في نوفمبر الماضي، أعلن حزب الغد برئاسة موسى مصطفى موسى تأسيس “حكومة ظل”. هذه الحكومة مهمتها مراقبة أداء الحكومة والتقدم بحلول في عدد من الملفات المختلفة.

لم تكن محاولة “الغد” الأولى من نوعها. إذ جرت تجارب عديدة في أعقاب ثورة 30 يونيو، في محاولة تدشينها بصبغة شبابية مطعمة بخبرات كبيرة. يمكن وصف بعضها بأنه لم يكن ذي جدوى. فيما نجح البعض الآخر في التواجد الحقيقي والانتقال من الظل إلى تمثيل حكومي فعلي.

عادل عصمت المتحدث الإعلامي باسم حزب الغد قال عن هذا إن الحزب بالفعل شرع في تشكيل حكومة ظل خاصة باسمه. وذلك على غرار الأحزاب التي سبق وأن دشنت حكومات مماثلة. بينما لفت -في تصريحات صحفية- أن المرشح الرئاسي السابق رئيس حزب الغد موسى مصطفى موسى وضع مخطط زمني واضح المعالم من أجل استكمال تشكيل الحكومة وضم الكوادر ذات الخبرات. ذلك فضلاً عن تدريب الشباب من أجل تكوين رؤية واضحة ومحددة.

حكومة الظل.. من بريطانيا بدأت

بدأ مصطلح حكومة الظل في التواجد على الساحة السياسية في أواخر القرن التاسع عشر في بريطانيا. وهي واحدة من أكثر التجارب الديمقراطية في العالم إلهامًا. وقد نشأت فكرة حكومة الظل ووجد لها أساس من خلال قانون وزراء العرش عام 1973.

الفكرة لم تخرج إلى النور من باب المكايدة في الأنظمة الحاكمة. وإنما نشأت لاستكمال أدوات النظام الديمقراطي وإيجاد معارضة قادرة بأدوات محددة وواضحة على إدارة الدول والتقدم خطوة نحو تحمل المسؤولية في ظل ظروف استثنائية.

في بداية الأمر مع ظهور مصطلح حكومة الظل، كانت اللعبة السياسية تقتضي بأن ينشئ أعضاء الحكومة التي خسرت في الانتخابات رفقة قوى المعارضة حكومة ظل تراقب الحكومة وتساعد بمقترحات وآليات عمل محددة في وضع روشتة للأزمات.

مع كثرة التجارب وحالة التطور الديمقراطي الأخذة في الصعود خاصة في إنجلترا بلد منشأ “حكومة الظل”، أصبحت جزء أصيل من العملية السياسية برمتها ولها أدوار تلعبها بجدارة واستحقاق، تحولت المعارضة إلى مستأنسة. وقد اطلق عليها في بريطانيا اسم “المعارضة الوفية”، في إشارة إلى دورها في دعم النظام الحاكم عن طيب خاطر.

كيف يمكن تعريف حكومة الظل؟

حكومة الظل غير رسمية لا تملك أي أدوات تنفيذية، وهي تُبنى من قبل القوة المعارضة، لتضع نفسها بين راحتي النظام. تقدم الحلول والأطروحات، وتعمل جنبًا إلى جنب مع الحكومة الفعلية. هنا يُمكن القول إن حكومة الظل هي حكومة تسير في خط مواز للحكومة الفعلية دون أدوات تنفيذية حقيقية في يدها.

جرت العادة أن تتكون حكومة الظل من الحزب أو الأحزاب المعارضة ككل ويرأسها زعيم المعارضة في حالة النظم الديمقراطية ويتقاضى زعيم الأغلبية مخصصات حكومية.

وتمثل حكومة الظل لقوى المعارضة بروفة لتولي الحكومة. هذا لأنها تتكون من وزارات وتملك كل وزارة الملفات وتطرح من خلال متخصصون وخبراء حلول وتشير إلى أخطاء الحكومة الفعلية. إذن يمكن اختصار دورها في تصويب العملية السياسية والاستعداد لكافة الاحتمالات على رأسها تولي المسؤولية كاملة.

لذا كان الاعتماد عيها من الأنظمة الحاكمة الديمقراطية غرضه تدعيم الخط الديمقراطي للدولة والاستماع إلى وجهات النظر المختلفة وتطويع المعارضة من أجل مصلحة البلاد.

تاريخ حكومات الظل في مصر؟

ظلت مصر بعيدة عن فكرة حكومات الظل في نظامها الجمهوري. لكن مع تطور الانظمة وتعاقب الحكام وحالة الحراك السياسي خلال حقبة حكم الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، ظهر المصطلح للمرة الأولى على الساحة السياسية. وجاءت ثورة يناير لتضفي عليها صك الجدية. إذ تم الاعتماد على عدد من وزراء حكومة الظل في تشكيل حكومة ما بعد الثورة.

كانت الحكومة نتاج ائتلاف بين حزب الوفد والغد. وحدث أن تولي وزراء بحكومة الظل على شاكلة الدكتور علي السلمي، الذي شغل منصب رئيس الحكومة الموازية منصب نائب رئيس الوزراء الفعلي في يوليو 2011.

كذا حصل منير فخري عبد النور، على منصب وزير السياحة عام (2011 – 2012). ومن ثم عاد وتواجد في منصب وزير التجارة والصناعة في عام 2013.

وقد مثلت التجربة الأولى النموذج الذي يحتذى به، ونجاحها كان واضحًا جليًا عندما تم اختيار أفراد منها ليمثلوا الحكومة الفعلية للبلاد.

