عند مشاهدة فيلم Promising Young Woman والذي تم عرضه في 2020 من بطولة Carey Mulligan, Bo Burnham, Alison Brie، وسيناريو وإخراج Emerald Fennell سنجد قصة يندهش الكثير منا أنها موجودة في الغرب، حيث يتم اغتصاب فتاة بواسطة أصدقائها، مما يدفعها إلى الانتحار، قصة كهذه لا نصدق أنها موجودة هناك حيث دأب وعينا علي اعتبار أمريكا وأوروبا هي الجنة بالنسبة لنا، واحة الديمقراطية والقانون.
سوف تقدم لنا السينما صورة مختلفة عن خيالاتنا، قصة تكسر الصور الذهنية النمطية، حيث يقدم الفيلم قصة فتاة تسهر مع أصدقائها في احتفال يشربون ثم يحتجز مجموعة من الشباب زميلتهم في غرفة بفندق ويتناوبون على اغتصابها وتصويرها، وعند اللجوء للقضاء من قِبل الفتاة تجد من يشهد عليها من زميلاتها وأستاذتها بحجة أنها كثيرًا ما تتناول الخمور ولديها علاقات حميمة متعددة، وبالفعل يتم تبرئة الفاعل الذي يُصبح بعد ذلك طبيب شهير، والزميلة التي شهدت تُصبح طبيبة معروفة وتتزوج وتعيش حياة مستقرة، والأستاذة تصير العميدة لكلية الطب، أما المجني عليها فقد انتحرت.
تبدأ الأحداث بعد انتحار المجني عليها، حيث إن صديقتها المقربة تترك الدراسة بكلية الطب وتعمل في محل لبيع القهوة، لكن الصديقة تحمل على عاتقها الانتقام من الذكور.
هذا الفيلم الذي يتماس ويتشابه مع واقعة مشابهة في بلادنا، يجعلنا نقف لنراجع الكثير من رؤانا نحو الآخر، وتلك السمات المثالية التي نصبغها على من لا نعرف ثقافته ولا طبيعة المجتمع.
فهل تأخذ السينما من الواقع أم يأخذ الواقع من السينما؟
في الفيلم المشار إليه نكتشف أن النساء يواجهن عنفًا وانتقاصًا في كل العالم، ربما تبدو الصورة في مجتمعاتنا الشرقية أكثر ألمًا وفجاجة، لكن الجميع يواجه واقعًا يتعامل مع المرأة بقسوة واضحة.
تتحول البطلة لشخص انتقامي حيث تقوم كل فترة بالتواجه في البارات وادعاء السُكر بما يفقدها القدرة على الحركة والتركيز، ومن ثم يقوم أحدهم بمحاولة مساعدتها، وتنتهي المساعدة في شقته، وهو يسعي لانتهاكها جسديًا، وبالطبع هي واعية جدًا، وتمارس ضده عنف واضح.
انتقام الضحية من الآخرين بغض النظر عن كونها تنتقم من أشخاص لم يؤذوها، ذلك لأنها لم تنجح في نيل حقوقها من الجاني الحقيقي، حالة تم التعرض لها أيضا في السينما فقد تم تقديم هذه الفكرة في الفيلم المصري 678 والذي تم إنتاجه في 2010 تأليف وإخراج محمد دياب وبطولة نيللي كريم – بشرى – ناهد السباعي، الفيلم الذي ناقش قضية التحرش، لم تجد بطلاته حلًا لما واجهن من تحرش وانتهاك ورغبتهن لاسترداد حقهن سوى الجريمة، فتقوم بطلات الفيلم بحمل مشرط أو دبوس إبرة لتُصيب المتحرش، وهذا لأن وقائع التحرش التي تعرضن لها لم تستطع أيا منهن الحصول على حقها، باختلاف طريقة ضياع الحق.
بين الخوف من المواجهة، أو المواجهة والإنكار المجتمعي، أو الخوف من المساس بالمكانة الاجتماعية إذا عُرف الأمر، في كل الحالات لم تنل الضحية حقها، ومن ثم أخذت كل منهن البدء في الانتقام من الآخرين من جناة محتملين، وبعد محاولات لإثارة القضية وفشلهن، يتحدن في نهاية الفيلم في تشكيل عصابي رغبة في الانتقام.
لو أن الفيلم الأمريكي قد تم إنتاجه في مصر لاعتقدنا أنه مأخوذ عن القضية الشهيرة المعروفة إعلاميًا “بحادث الفيرمونت”، لكنه فيلم أمريكي وقد تم إنتاجه العام الماضي أي متزامن مع القضية، علّه توارد خواطر في القصة الرئيسية.
هل تذكرون اللقطة الشهيرة للفنان حمدي الوزير والتي ظهر فيها بملامح تم اعتمادها كصورة كوميدية للمتحرش أو المغتصب، حيث هي لقطة له عندما قدم دور المغتصب في فيلم قبضة الهلالي. يتم تداول اللقطة المشهورة للفنان حمدي الوزير كأيقونة للتحرش فهل ساهمت السينما في تعريف الشباب بكيفية الاغتصاب أو التحرش؟
المؤكد أن تمرير لقطات التحرش في الأعمال الكوميدية ساهم بصورة كبيرة في تكرار الأمر واقعيًا حيث يقلد الصغار والشباب في مقتبل العمر نجمهم المحبوب، وانتظار أن يأتي الفعل بمادة كوميدية، كما حدث على الشاشة، الأمر الذي بحاجة لدراسة اجتماعية تستكشف كيف ساعدت السينما في انتشار ظاهرة التحرش، كما أن كُتاب السينما عليهم دور اجتماعي تجاه هذه الظاهرة التي يتم عرضها بوصفها طريقة لطيفة، وأداء مميز للبطل، فكيف يظهر البطل متحرشًا بفتاة، ثم نطالب طلاب المدارس باعتبار ما يفعله البطل جريمة؟
تكرار التحرش علي الشاشة، وأشكال الانتهاك الجسدي أكبر مساوئها أنها تخفف من رد فعل المشاهد تجاه هذه الظواهر، كما أن الاعتياد يصنع حالة لامبالاة، وربما تلك اللامبالاة هي التي تفسر أن الناس في الشارع أغلبها لا يهتم عند رؤية انتهاك جسدي لفتاة، فهل يلتفت صُناع السينما لهذا الفخ؟