فبراير في حدود الساعة الحادية عشر مساءً، وازدادت نسبة الزيت يوم 15 فبراير لتزامنها مع عيد دخول السيد المسيح إلى الهيكل الذي يأتي في اليوم الـ 40 لعيد الميلاد المجيد.

وأضاف فهمي لـ “مصر 360″، أن الزيت أبيض شفاف برائحة عطرية تشبه رائحة الورد وله ملمس دهني، ولكنه يختلف فى صفاته وطبيعته للزيت العادى، لافتًا إلى أنه في وقت كورونا طبقت الكنيسة الإجراءات الاحترازية بحضور 25% للقداسات فقط، مع منع الزيارات أثناء فترة القداس.

وأوضح أن الكنيسة قررت عدم استقبال الرحلات الكبيرة، حيث لا يزيد عدد الزائرين في مجموعة واحدة عن 20 فرد، بينما يتم إدخالهم بالتتابع مع التنبيه على عدم الوقوف أمام الأيقونة بشكل مطول أو البقاء في الكنيسة أو الفناء، مع تقديم “أمبول” الزيت.

وأكد فهمى أن زيت العذراء تحدث منه معجزات كثيرة، أبرزها معجزات شفاء سرطان والمرض المناعيM.S  والتهاب الأعصاب ونعمة الإنجاب، وذلك حسب قوة إيمان الإنسان.

واللافت في الأمر أن تلك المعجزات يتم توثيقها في كتب حيث تم طباعة 6 أجزاء تحوي المعجزات الموثقة.

ولفت إلى أن كل تلك المعجزات جعلت جميع الوافدين هذا العام يأملون في أن يحفظهم الله من الكورونا وأن يكون الزيت بركة لشفائهم أو حفظهم من الإصابة، مؤكدًا أن نزول الزيت في ذات التوقيت من كل عام هو رسالة رجاء للعالم ويقولون عنهم للمؤمنين الزائرين: “اطمئنوا السماء معانا.. كل سنة العذراء بتباركنا دا دليل أن إلهنا حي والقديسين بتوعنا موجودين وأن السماء فكرانا وبتعيد علينا”.

وطالب راعي الكنيسة أن يكون وقت كورونا هو وقت توبة وعودة إلى الله لنيل الشفاء الروحي كما نطالب بالشفاء الجسدي في الوقت الجاري من كل الأمراض.

اقرأ أيضا:

الكنيسة تتصدى لـ”القداسة الزائفة” في معركة أضرحة الكهنة

كيفية توثيق المعجزات

في ظل المعجزات الكبرى التي تنتج عن ذلك الزيت، تحتاج الكنيسة إلى آلية لتوثيق تلك المعجزات الحقيقة وتصفيتها عن المعجزات غير الحقيقية التي قد يتوهمها البعض أو يختلقها البعض الآخر، فتضيع الحقيقة بين السراب.

من هنا أوضح القس أرميا فهمي، أنه بمجرد إبلاغ الأشخاص للكهنة عن المعجزات التي تمت معهم فأنهم يصدقون الجميع، إلا أن الكنيسة وضعت شروط لتوثيق تلك المعجزات في كتب، فإنه من الضروري على كل حالة أن ترسل تقرير طبي وإشاعات وتحاليل لقبل المعجزة وما بعدها، بالإضافة إلى تقرير من الطبيب المعالج بأن الشفاء جاء نتيجة أمر خارجي دون تدخل طبي، كي تكون دليلًا على المعجزة.

أحدث معجزة .. جاءت لأب كاهن

يكشف القس أرميا، عن أحدث معجزة تمت هذا العام، حيث حدثته هاتفيًا زوجة أحد الآباء الكهنة تقص له أحدث معجزة، تمثلت في أن الكاهن لديه حصوة حجمها 8.4 ملي وحجم الحالب 3.5 ملي اتساعه، الأمر الذي احتاج إلى تدخل جراحي سريع.

