حالة من التخبط الاقتصادي شهدتها مصر كغيرها من دول العالم مع أزمة كورونا خلال الفترة الأخيرة. هذه الجائحة التي كشفت تصدعات في القطاعات الاقتصادية إذا ما نظرنا إلى الحالة المصرية. التي اختارت الحكومة سبيلاً لمعالجتها تصفية المصانع التي تراها خاسرة. لكنه حل قد يساهم في أزمة كبيرة على مستوى عمالة هذه المصانع والتي تقدر بالآلاف. الأمر الذي يعتبره المحلل الاقتصادي إلهامي الميرغني، نائب رئيس حزب التحالف الشعبي “كارثة مزودجة”. ذلك لأنه يرهق الدولة التي تقدم الدعم لعدة أوجه مختلفة، بمبالغ تصل إلى 89 مليار جنيه. كما أنها أزمة ستجعل تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عن انخفاض معدل البطالة حديث من الماضي. ذلك إذا ما تخيلنا حجم الأسر التي ستتضرر بتسريح عمالة المصانع الخاسرة.

هذه الأزمة وغيرها من مآلات الاتجاه العام نحو تصفية شركات القطاع العام، استعرضه “مصر 360” في حوار مع الميرغني. أوضح فيه وجهة نظره ورؤيته كمتخصص حول الوضع الراهن. 

اقرأ أيضًا.. الخبير الاقتصادي رشاد عبده: القطاع العام قابل للإنقاذ.. و”التصفية” الحل الأسهل

قاد حزبكم حملة توقيعات لوقف نزيف القطاع العام الاقتصادي.. كيف ترى التصفية؟

إهمال الصناعة وعدم ضخ استثمارات جديدة يجب أن يتوقف فورًا لأنه يعكس موقف ورؤية لا تهتم بالصناعة. فحتى الآن لا توجد رؤية شاملة للصناعة المصرية، والتقييم المحاسبي فقط خطأ. ذلك لأن هناك مصانع تخسر بسبب أسعار الكهرباء والغاز أو بسبب تراكم المديونية لدى شركة قطاع عام أخرى. لذلك تقرر الحكومة تصفية يجب تفاديًا.

ولكن يجب النظر لخسارة تلك المصانع بعين الاعتبار؟

يجب ألا ننظر لخسارة الشركات في السنة الأخيرة بل نحاسب كل رؤساء الشركات السابقين الذين صمتوا أمام تفكيك الشركات وتحويلها إلى أعباء تقود للتعارف. كذلك يجب محاسبة كل من تولى وزارة قطاع الأعمال ولم يضخ التمويل اللازم. فالقطاع العام يخسر ولا يخسر . كما تمنح الدولة تسهيلات كبيرة وإعفاءات للقطاع الخاص ولا تعامل القطاع العام بالمثل.

وما سبب عدم وجود رؤية؟

السبب هو رغبة صناع السياسات الاقتصادية في أن يصبح 70% من الاقتصاد المصري القطاع الخدمي. على سبيل المثال الاهتمام بالعقارات والبورصة والمضاربات المالية والمقاولات والتجارة والسياحة والترفية. وبالتالي لا يوجد متسع لقطاعات النفع الاقتصادي.

لماذا لا تدعم الدولة القطاع العام في حين دعمها للمصدرين بـ17 مليار جنيه؟

الحكومة قدمت خطاب نوايا لصندوق النقد الدولي قبل حصولها علي القرض في 2016 ومهدت فيه لتصفية القطاع العام ومنح المزيد من المزايا للقطاع الخاص. كذلك صمتت الدولة على سيطرة القطاع الخاص على السوق.

وفي نفس الوقت أنفقت الحكومة المليارات على المصدرين ما يعد إهدارًا لأن الصادارات لا تحقق أي عائد. وبالتالي ما داعي الحوافز والدعم الموجّه لهم. الحكومة فشلت في تنمية الصادرات في النهاية.

اقرأ أيضًا.. تحركات حزبية لوقف تصفية القطاع العام وحماية الصناعات الوطنية

وكيف ترى انعكاس الاهتمام بتطوير الخدمات على الصناعية والزراعية؟

صناع السياسات لديهم رؤية وتصور إنه في حال تطوير الخدمات، سيكون لدينا فائض لاستيراد المنتجات الصناعية والزراعية. لكن تأتي أزمة مثل جائحة كورونا تعوق احتياجاتنا الفعلية من الشراء وبالتالي الجوع هو النتيجة الحتمية. من خلال الاعتماد على الاستيراد فقط وليس الإنتاج.

