منذ بداية وباء كورونا كانت الأطقم الطبية والتمريض ومازالت في صدارة المواجهة مع هذا الوباء القاتل، وقدموا تضحيات جليلة من أجل الإنسانية ومن أجل الوطن، وحسنًا ما فعلته الدولة مؤخرًا من محاولات تكريم شهداء تلك الأطقم الذين ضحوا بأرواحهم من أجل علاج المرضى ورعايتهم، وذلك من خلال الإعلان عن إطلاق أسمائهم على الشوارع أو المدارس أو المشروعات، وتقديم شهادات تقدير لأسرهم مع بعض الهدايا المادية أو المعنوية الرمزية.
ولكن هل هذا التكريم مجرد حدث عرضي ومؤقت؟، أم أنه تحول جوهري يضمن لأسر هؤلاء الشهداء استمرار الدعم والمساندة التي يستحقونها؟
أظن أن إرادة الدولة تتجه إلى استمرار هذا الدعم، ولتحقيق هذا الغرض لابد من ترجمة هذه الإرادة إلى إجراءات قانونية وإدارية تتضمن استمرارية الدعم من ناحية، ومن أخرى التعامل معه باعتباره حق دستوري وقانوني وليس منحة أو لفتة إنسانية عابرة.
فالمادة 65 من دستور 2014 تنص صراحة على تكريم الدولة لشهداء الواجب الوطني والمصابين فيها، وأن تكفل الرعاية اللازمة لأسرهم، وأن يكون لأبنائهم وزوجاتهم الأولوية في فرص العمل، وجوهر هذا النص درجت عليه أغلب الوثائق الدستورية المصرية.
وهناك أكثر من منظومة تشريعية لإعمال مثل تلك المبادىء بغية تكريم شهداء الوطن، نستعرض منها هنا ثلاث منظومات، هي:
المنظومة الأولى:
المشرع المصري ومنذ ستينيات القرن الماضى أصدر القانون رقم 71 لسنة 1964 بشأن منح معاشات ومكافآت استثنائية، ونص في مادته الأولى على جوازية منح معاشات ومكافآت استثنائية أو زيادات في المعاشات للعاملين المدنيين بالدولة الذين انتهت خدمتهم في الجهاز الإداري للدولة أو الهيئات العامة أو المؤسسات العامة والوحدات الاقتصادية التابعة لها أو لأسر من يتوفى منهم، كما نص أيضًا على جوازية منحها لغيرهم ممن يؤدون خدمات جليلة للبلاد أو لأسر من يتوفى منهم، وكذلك لأسر من يتوفى في حادث يعتبر من قبيل الكوارث العامة.
ونصت المادة الثانية من ذات القانون على أن يختص بالنظر في تلك المعاشات والمكافآت الاستثنائية لجنة تتشكل برئاسة وزير التأمينات وعضوية أقدم نواب رئيس مجلس الدولة ووكيل أول وزارة التأمينات ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للتأمين والمعاشات ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للتأمين الصحي وأحد وكلاء الجهاز المركزي للتنمية الإدارية وأحد وكلاء كلا من وزير المالية ووزير الشئون الاجتماعية يختارهما الوزير المختص، ولا تكون قرارات اللجنة نافذة إلا بعد اعتمادها من رئيس الجمهورية.
كما أن منشور عام وزارة المالية – قطاع التأمينات – رقم 3 لسنة 2009 حدد ضوابط عمل لجان المعاشات الاستثنائية، وكان منها تقرير معاشات استثنائية لمن أدوا خدمات جليلة للدولة، وقد تضمن المنشور أيضًا تحديد المقصود بعبارة (من أدوا خدمات جليلة للبلاد)، بأنها: التضحية والبذل والفداء من أجل مصالح الوطن.
المنظومة الثانية:
بعد ثورة يناير أنشأ المجلس الأعلى للقوات المسلحة، صندوق الرعاية الصحية والاجتماعية لضحايا ثورة 25 يناير 2011 وأسرهم، ثم صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1485 لسنة 2011، بإنشاء المركز القومي لرعاية أسر الشهداء والمصابين، وعدل المسمى، بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1534 لسنة 2011، بتعديل مسمى المركز القومي لرعاية أسر الشهداء والمصابين إلى المجلس القومي لرعاية أسر الشهداء والمصابين.
