في يونيو 2020 جاءت رسالة الرئيس عبدالفتاح السيسي حازمة لكافة الأطراف الدولية التي تعبث في الداخل الليبي، محذرا من مغبة تجاوز مدينة سرت وقاعدة الجفرة الجوية، حيث وصف تلك المنطقة بـ”الخط الأحمر” والخطر الوشيك على مصر وأمنها القومي.

ودعا السيسي إلى وقف إطلاق النار في ليبيا عند نقطة الاشتباك الحالية على حدود مدينة سرت والجفرة، قائلا: «لنتوقف عند الخط الذي وصل إليه طرفي المنطقة الغربية والشرقية ونبدأ وقف إطلاق النار.. خط سرت والجفرة، وهذا خط أحمر بالنسبة لمصر وأمنها القومي».

لم يقف دعم مصر للملف الليبي عند هذا الحد، بل وصل إلى تلويح الرئس السيسي باستعداد بلاده لتدريب أبناء شباب القبائل من أجل التصدي لمحاولات الجانب التركي في الزحف نحو المناطق الأكثر أمنا في الداخل الليبي، لافتا في الوقت ذاته أن تعدي سرت والجافرة سيكون حافزا لوجود رد مصري في ظل شرعية دولية رافضة لتوغل القوات التركية والعبث في الشأن الليبي الداخلي.

مصر ليست وحدها!

تمتلك مصر شرعية دولية ضد التدخلات التركية في الداخل الليبي، وبالتأكيد ليست وحدها في المنطقة بل هي مدعومة من قبل قوى إقليمية وأوروبي في الوقت ذاته.

وسبق تحذير الرئيس السيسي، حديث لافت للرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون الذي عبر خلاله عن قلقه من “مخاطر التصعيد” في ليبيا، والنتائج المترتبة على تزايد التدخلات العسكرية الأجنبية في الأراضي الليبية والذي من شانه أن يحول ليبيا إلى ساحة حرب غير قابلة للعودة للحياة الطبيعية من جديد.

وكذلك، ندد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بما وصفه التدخل الصارخ التركي في الشأن الليبي الداخلي، لافتا إلى خطورة الاتفاقات التي وقعت بين حكومة فائز السراج وتركيا وما يترتب عليها من تصعيد داخلي للأزمة الليبية.

وفي السياق ذاته، أعرب الاتحاد الأوروبي، عن ما وصفه بـ”القلق” البالغ تعقيبا على تصويت البرلمان التركي بالتدخل عسكريا في الحرب الأهلية المتصاعدة في ليبيا.

نجاح مصري بتأييد دولي

نجحت مصر في تحذير تركيا من خطورة التوسع في التدخل بالشأن الليبي، وفضلت “تركيا” أن تأخذ خطوة للخلف دون السير تجاه صراع عسكري مباشر مع مصر في ظل الدعم الدولي التي تحظى به، فضلا عن إعادة تركيا لحساباتها من جديد في ظل تغير الاحداث في الداخل الليبي وتطلع قطاعات كبيرة من الجهات المتصارعة إلى الحل السلمي.

كما كان أحد أسباب انحسار الدور التركي في الداخل الليبي، المبادرة المصرية التي تم تدشينها في أعقاب سيطرة قوات الوفاق على طرابلس في مقابل تعنت حكومة الوفاق وحليفها التركي، هذا إلى جانب ازدياد عنصر الضغط الدولي والإقليمي على الجانب التركي والضغوطات التي مورست من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وفرنسا من أجل دفع تركيا للتراجع خطوات للوراء وعدم التصعيد في ليبيا.

يرى مراقبون أن تركيا فكرت كثيرا قبل خطوتها التالية في ليبيا، وجدت نفسها ما بين مواجهة عسكرية مباشرة مع الجيش المصري وما يترتب عليه من تراجع دورها الإقليمي، فضلا عن عدم معرفته بشكل كاف لعواقب وتداعيات تلك المعركة في ظل الضغط الدولي الممارس عليها لذا عمدت إلى تهدئة الاجواء دون إعلان واضح سوى من خلال الممارسات على أرض الواقع.

زيادة التواجد المصري

وفي خطوة جديدة تزيد من التواجد المصري في الداخل الليبي وتعبر عن مدى نجاح التحركات الخارجية المصرية، توجه وفد مصري رفيع المستوى قبل أيام في زيارة إلى العاصمة الليبية طرابلس للقاء أحمد معيتيق نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي.

تأتي الزيارة بعد انقطاع دام 6 سنوات منذ يناير 2014، حيث عمدت الخارجية المصرية إلى إجلاء جميع العاملين الرسميين في السفارة المصرية بـ”ليبيا” على خلفية اختطاف 4 من الدبلوماسيين المصريين.

أكدت الزيارة على عمق العلاقات المصرية الليبية، وتناول الطرفان عدد من الملفات الهامة التي تمثل تقدما ملحوظا في تغير شكل العلاقات، إذ تم الإشارة إلى امكانية عودة الرحلات الجوية بين مصر وليبيا في أقرب وقت ممكن.

لم يكن الحديث عن عودة الرحلات الجوية بين مصر وليبيا الملف الوحيد المطروح على طاولة الحوار، ولكن تم التطرق إلى إمكانية عودة استئناف عمل السفارة المصرية في طرابلس من جديد.

بداية لحل سياسي شامل

وفي هذا الصدد، يقول أحمد جمعة الباحث المتخصص في الشأن الليبي، إن زيارة وفد رفيع المستوى مصري إلى ليبيا يستهدف اعادة استئناف عمل السفارة المصرية في ليبيا بجانب إعادة استئناف العمل أيضا في القنصلية المصرية في بني غازي، والزيارة غرضها تحديد نوع الدعم اللوجيستي المطلوب لإعادة استئناف العمل.

وأضاف جمعة في تصريح لـ”مصر 360″، أن تلك الخطوة تمثل أهمية كبيرة وتعزز دور مصر في التواصل المباشر مع الأطراف الليبية وتسهل من عملية رسم صورة واقعية لما يدور داخل الأراضي الليبية، فضلا عن دعم الجالية المصرية في ليبيا لتواجد العديد من أبناء الشعب المصري ضمن حدود ليبيا لأسباب مختلفة.

واستطرد: «تلك الخطوة استمرار لدور مصر في التوصل لحل سياسي شامل نهائي للازمة الليبية وتأكيد على سعي مصر على استمرار حالة الاستقرار، هذا إلى جانب مزاحمة الجانب التركي وعدم ترك مساحة فارغة للجانب التركي ليكون اللاعب الوحيد الحاضر بقوة داخل الأراضي اليبية»

ويرى جمعة أن مصر لديها قبول لدى كافة الأطراف الليبية لعدة عوامل أولها العلاقة التاريخية التي تربط مصر بجارتها الغربية ليبيا، بجانب علاقات المصاهرة بين الشعب المصري والليبي، فضلا عن عامل اللغة المشتركة الذي يسهل عملية التواصل بين الطرفين.

وتابع: «يتضح بشكل مباشر سعي مصر إلى الحل السياسي في ليبيا بعيدا عن حمل السلاح ومحاولة إثبات كل طرف صحة موقفه باستخدام الرصاص، لذا عمدت مصر إلى زيادة التواجد لتكون حلقة وصل بين كافة الأطراف وتسهل من عملية استمرار الاتفاق بين الجبهتان في الداخل الليبي».