برسوم كاريكاتيرية للفنان سمير عبد الغني، تُظهر عددا من أفراد الأمن يتوسطهم رجل تبدو عليه معايير الفقر المدقع، ويعلوها جملة”وأنا في القفص- ديوان عامية”، لكاتبه ماهر مهران. غلاف يشي بمضمونه بكل تأكيد لذا وجد صعوبة كبير في النشر، ومُنع من الحصول على رقم إيداع والسبب “المضامين السياسية” بقرار من دار الكتب.

هذا الديون هو الثاني عشر لماهر مهران ضمن 17 عمل أدبي، من بينهم رواية “عشى ليلي” مزج الاقتباس السياسي بالالتباس الاجتماعي، “أين أذهب يارب”.. عن ليالي الونس والفقد في الصعيد، وهو كاتب وروائي، وعضو اتحاد كتّاب مصر.

يقول مهران إنه سبق له التعامل مع أكثر من دار نشر حكومية، ولكن نظرًا للظروف المحيطة بالإصدارات في مصر لم يكن أمامه خيار إلا التعاون مع إحدى دور النشر الخاصة: “تم الاتفاق بيني وبين دار نشر يوريكا والتي تساهم في مبادرة لها بتقليل النفقات على المبدعين”.

ويضيف في حديثه لـ”مصر360″ أن المبدع يهمه نشر عمله خاصة أنه أصبح هناك مشاكل في نشر الأعمال الشعرية لاعتبارها لا تحقق ربحًا، لذا وافقت على نشر الديون بطبعته الأولى إلكترونيًا لتجنب أي معوقات أو صدامات، وتم إرسال خمس نسخ للدار الكتب للاطلاع والحصول على رقم إيداع.

الدار جهة إصدار وليست جهة تقييم

يتابع أن الدار هي جهة إصدار وليست جهة تقييم إلا أنها قررت أن تتخذ دورًا جديدًا ورفضوا منح الديوان رقم إيداع بحُجة أن العناوين سياسية والغلاف أيضًا، وهو ما يعد انحرافا خطيرا في خط دار الكتب -بحسب وصفه.

“هذا ديوان شعر عامية إذا كان لابد أن يتم محاكمته فتكون على أسس ومعايير الشعر دون غيرها، يؤكد مهران نشره عدد من الروايات بالخارج وترشحت لجائزة الشيخ زايد، ولكنها ليست المرة الأولى التي يتم مطالبتي بتغير عنوان أو حذف قصيدة، لكن الآن أصبح منع كامل، ويشير إلى أنه سينتظر أي عروض خارجية للنشر ولن يتردد في ذلك.

ويستكمل أن ما يمارسه مسؤولو دار الكتب من تعنت وتضييقات سيؤدي إلى عزوف المبدعين عن النشر.

للسبب ذاته تم مصادرة كتاب “هل مصر دولة فقيرة حقا” للباحث الاقتصادي، عبد الخالق فاروق. وعلق فاروق حينها إنه لا يعرف سبب مصادرة الكتاب الذي حصل بالفعل على جميع التراخيص اللازمة لإصداره من الجهات المعنية، على حد قوله.

ويشير الكتاب إلى أن مصر تمتلك موارد كثيرة لا يتم توظيفها بشكل سليم، وأن الكثير من هذه الموارد تهدر في ظل تفشي ما يصفه بأنه فساد إداري في الدولة، ويتضمن الكتاب حلولا مقترحة للخروج من الأزمة التي تواجه مصر حاليا.

في هذا السياق، صرح الدكتور هيثم الحاج علي، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، بأنه ليس من اختصاصات وزارة الثقافة الرقابة على الكتب التي تصدر في سوق النشر، أي كان من دار نشر خاصة أو حكومية، ولكن يمكن أن تبدئي رأيها الفني فقط وإذا طُلب منها ذلك، وأن الجهة الوحيدة المنوطة بهذه السلطة  القانونية هي شرطة المصنفات فقط، مع التأكيد على أن الدستور نص بالرقابة على الكتب بعد طباعتها وإصدارها في السوق ما يعرف بالرقابة البعدية.

في دراسة أصدرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء سجل عدد الكتب والكتيبات المؤلفة والمترجمة المودعة إيـداعا قانونيا بدار الكتب والوثائق القومية نحو 14.8 ألـف كتاب وكتيب وبلغ عدد النسخ المطبوعة نحو 148.2 ألــف نسخــة عــام 2018 مقابل 14.6 ألــف كتاب وكتيب وبلغ عــدد النسخ المطبوعة 146.1 ألــف نسخة عام 2017 بنسبة زيادة قدرها 1.5٪.

ورغم الأرقام السابقة إلا أنه هناك شكوى متكررة من التضييق على المطبوعات في مصر بشكل كبير في السنوات الأخيرة، حيث  امتنعت دار الكتب والوثائق القومية عن إصدار رقم إيداع  لعدد من الكتب وكان أبرزها كتاب “الخازوق” الصادر عن دار ميريت، وذلك في 5 يناير 2017. 