كذلك فإن تلك السياسة أثرت على الاكتفاء الذاتي من القمح في 2008/2009 بحدود 74.9% ووصل بفضل هذه السياسات إلى 42.7% عام 2017. كما أثرت على محصول الأرز الذي كان نحقق فيه فائضًا يصل إلى 110.3% قبل أن ينخفض إلى 91.5% خلال نفس الفترة. كذلك محصول الفول كان 67.3% وصل إلى 20.1% والعدس كان 1.1% وصل إلى 1.9%. 

كما أن نسبة الاكتفاء الذاتي في الزيوت النبايتة كانت 56.9% عام 2013 ووصلت إلى 8.8% فقط في 2017. وانخفضت اللحوم الحمراء من 89% عام 2008/2009 إلى 65.9%. كذلك انخفضت الأسماك من 87.8% إلى 80.4%، والحليب من 100% إلى 91%.

ولكن أين المنتج المصري الآن من المنافسة؟

كل دول العالم تلجأ لسياسات حمائية للمنتج الوطني. بينما تفتح مصر أبواب الاستيراد على مصراعيها فتقتل المنتج المصري، سواء بالاستيراد الذي يغرق الأسواق أو التهريب، كما يحدث في قطاع المنسوجات والملابس بما يضعف القدرات الإنتاجية والتنافسية للصناعة المصرية.

نحن لدينا ما بين 4 آلاف و 8 آلاف مصنع متوفقين عن الإنتاج حاليًا، وتحريك الدولة لأسعار الكهرباء والخامات والاعتماد على الاستيراد للخامات والمعدات في ظل ارتفاع أسعار الدولار يعرض المصانع للإغلاق.

السبب الأول في ذلك هي الحكومة التي تدخل في توقف الصناعات المحلية، فهي تعتقد أنها تعمل على تنمية قطاع الخدمات لخدمة الصناعة والزراعة ولكن ذلك يؤدي إلى هجر الأرض الزراعية وإغلاق المصانع. وبالتالي لا يوجد منتج محلي قادر على المنافسة في العالم في النهاية.

أين المشروعات الصغيرة من خطة الحكومة؟

كل برامج دعم المشروعات الصغيرة شكلية. ولكي يحصل مشروع صغير على ترخيص يحتاج إلى 18 موافقة من جهات مختلفة. كذلك لدينا 2.3 مليون منشأة رأسمالها أقل من 100 ألف جنيه هذه المنشآت هي الأولى بالرعاية والحماية وتحتاج لرعاية وحاضنات أعمال.

كيف تخطط الحكومة لتحقيق معدلات نمو اقتصادي جيدة؟

لا يوجد في مصر تخطيط لكن يوجد “تخبيط” فالدولة تنظر إلى كل قطاع بمعزل عن البقية، فلا تنظر للتوزيع الجغرافي ولا للتكامل الرأسي والأفقي، بما حول القطاعات الاقتصادية إلى جذر معزولة.

يخضع كل قطاع لسياسة مختلفة عن البقية، فالمصانع التي تغطي احتياجات استراتيجة للدولة، لا يكون شرط تقييمها بمنطق الربح والخسارة. على سبيل المثال مصنع سماد طلخا والذي يبيع المنتج بأسعار أقل من التكلفة لدعم الفلاح.

وفي حالة قيام المصنع على أن التشتغيل يكون اقتصادي إذن الحكومة تشتري منه بهامش ربح صغير، وتبيعه للفلاح بالسعر الذي تريده، ويكون الفرق لدعم الفلاحين وليس المصنع.

وما رأي حزب التحالف الشعبي الاشتراكي في المنهج الاقتصادي للحكومة؟

في الحزب أعلنا رفض أمرين الأول وهو الاعتماد على الخدمات. كذلك نرى أنه لابد أن يكون لدينا تنمية للقطاعات السلعية الزراعية والصناعية بشكل أساسي لتحقيق اكتفاء ذاتي لمختلف الصناعات والمنتجات.

أما الثاني، نرفض الاستثمارات الكبيرة التي تدفع بها الدولة التي أن حولناها في الصناعة أو الزراعة ستحقق قيمة مضافة للاقتصاد المصري. لذلك طالب الحزب بضرورة إجراء حوار مجتمعي حول توجهات التنمية في مصر، لترتيب الأولوليات ودعم التنمية بمشاركة المجتمع.

وماذا عن مصير العمال؟

بعد إغلاق المصنع يلجأ العمال إلى الشارع، وينضموا لجيش العاطلين، وإن كان لديهم مستحقات مالية بيحصلون عليها، ولكن لا يتم توفير لهم فرصة عمل أخرى.

في الربع الثاني من 2020 قال الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء إن 3.2% فقدوا وظائفهم بسبب جائحة كورونا. كذلك نواجه كارثة مزودجة في خسارة إنتاج وشركة وعمال أصبحوا عاطلين.

