في حوار بثه التليفزيون الرسمي قال رئيس إريتريا أسياس أفورقي، إن “التعاون مع الإدارة الإثيوبية لإحلال السلام والتغلب على أزمة إقليم “تيجراي” لم يعد خيارًا بل واجب حتمي لخلق بيئة إقليمية سليمة.

تصريحات “أفورقي” كشفت للمرة الأولى رسميًا الدعم الإريتري لإداره آبي أحمد ضد جبهة تحرير “تيجراي” العدو التاريخي لأفورقي. كما كشفت معلومات عن خطة جبهة التيجراي. إذ قال: “كانوا يستهدفون إسقاط الحكومة الإثيوبية، وجزء من هذه الخطة كان غزو إريتريا لاحقًا”.

اقرأ أيضًا.. إثيوبيا والتيجراي.. القصة الكاملة لصراع إقليمي محتمل في القرن الأفريقي

اعتراف رئيس إريتريا

اعتراف أفورقي بدعم إدارة إثيوبيا يأتي رغم نفي مستمر من مسئوليين إريتريين تورط بلادهم في الحرب الإثيويبية. بينما نفى وزير الخارجية الإريتري عثمان صالح محمد أكثر من مرة تصريحات مسئوليين من “تيجراي” بوجود قوات إريترية في الإقليم قائلًا: “لسنا طرفًا في الصراع”.

وندد أفورقي في حديثه باستغلال جبهة تحرير تيجراي أزمة الحدود لزعزعة الاستقرار بشكل متواصل وإبقاء السكان المحليين رهائن لحالة الفوضى مع مضاعفة استعدادته لحرب لا معنى لها.

كما أبدى تعجبه لمهاجمة قيام الجبهة القيادة الشمالية لقوات الدفاع والجيش الإثيوبي منذ اندلاع الأزمة في نوفمبر الماضي. كما اعتبر أن هذا التحرك كان متهورًا وغير مسبوق ولا يمكن تفسيره.

أفورقي

“الجبهة تسعى دائمًا إلى الاستقطاب العرقي والذي فرضته على إثيوبيا في دستور 1994 وهو ما كان سببًا في التقسيم والنزاع اللامتناهي في إثيوبيا” يقول أفورقي.

أفورقي لفت إلى وقوع إثيوبيا رهينة الاستقطاب العرقي والديني، وهو ما تسعى بلاده للتغلب عليه بالاستفادة مما أسماه بـ”الدرس المرير من تاريخ الانقسام الذي زرعه الاستعمار في الأربعينيات”.

اقرأ أيضًا.. أموال السعودية والإمارات تتدفق على إثيوبيا.. رأس المال لا يعرف “العواطف”

إثيوبيا وإريتريا.. تحالف غير مسبوق

رغم حالة الإحباط من تنصل إثيوبيا من تنفيذ بنود اتفاق السلام التاريخي مع إريتريا في 2018، وتنديد بعض الأصوات في البلاد من عدم التزام إثيوبيا بالانسحاب من بعض الأراضي الإريترية. قال أفورقي إن بلاده ترى أن الاتفاق مازال يمثل عهدًا جديدًا من السلام وهناك تفاؤل بتنفيذه”.

كما أن بلادة لا تدفع في تنفيذ سريع لبنود الاتفاق المتعلقة بالحدود بل أنها تضع تنفيذ السلام في مقدمه أولوياتها.

وكان آبي أحمد كشف في ديسمبر الماضي عقب شهر من اندلاع المواجهات مع جبهة “تيجراي” وتحرير العاصمة ميجلي من سيطرة الجبهة.

الكشف كان في خطاب أمام البرلمان الإثيوبي حول مساعدة إريتريا لجنود إثيوبيين وزودتهم بالسلاح لمهاجمة الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي. حيثما تم الاستيلاء على قواعدهم وهو ما مكنهم من العودة للقتال في تيجراي بعد الانسحاب.

اقرأ أيضًا.. إثيوبيا .. “هستيريا القمع”.. معارضو “آبي أحمد” في السجون

دعم إريتريا لآبي أحمد

إذ قال: “لقد أظهر لنا الشعب الإريتري أنهم أقارب يقفون إلى جانبنا في يوم صعب”. إلا أن أريتريا لم تعلق إعلاميًا على تورطها أو تدخلها في مساندة إدارة أبي أحمد في حربه ضد “تيجراي”.

جبهة تحرير شعب تيجراي نددت بالتدخلات الإريترية لصالح النظام الإثيوبي. إذ قالت في ديسمبر الماضي إن قوات عسكرية أريترية ساندت الحكومة وارتكبت جرائم حرب بقصف مدنيين ومستشفى من داخل الأراضي الإرترية.