رغم اعتيادية منح رقم للإيداع يصاحب إصدار رأي كتاب جديد، إلا أنه لا تُمنح في بعض الحالات لأسباب سياسية.

و أوجب قانون حماية حق المؤلف – والذي حل محله لاحقا قانون حماية الملكية الفكرية – تحديد ميعاد إصدار الكتاب لبدء حساب المدة، ومن هنا نشأت فكرة “رقم الإيداع” وورد ذكرها في القانون بإلزام القائم على نشر الكتاب بإيداع نُسخ من المصنف “الكتاب”، وبهذا الإيضاح تم تجنيب العقوبات السالبة للحرية في حالة عدم إيداع الكتاب بدار الكتب المصرية.

دار الكتب ليست منوطة بممارسة أي نوع من الرقابة على المطبوعات، وإنما تمنح الناشرين والطابعين ما يسمى برقم الإيداع على المطبوعات، ووظيفة رقم الإيداع الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية للمؤلفين، خاصة أن هناك العديد من النصوص القانونية التي تفرض أنوع مختلفة من الرقابة على المطبوعات بذريعة حماية الحياء العام والآداب العامة والنظام العام، ولكن تندرج أغلب هذه النصوص تحت مسمى الرقابة اللاحقة على المطبوعات، حسبما يوضح المحامي الحقوقي أحمد عزت.

الرقابة على المطبوعات في مصر

وسبق أن أصدر عزت دراسة بعنوان “الرقابة على المطبوعات في مصر” حينما كان مدير الوحدة القانونية بمؤسسة حرية الفكر والتعبير تحدث فيها بشكل موسع عن القيود التي تحاصر حركة المطبوعات في مصر.

وسردت الدراسة بعضا من نماذج الرقابة على حقوق النشر والإبداع، من بينها الحكم بمصادرة رواية “مترو” وتغريم المؤلف والناشر مجدي محمد عبد الستار في العام 2009، لوجود عبارات خادشة لحياء القيم المصرية. كما واجه بعض الكتاب التعسف في السماح بنقل مؤلفاتهم خارج البلاد، ومن بينهم الذي أقام دعوى قضائية على شيخ الأزهر ورئيس مجلس إدارة ميناء القاهرة الجوي لمنعه بشحن مؤلفاته خارج البلاد، كما تم الحكم بإلغاء قرار رفض التصريح بنشر كتاب “براءة النبي يوسف من الهم بالسوء والفحشاء” عام 2010، وفي العام ذاته تم إلغاء الحكم بإلغاء قرار رئيس الهيئة العامة للكتاب بوقف توزيع كتاب “من دلائل عظمة الرسالة المحمدية”،  كما تم الامتناع عن قيد  شركة الشاعر للنشر.

وأوصت الدراسة بأنه ينبغي على الحكومة تفعيل التزاماتها الدولية بشأن حرية الفكر والتعبير وتحديدًا المادة 19، من قانون العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، كما ينبغي إلغاء قانون المطبوعات المصرية رقم 20 لسنة 1936.

ويشير عزت إلى أن عملية الرقابة تبدأ بعد نشر المطبوعة، ولا تنطبق هذه الإجراءات على الصحف بأنواعها التي يتطلع عليها الرقباء قبل توزيعها ويتدخلون في المحتوى ويطلبون حذف موضوعات وتغيير عناوين وقد يصادرون أعداد بأكملها قبل وصولها للقارئ.

ويضيف أن الموافقة الأمنية المسبقة لتداول المطبوعات الأدبية والشعرية على سبيل المثال تنطبق إلى حد كبير على المطبوعات الواردة من خارج مصر وليس على المطبوعات التي يتم إنتاجها محليًا حيث تتعرض المطبوعات الواردة من الخارج لعدد من الإجراءات الرقابية منذ وصولها المطارات أو الموانئ وحتى تسلميها لصاحبها أو مصادرتها من قبل السلطات إذا انطوت على مخالفة لشروط قوانين ولوائح المطبوعات.

ويتابع: “اعتراض دار الكتب على إعطاء رقم إيداع لكاتب أو مؤلف بسبب غلاف أو عنوان الكتاب فهذا خارج اختصاص دار الكتب لأن وظيفة رقم الإيداع هي اثبات تاريخ انتاج المصنف الفني أو الأدبي لحماية حقوق المؤلف التي تتقادم على مؤلفه بمرور مدة معينة يحددها القانون، وبالتالي لحساب هذه المدة يتم الرجوع لرقم الإيداع”.

ويحق للكاتب -بحسب عزت- إقامة دعوى قضائية أمام القضاء الإداري ضد دار الكتب ومطالبة المحكمة بإلزام الدار بإعطائه رقم إيداع لمخالفة قرار دار الكتب للقانون، ما يجعل هذه الممارسات الرقابية هي ضد حرية التعبير وتعيق تطور الإبداع الفني والأدبي في المجتمع وتحرم الجمهور من العديد من الأعمال الابداعية، لكنها إجراءات تتسق مع السياسة العامة التي تنتهجها الدولة بفرض حصار غير مسبوق على كل الأصوات التي لا تمجد السُلطة.