شهدت الأسابيع الماضية انتشارًا كبيرًا لتطبيق التواصل الاجتماعي الجديد “كلوب هاوس Club House”. وهو تطبيق يعتمد على غرف الدردشة الصوتية فقط، يعيد إلى الذاكرة خبرات التواصل مع “بالتوك Paltalk” وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى قبل انتشار ثقافة الفيسبوك وتويتر.

ظهر كلوب هاوس العام الماضي في ظل تفشي وباء كورونا -تحديدًا مارس ٢٠٢٠- وهو الأمر الذي فيما يبدو ساعد على انتشاره بشكل واسع.

على الرغم من أن التطبيق لا يزال في مرحلة تجريبية فهو متاح حاليًا لمستخدمي “آيفون” فقط. وذلك بنظام الدعوات من مستخدم حالي للتطبيق. ومع ذلك فإنه يشهد إقبالاً كبيرًا فاق توقعات منشئ التطبيق نفسه. خصوصًا بعد استخدام إيلون ماسك – أغنى رجل في العالم ورئيس مجلس إدارة شركتي تسلا وسبيس إكس- “كلوب هاوس” للتحدث عن أسهم شركة “جيم ستوب”.

أيضًا، استخدم هذا التطبيق مارك زوكربيرج رئيس مجلس إدارة “فيسبوك”. حيث استضاف غرفة دردشة تحدث فيها عن تكنولوجيا المستقبل.

وعلى الرغم من العقبات التي واجهها تطبيق “كلوب هاوس” خصوصًا عقب حجبه مؤخرا في الصين، وصدور دراسة من مرصد ستانفورد للتكنولوجيا شككت في سياسة الخصوصية الخاصة به. إلا أن أعداد مستخدميه في زيادة مستمرة تصل إلى ٢ مليون مستخدم في الأسبوع.

ما هو كلوب هاوس؟

كلوب هاوس شبكة تواصل اجتماعي تعتمد بشكل حصري على المحتوى الصوتي. ويمكن للمستخدم داخل التطبيق أن يتابع أصدقائه وما يقدمونه من محتوى أو حتى يتابع مواضيع يهتم بها.

شكل المحتوى داخل تطبيق “كلوب هاوس” مختلف عن الشكل المتعارف عليه داخل شبكات التواصل الأخرى. فبالإضافة إلى أن المحتوى كله معتمد بشكل حصرى على الصوت، فإن المحتوى كله عبارة عن غرف دردشة صوتية مفتوحة للجميع. وذلك دون وجود أي طريقة لمطالعة المحتوى بعد انتهاء البث. الطريقة الوحيدة لمتابعة محتوى معين هي متابعته بشكل مباشر أثناء بثه.

حتى الآن من غير المعروف أن تطبيق “كلوب هاوس” سيضيف المزيد من المميزات كتسجيل الدردشات وجعلها متاحة للمستخدمين فيما بعد مثلاً. أو إضافة طريقة لمشاركة نصوص أو روابط. وهي أحد المشاكل التي اشتكى منها كثير من المستخدمين الأوائل.

التطبيق لقى رواجًا كبيرًا بين بعض الفئات في بدايته، خصوصًا في فئة رواد الأعمال. إلا أنه مع تزايد أعداد المستخدمين أصبحت المواضيع التي تتناولها غرف الدردشة متنوعة للغاية، وتغطي تقريبًا جميع مناحى الحياة والاهتمامات.

من أين أتت الفكرة؟

الفكرة وإن كانت تظهر كفكرة جديدة إلا أنها في حقيقة الأمر الفكرة ذاتها التي قامت عليها غرف دردشة تطبيق “بالتوك paltalk” نهاية الألفية الماضية. فمع انتشار الإنترنت في نهاية التسعينيات ظهرت برامج الدردشة مثل ICQ و Yahoo و MSN التي اعتمدت على الكتابة ثم المكالمات الصوتية والفيديو قبل ظهور Paltalk. ليتحول الأمر من دردشة بين أصدقاء إلى غرف دردشة مفتوحة حسب المواضيع.

Paltalk وغيرها من برامج الدردشة لا يمكن اعتبارها شبكة التواصل بمعناها المعروف حاليًا. فشبكة التواصل تحتاج إلى وجود شبكة من الأصدقاء لمشاركة المحتوى معهم. وفي هذا المجال يعتبر تطبيق Myspace الذي ظهر في العام 2005 هو أول شبكة تواصل بالمعنى المعروف حاليًا، والذي على خطاه ظهر تطبيق “فيسبوك” في العام 2007 وغيره من تطبيقات التواصل المنتشرة حاليًا.

كلوب هاوس في شكله الحالي يعتبر هجين بين برنامج تواصل صوتي مثل Paltalk وشبكة تواصل اجتماعي بمعناها المعاصر.

لماذا نجح في وقت قياسي؟

نجاح كلوب هاوس يمكن إرجاعه إلى العديد من العوامل. أهم تلك العوامل ميل مستخدمي وسائل التواصل من جيل الألفية أكثر إلى استخدام الصوت للتواصل. فخلال العام الماضي ارتفعت نسب استخدام الرسائل الصوتية على مختلف برامج الدردشة (واتس اب – ماسنجر – تيليجرام … إلخ). كما ارتفعت أيضًا نسب الاستماع وإنتاج البودكاست – برامج اذاعية عبر الإنترنت) بشكل كبير.