ويترأس المجلس رئيس مجلس الوزراء، وعضوية وزراء التخطيط، التعليم العالي، التضامن الاجتماعي، التنمية المحلية، التعاون الدولي، الإسكان، الصحة، وعضوين من المجتمع المدني، عضوين من أسر الشهداء و3 شخصيات عامة.
ويختص المجلس، بحصر عدد الضحايا وإعداد قاعدة بيانات خاصة بهم.، وصرف التعويضات وتوفير العلاج للضحايا.، وتوفير الوظائف والوحدات السكنية، وتقديم سبل الدعم والرعاية لهم.، وتقدم المجلس دعم مادي لأسرة كل شهيد، بواقع 100 ألف جنيه طبقًا لإعلام الوراثة، وبالنسبة للمصابين يصرف 5000 جنيه لكـل مصاب جرى شفائه، و15000 جنيه لمصابي العجز الجزئي و100 ألف جنيه لمصابي العجز الكلي، فضلاً عن صرف معاش شهري لأسرة كل شهيد، بواقع 1500 جنيه شهريًا، بحد أدنى، وبالنسبة للمصاب له الحق في الاختيار بين الحصول على معاش طبقًا لنسبة العجز التي يقررها القومسيون الطبي، أو الحصول على وظيفة، بالإضافة إلى تقديم الرعاية الطبية والعلاجية لأسر الشهداء والمصابين.
المنظومة الثالثة:
أصدر المشرع القانون رقم (16) لسنة 2018 بإنشاء صندوق تكريم شهداء وضحايا ومفقودي ومصابي العمليات الحربية والإرهابية والأمنية وأسرهم، ليحفظ حقوق أسر الشهداء والمصابين ومفقودي العمليات الإرهابية والأمنية لمساندتهم في مجابهة صعاب المستقبل.
يتولى الصندوق بالتنسيق مع الجهات المعنية، ومنظمات المجتمع المدني، والقطاع الخاص، توفير أوجه الرعاية والدعم في كافة مناحي الحياة لأسر الشهداء والضحايا والمفقودين، ومصابى العمليات الحربية والإرهابية والأمنية وأسرهم، وعلى الأخص ما يأتي:
1- توفير فرص الدراسة في كافة مراحل التعليم، وتوفير منح دراسية بالمدارس والمعاهد والجامعات، وكفالة استمرار إتمام الدراسة بالتعليم الخاص للملتحقين به بالفعل.
2- توفير فرص عمل تتناسب مع مؤهلاتهم العلمية ومنحهم الأولوية في مسابقات التوظيف التي تعلنها الدولة وأجهزتها وكذا القطاع الخاص، وفقًا للضوابط التى يضعها مجلس الوزراء في هذا الشأن.
3- تقديم الخدمة الصحية المناسبة في المستشفيات والمراكز الحكومية والشرطية والعسكرية لمن لا يتمتع بنظام تأمين صحي مناسب أو بنظام رعاية صحية آخر.
4- إتاحة استخدام وسائل المواصلات المملوكة للدولة بكافة أنواعها بتخفيض قيمته (50%) خمسون في المائة.
5- توفير الاشتراك في مراكز الشباب والأنشطة الرياضية المختلفة لغير المشتركين لأي منها، والدخول المجاني لكافة المتاحف والمتنزهات، والحدائق، والمسارح، وقصور الثقافة التابعة للدولة.
6- توفير فرص الحج للمصاب ولوالدي وأرامل أو زوج الشهيد أو الضحية أو المفقود.
7- توفير فرص الحصول على وحدات سكنية بمشروعات الدولة أو المدعمة منها لمن لم يسبق له الحصول على أي من تلك الوحدات.
8- إطلاق أسماء الشهداء على الشوارع والميادين والمدارس تخليدًا لذكراهم وتضحياتهم.
ويأتي ذلك، بخلاف صرف مبلغ التعويض المقرر للمستحقين ومكافآت الوسام المنصوص عليها بالمادة 14 من ذات القانون.