وفي ليلة إجراء العملية طلب الكاهن شفاعة العذراء، وأحضر كوب ماء ووضع عليهم نصف “أمبول” الزيت، وصلى وشربهم، وبعد ساعات قليلة نزلت الحصوة مع البول، في أمر إعجازي عن حسابات الطب، كون أن الحصوة حجمها أكبر من 8 ملي والحالب 3 ملي فقط.

شكوك حول الزيت

يقول الأنبا تادرس مطران بورسعيد، إن البعض يشك في زيت العذراء المنسكب من صورتها في بورسعيد، بل إن أحد الكهنة قد شك في أن تكون “شغل شيطاين”، فيما أكد المطران أن البابا قد بارك هذا الزيت وقد أكد سابقاً أن الشيطان لا يعطي مادة محسوسة تعمل عمل يمجد اسم الله، فليس من مصلحته أن يفعل ذلك، لأن المؤمنين سيرون المعجزات التي تتم عبر أيقونات وأجساد القديسين فيمجدهم الناس ويشكرون الله، مؤكداً أن معجزات الشفاء التي تمت ببركة ذلك الزيت لا حصر لها.

الأنبا تادرس

إخراج روح شريرة

وقص الأنبا تادرس، في عظة له، أن ذلك الكاهن الذي شك في قيمة ذلك الزيت، قد أتته زجاجة زيت من العذراء بورسعيد والقاها في درج مكتبه قائلاً: “بلاش كلام فارغ”، أيام قليلة حتى أتى لذلك الكاهن أحد الأشخاص عليه روح شريرة “شيطان”، فقام الكاهن بتجربة الزيت قائلاً: “أجرب واشوف دا زيت العذراء صحيح ولا دا كلام مش مظبوط”.

حمل الكاهن الزجاجة الصغيرة وبدأ يدهن رأس ذلك الشخص، فإذا بالأخير يصرخ ويردد: “نار نار .. نار زيت أم إلهك” فتأكد حينها الكاهن أنه زيت العذراء وليس عمل شيطاني كما يظن.

عودة طفل من الموت

لعل أشهر قصص المعجزات التي تمت من قبل زيت العذراء ببورسعيد، حين عانى زوجين من منطقة الشرابية بالقاهرة، من عدم القدرة على الإنجاب لسنوات طويلة وسط فقدان الأمل من الأطباء، قبل أن تتم المعجزة من العذراء مريم ويرزقون بمولودهم، لذا قرروا تعميده في كنيسة العذراء ببورسعيد.

أتى الزوجان برفقة مولودهما وجميع أسرتهم إلى بورسعيد، محتفلين بمعمودية الطفل، وسط زفة العماد وبهجة نيل نعمة المعمودية وأنه أصبح عضواً جديداً من شعب المسيح، قبل أن تقوم والدته بإرضاعه ووضعه بشكل خاطئ كي يخلد في نومه، فعاد اللبن إلى فمه مجدداً واختنق الطفل حتى توفى، ليكتشف أهله ذلك الأمر ويتحول الفرح إلى مناحة كبرى.

يوضح الأنبا تادرس، أنه بمجرد سماع صوت صراخ أهل الطفل تحرك الكاهن الذي كان يجلس ويقدم زيت العذراء للزائرين، فإذا به يسمع القصة، فوقف يصلي للعذراء قائلاً: “يا عدرا انتي جبتي لهم الطفل بعد سنين وتسبيه يروح منهم كدا .. إن كانت الأم غلطت فسامحيها وردي لها روحه تاني”.

أنهى الكاهن صلاته وأمسك زيت العذراء ودهن به رأس الطفل التي ازرقت من الخنق، فإذا بها تسترد العروق دمائها مجددًا ويعود النفس للطفل الذي دبت فيه الروح بعد الموت، فعادت الفرحة لأهله مجددًا.

كتب- كيرلس مجدي