في عام 2015 عمد حزب الوفد -صاحب التاريخ العريق- إلى إعادة إنتاج حكومة الظل. إلا أن الرؤية التي طرحتها في ذلك الوقت لم تكن الرؤية المعتادة للمفهوم المتعارف عليه في العالم. إذ أعلن الحزب -في بيانها التأسيسي- أن عملها يلزمها بدعم الحكومة والدولة وأجهزتها. وهو ما يخالف المفهوم العلمي لحكومة الظل التي عملها يتمثل في نقد الحكومة وتقديم رؤية مختلفة مغايرة بنتائج أكثر فاعلية. وعلى أساسه انتهت حكومة الظل كأنها لم تقم.

في عام 2018 أعلنت 7 أحزاب هي: الوفد – الحركة الوطنية – الحرية – مصر الحديثة – الغد – الجيل – الإصلاح والنهضة العمل على تشكيل حكومة ظل تتكون من الشباب. وذلك في محاولة لتدريب وتفريخ كوادر سياسية شابة قادرة على إدارة دفة الحكم في البلاد. إلا أنها ارتكبت نفس الخطأ الذي حول المفهوم العام في العالم إلى مفهوم خاص للسياسة المصرية بأن الهدف وراء تدشين الكيان هو دعم الدولة ومؤسساتها وأجهزتها.

حضور ضعيف

خلال السنوات الماضية لم تغب فكرة حكومة الظل عن الواقع السياسي المصري إلا أنه تم تقديمها بشكل مغاير، سواء في الأدوات أو المفهوم. فعاد مصطلحها من جديد إلى الساحة عبر محاولات وأطراف سياسية مختلفة. لكن جميعها تم تقديمه على كونه حكومة هدفها دعم الدولة. وهو ما يخالف المفهوم الأساسي لحكومة الظل التي تستهدف تولي الحكم إذا ما سقطت الحكومة الموجودة، وتعتمد النقد وسيلة لتبيين أخطاء الحكومة الحالية. بمعنى أنها تشير إلى الإيجابيات والسلبيات، وتطرح رؤى مختلفة، وتعمل على تربية كوادر سياسية قادرة على الإدارة عند إسناد المهمة إليها.

كافة المحاولات التي ظهرت في أعقاب ثورة 30 يونيو لم تكن جادة سواء في الطرح أو العمل على أرض الواقع.

 

الكرامة يدرس تدشين حكومة ظل

كشف أحمد طنطاوي النائب البرلماني السابق ورئيس حزب الكرامة، إن الحزب عقد اجتماع لأول مرة مع مجلس أمناء الحزب وناقش البند الخاص بتدشين حكومة ظل تعمل على تقديم نقد للحكومة وتقديم الأطروحات في مختلف المجالات. خاصة وأن الحزب يمتلك عددًا من الوزراء السابقين ضمن كوادره.

يوضح طنطاوي، لـ”مصر 360″، فيقول إن الفترة المقبلة ستشهد ظهور الحكومة المشكلة من قبل حزب الكرامة إلى النور. مضيفًا أن هذه الحكومة ستعمل على دراسة كافة الملفات والتحديات التي تواجه الحكومة الفعلية، وستعمل على توضيح الرؤى للمواطن قبل الحكومة. فالغرض منها ليس المناكفة في وجه الحكومة وإنما تقديم يد العون لتقديم خدمة ودور أكثر حيوية للمواطن، على حد قوله.

أما عن عدم سعي تكتل (25-30) إلى تدشين كيان مماثل، فإن طنطاوي يرى أن التكتل كان بالفعل يملك أدوات رقابية بحكم الدستور ولم يكن هناك حاجة إلى تدشين كيان آخر لا يملك أي حق دستوري في محاسبة الحكومة. “كافة التجارب السابقة للأحزاب فتحت المجال لتكرار التجربة بشكل أكثر جدية وتزيد من إمكانية تنفيذ الأمر سواء كانت فاعلة أو غير ذلك”؛ يقول النائب السابق.

غياب التنشئة السياسية

يقول دكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية، إن نشأة مفهوم حكومة الظل في مصر بدأ قبيل ثورة 52 في ظل النظام الملكي. وكان حزب الوفد أحد أكبر الأحزاب ضلوعًا في طرح الفكرة. وأنه عندما جاءت الثورة وتم إلغاء الأحزاب وحتى مع عودة هذه الأحزاب مجددًا، لم تحضر فكرة حكومة الظل مرة أخرى.

ويضيف فهمي، في تصريح لـ”مصر 360″، أنه خلال العقود الماضية غابت الفكرة. ذلك لغياب التنشئة السياسية للشباب وإعداد الكوادر القادرة على إدارة ملفات كبيرة. إذ يرتكز هذا الشكل من الحكومات على وجود متخصصين كل في مجاله، من أجل وضع رؤى مختلفة عن التي تضعها الحكومة الفعلية. لذلك لم تكن كافة حكومات الموازية -خاصة التي خرجت في أعقاب ثورة يناير ويونيو- ذات قيمة أو تواجد. هي فقط للشو الإعلامي والبحث عن سبيل لفتح قنوات اتصال مع الأجهزة المعنية والحكومة، وليس تقديم المشورة والنقد اللازم لتصحيح المسار، على حد قول فهمي.

يشير أستاذ العلوم السياسية أيضًا إلى أن تجربة تنسيقية شباب الأحزب هي الأوفر حظًا لتشكيل حكومة قادرة على تقديم شكل مختلف عن أداء الحكومة. وذلك لتوافر العناصر اللازمة: التربية السياسية – تمثيل لكافة الأحزاب – تواجدها في المجالس النيابية أو الحكومة نفسها من خلال نواب ومساعدين. لذا فإنه يعتقد أن الفرصة سانحة لتدشين حكومة ظل هادفة وحقيقية، تضع حلولاً وتقدم أطروحات مبنية على أسس علمية.