كما نصت المادة 15 من ذات القانون على (..يُنشأ وسام من طبقتين يسمى “وسام تحيا مصر”، يمنح لضباط وأفراد القوات المسلحة والشرطة والمدنيين الذين قاموا بأعمال ممتازة تدل على التضحية أو الشجاعة فى مواجهة العمليات الحربية والإرهابية والأمنية، وأدت إلى إصابتهم.
وفي حالة الاستشهاد أو الفقد، يُمنح الوسام لاسم الشهيد أو الضحية أو المفقود.
ويجوز منح هذا الوسام لكل من قدم خدمات جليلة للوطن أو للقوات المسلحة أو للشرطة من ضباط أو أفراد القوات المسلحة والشرطة، والمدنيين.
ويستحق من يمنح هذا الوسام مكافأة شهرية مقدارها 2000 (ألفا جنيه) إذا كان الوسام من الطبقة الأولى، ومكافأة شهرية مقدارها 1000 (ألف جنيه) إذا كان من الطبقة الثانية، ويجمع حامل الوسام بين قيمة هذه المكافأة ودخله أو معاشه أيًا كان نوعه ودون التقيد بحد أقصى.
وتوزع قيمة المكافأة كاملةً على المستحقين للمعاش بنسبة أنصبة كل منهم، وفقًا لأحكام قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 وعند قطع أو وقف معاش أحد المستحقين لأي سبب يعاد توزيع كامل قيمة هذه المكافأة على الباقين وفقًا لأنصبتهم فى المعاش، فإذا لم يوجد سوى مستحق وحيد أديت إليه المكافأة بالكامل.
وتُعفى هذه المكافأة من جميع أنواع الضرائب والرسوم.
ويكون منح هذا الوسام بقرار من رئيس الجمهورية بناءً على طلب رئيس مجلس الوزراء أو وزير الدفاع أو وزير الداخلية، بحسب الأحوال.
كما يجوز منح هذا الوسام بقرار من رئيس الجمهورية لمن يقدم خدمات جليلة للوطن من غير الفئات المشار إليها بهذا القانون، على ألا يتمتع حامله بالمزايا المادية المنصوص عليها فى هذا القانون.
ويصدر الوسام المشار إليه طبقًا للرسومات والمواصفات والشروط الأخرى التى يصدر بتحديدها قرار من رئيس مجلس الوزراء.
وقد تصاعدت مطالب الأطقم الطبية والتمريض بأن تتم معاملة شهداء مواجهة الوباء شأن شهدائنا الأبرار وضحايا ومفقودي ومصابي العمليات الحربية والإرهابية والأمنية وأسرهم، لسببين: السبب الأول: أن البذل والعطاء والتضحية والفداء داخل المنشآت الطبية فى مواجهة هذا الوباء يتماثل مع البذل والعطاء والفداء فى ميدان القتال، وقد وقر ذلك فى ضمير أبناء الشعب المصرى، والذين أطلقوا على الأطقم الطبية مصطلح (الجيش الأبيض)،
السبب الثاني: أن القواعد الواردة بالقانون ١٦ لسنة ٢٠١٨ تشتمل على الضمانات الأجدر على جبر جزء من ضرر أسر شهداء الوطن.
وهو الأمر الذي يستدعي التفكير في توحيد كافة تلك المنظومات ليكون القانون الموحد لتكريم الشهداء وأسرهم هو القانون ١٦ لسنة ٢٠١٨.
فهل يمنح رئيس الجمهورية شهداء الأطقم الطبية وسام تحيا مصر؟، وهل تسعى الدولة لاستغلال التعديلات المقترحة التي يناقشها البرلمان الآن بشأن هذا التشريع، بأن تضيف قواعد تجعل من نصوصه المظلة الموحدة لتكريم كل شهداء الوطن، وأن يتمتع حاملى وسام تحيا مصر الذي يمنح للمدنيين الذين قدموا خدمات جليلة للوطن بكافة المزايا المادية المنصوص عليها بالقانون والتي يتمتع بها أسر شهداء العمليات الحربية والإرهابية والأمنية من ضباط وأفراد القوات المسلحة والشرطة والمدنيين، وأسرهم؟
أتمنى ذلك..