العامل الآخر يرجع إلى ما يُعرف حاليًا في عالم الإنترنت بتأثير إيلون ماسك أو Elon Musk effect. فهذه ليست المرة الأولى التي يشهد منتج أو خدمة إقبالاً كبير من قبل المستخدمين. ذلك عقب إعلان إيلون ماسك استخدامه له.

خلال العام الماضي فقط حدث ذلك أكثر من مرة سواء مع تطبيق “سيجنال” عقب تغريدة ماسك الشهيرة. حيث قال: “استخدموا سيجنال” أو حتى ارتفاع قيمة العملة الافتراضية البيتكوين 14٪ خلال ساعات من كتابة إيلون ماسك وسم #bitcoin في تعريفه على موقع “تويتر”.

عامل آخر من عوامل نجاح “كلوب هاوس” وحتى بعض التطبيقات التواصل الجديدة الناشئة في العام الماضي هو بحث العديد من مستخدمي وسائل التواصل عن خدمات بديلة. بعد أن أصبحت أهم شبكات التواصل مملوكة لشركتين فقط (فيسبوك وتويتر) وسيطرتهم على ذلك السوق الضخم. فضلاً عن خشية البعض على خصوصيتهم بعد أن أصبحت تلك الشركات تملك كمًا ضخمًا من المعلومات عن المستخدمين.

أيضًا حجب بعض خدمات التواصل وخصوصًا “فيسبوك” العديد من حسابات المستخدمين لفترات معينة أو حتى إلغاء الحسابات كليًا دفع الكثير إلى محاولة وجود خدمات وتطبيقات جديدة للتواصل.

ما هو مستقبل كلوب هاوس؟

بالرجوع إلى تاريخ بعض تطبيقات التواصل الناشئة والناجحة في الماضي يمكننا أن نستنتج ما هو مستقبل كلوب هاوس. الاحتمال الأول أن تستحوذ عليه إحدى خدمات التواصل الأكبر كفيسبوك أو تويتر. ومع الوقت قد يتم ضم كلوب هاوس إلى باقي المنتجات التي تقدمها تلك الشركات. وهو ما حدث مع إنستجرام وواتس آب، بعد أن استحوذت عليه فيسبوك.

الخيار الثاني هو عدم الاستحواذ ولجوء الشركات الكبرى إلى نسخ تجربة كلوب هاوس داخل تطبيقاتها الموجودة حاليًا. وهو ما حدث مع سناب شات. فبعد رفض سناب شات لصفقة استحواذ من بعض الشركات الكبرى كان على رأسها فيسبوك، نسخت فيسبوك خاصية القصص على تطبيقها. وهو الأمر نفسه الذي فعلته تويتر، ما أضر كثيرًا بعدد مستخدمي سناب شات.

يبدو أن هذا هو الاحتمال المرجح أكثر، فوفق صحيفة “نيويورك تايمز”، فإن فيسبوك تعمل على نسختها الخاصة من كلوب هاوس. أما بالنسبة لتويتر فمن المعروف أنها تختبر منذ فترة خدمتها الجديدة المعرفة باسم Spaces. وهي غرف دردشة صوتية يمكن لـ 10 أفراد التحدث في كل منها ويستمع إليهم عدد غير محدود من المتابعين.

قصة “تيك توك”

الاحتمال الثالث وهو المستبعد ما حدث مع شركة “تيك توك” الصينية. فرغم الحرب الاقتصادية الأمريكية الصينية، والضغط الأمريكي على تيك توك والحكومة الصينية لبيع الخدمة بعد شعبيتها الكبيرة في الولايات المتحدة. إلا أن تيك توك استطاعت تجاوز كل تلك الأزمات والتفت حول القرارات الأمريكية بإسناد إدارة عملياتها داخل الولايات المتحدة لشركة سيسكو الأمريكية.

ما منع الشركات الكبرى من نسخ تيك توك داخل تطبيقاتها هو الخوارزميات الخاصة التي تمتلكها شركة تيك توك. ويمكن اعتبارها “الخلطة السرية” للتطبيق. تلك الخوارزميات التي ترشح للمشاهدين مقاطع فيديو مختلفة مناسبة اهتماماته بشكل مستمر مما يجعل المستخدمين يقضون وقت أكثر من التطبيق.

كلوب هاوس كغيره من العديد من تطبيقات التواصل التي ظهرت خلال العام الماضي في ظل الجائحة. وقد برهنت على أن هناك حاجة إلى طرق جديدة ومبتكرة للتواصل بين البشر عبر الإنترنت. وأن هناك حاجة ملحة للخروج من تحت سيطرة الشركات الكبرى التي تسيطر على شبكات التواصل الحالية. وأن التواصل الصوتي قد يكون هو الصيحة الجديدة في عالم التواصل بعد أن سيطرت الكلمات المكتوبة والصور ومقاطع الفيديو لسنوات طويلة.

لكن التحديات التي يواجها كلوب هاوس، سواء تقنيًا أو من قبل شركات التقنية الكبرى، توضح أنه قد يكون من المبكر التفكير فيه أو في خدمات أخرى مماثلة له ظهرت حديثًا أن تكون بديلةً لـ”فيسبوك” أو “تويتر” في المستقبل المنظور.