قديمًا كان بيتم بيع المصنع للقطاع الخاص ولكنه الآن يقوم بتصفية المصنع وبيع الماكينات خردة وتسريح العمالة وبيع الأرض للتطوير العقاري بسعر بخث.

كيف ترى تعامل الحكومة مع مواجهة آثار تداعيات فيروس كورونا؟

لدينا مشكلة أن الأطقم الطبية تعمل بدون حماية ولذلك معدل الإصابات بمصر مرتفع عن كل دول العالم. في الموجة الثانية الدولة رفضت الإغلاق الاقتصادي في حين أن دول العالم أغلقت أيضًا.

إلى جانب ذلك نظمت الحكومة بطولات لكرة اليد، فما هي المكاسب التي تم تحقيقها من وراء ذلك؟ إلا نشر للوباء. لذلك لابد أن يكون لدينا فترات إغلاق وتعويض من تتعرض مصالحهم للضرر بسبب الإغلاق، ووجود خطة واضحة ومحددة للتطعيمات.

لماذا حررت دعوى قضائية ضد الحكومة بخصوص مجانية اللقاح؟

نحن نحتاج لبرنامج زمني لتطعيم الأطقم الطبية وكبار السن، فحتى الآن تخرج علينا وزيرة الصحة بتصريحات مختلفة تتعلق بالتطعيم وإنشاء مصنع واستيراد لقاحات مختلفة.

بينما الدول الأخرى مثل إسرائيل والإمارات أوشكت على تطعيم كافة الفئات المستهدفة آخر مارس. ما نحتاجه هو تطعيم حوالي 70 مليون مواطن أي نحتاج إلى 140 مليون جرعة تطعيم. لكن لا نعرف من أين وهل التمويل متوفر أم لا؟.

اللقاح في كافة دول العالم مجاني، وجزء من دور وزارة الصحة الحفاظ على الصحة العامة، وهذا ما يكفله الدستور وقانون التأمين الصحي الذي أيضًا أكد أن التطعيمات مجانية للمواطنين.

وماذا عن قانون اقتطاع 1% من الموظفين و0.5% من المعاشات؟ 

حتى الآن نحن لا نعلم ماتم دفعه أو جمعة من هذا القانون، فإن تم احتساب 4 مليارات ونصف جنيه من الرواتب والمعاشات الحكومية فقط، فنحن لدينا 3 جهات أخرى غير معلوم لدينا حجم الأجور فيها.

القطاعات هي القطاع الخاص والعام والهيئات العامة الاقتصادية التي يصل عددها لـ 100 هيئة. بجانب 7 ملايين يعملون في القطاع الخاص. كذلك خصصت مصر 100 مليار جنيه في بداية الجائحة لمواجهة آثار كورونا. كما أنها اقترضت من صندوق النقد الدولي 6 ونصف مليار دولار، أى حوالي 96 مليار جنيه. وبعد كل ذلك تريد الحكومة أن يدفع المواطنين ثمن اللقاح.

لماذا انخفض مستوى البطالة في مصر في حين ارتفع في العالم؟

الطريقة التي يحتسب بها معدل البطالة مختلف عليها، فيتم إدراج أي فرد عمل ولو لمدة يوم واحد خلال 6 أشهر قبل الدراسة، ولا يعتبر عاطلًا. وهذه كارثة لأن كثير من المواطنين من الممكن أن يعملوا لمدة يوم واحد وباقي الأيام لا يجدون عملًا. بينما يقول “التعبئة والإحصاء” نفسه إن في الربع الثاني من 2020 فقد 3.2% من المصريين وظائفهم. 

وانخفاض البطالة علميًا ليس دقيق، فقيود تشغيل المحال التجارية والمقاهي والمطاعم، بعدد ساعات محددة أثر على  نسبة التشغيل. كذلك قانون البناء والتصالح الذي بدوره أوقف مشروعات المقاولات وبالتالي ساهم في رفع نسبة البطالة، فهناك انخفاض للعمالة في كل المنشأت، المعدل عالي بالأرقام المعلنة بعيدًا عن الجهاز، فالبطالة زادت ولم تقل.

وما تعليقك على أن الزيادة السكانية هي أساس المشكلات الاقتصادية؟

القائمون على الأمر يعتبرون الزيادة السكانية سبب كافة المشكلات. بينما هي مجرد سبب لأزمة ناتجة عن ارتفاع معدلات الفقر والأمية، وبالتالي إن كنا نريد ترشيد النسل فنحن أولًا نحتاج إلى وعي المواطنين.

وفي نفس الوقت الثروة البشرية ليست عبء على التنمية، لكن إن حصلت على قدر من التعليم سيكون لدينا قوة بشرية تساعد في إنتاج حديث بجودة تستطيع المنافسة.