إلا أن القيود المفروضة على وسائل الإعلام والمنظمات الدولية من الوصول إلى مناطق الحرب والنزاع في الإقليم قللت إمكانية التحقق من صحة هذه المعلومات خاصة مع استمرار قطع الكهرباء والاتصالات.

ونشر مراقبون ونشطاء إثيوبيين معلومات عن تورط القوات الإريترية في الحرب على “تجراي” بما في ذلك تنفيذ عمليات نهب وسرقة. كما اتهمت وكالة الأمم المتحدة للاجئين إريتريا بالقبض على لاجئين إثيوبيين فارين من الحرب وإعادتهم إلى بلادهم.

اتفاق السلام 2018

لكن الحكومة الإريترية اتهمت وكالة الأمم المتحدة بارتكاب “حملات تشهير”.

وردًا على الدعم العسكري الإريتري أطلقت قوات تتبع جبهة تحرير تيجراي في نوفمبر الماضي بعد أسبوعين من بدء الحرب، صواريخ على مطار في العاصمة الإريترية، للتنديد باستغلال الإدارة الإثيوبية أراضي إرييتريا لمواجهة وقتل شعبها.

ويرى مراقبون لتطور العلاقة بين أفورقي وأبي أحمد، أن اتفاق السلام الذي أجري بوساطة خليجية في 2018 لم يكن له أي أثار تذكر لصالح الشعبين الإريتري والإثيوبي إلا محاربة جبهة “تيجراي”.

في الوقت الذي لطالما سيطرت فيه الجبهة على مفاصل الدولة الإثيوبية وامتد العداء التاريخي بينها وبين نظام أفورقي في إريتريا.

وحتى الآن لم تنفذ أي من بنود الاتفاق لإنهاء حالة اللاحرب واللاسلم مع عدم ترسيم الحدود. كما أن الحدود التي تم فتحها عقب اتفاق المصالحة أغلقت مرة أخرى بسبب تفشي جائحة كورونا.

مخاطر التقارب الإثيوبي الإريتري

رغم التناغم الإثيوبي الإريتري في الحرب المستمرة في “تجراي” ومحاولة إخمادها وإضعافها، إلا أن هذا التحالف لن تمتده ثماره لصالح أي من الطرفين في المستقبل القريب.

فمع ممارسة جهات ودول غربية وإقليمية ضغوط على النظام الإثيوبي للتسوية وإنهاء الحرب، لا يستطيع آبي أحمد إقناع حليفه بسهولة بإنهاء هذه الحرب. إذ أن أفورقي ينتظر الحصول على مقابل من حليفة الإثيوبي بإنهاء وتفكيك جبهة تيجراي التي يكن لها عداء شخصي تاريخي.

انتظار أفورقي سيكون حائلًا أمام أي مساعي للتفاوض أو تسوية الأزمة بشكل سلمي بين الحكومة الفيدرالية الإثيوبية وجبهة تحرير “تيجراي”.

ويرى مراقبون أن التحالف الإثيوبي الإريتري لن يسفر إلا عن استمرار الأعمال العسكرية ومنع وصول المساعدات وملاحقة اللاجئين، ما يزيد أزمة اللاجئين خاصة بهد إغلاق السودان لحدوده.

اقرأ أيضًا.. سد النهضة.. نادر نورالدين يشرح ما الذي تفعله إثيوبيا في نهر النيل| حوار

حلفاء في حرب “تيجراي” لكن أهدافهم مختلفة

تحدي آخر قد تواجهه إدارة آبي أحمد من استمرار تحالفه مع أفورقي – المنبوذ دوليًا- وهو تعقد علاقته مع المانحين الغربيين. حيث كان الاتحاد الأوروبي قرر تأجيل مساعادات إلى أديس أبابا بسبب رفض “أحمد” دخول منظمات إغاثية إلى مناطق النزاع في تيجراي.

بالإضافة إلى استمرار الانتهاكات ضد حقوق الإنسان وهو ما قد يصاحبه انكماش اقتصادي، خاصة وأن إثيوبيا لا تزال تعتمد بشكل واسع على المساعدات الأجنبية لتغطية أكثر من نصف نفقات الحكومة.

ويبقى التقارب الإريتري الإثيوبي رهن تطلعات ومنافع شخصية لكل من آبي أحمد وأسياس أفورقي بالأساس. حيث يسعى “آبي” إلى القفز على مشكلاته الداخلية وأزمته مع السودان ومصر.

 

أهداف آبي أحمد

يريد “آبي أحمد” توسيع نفوذه الإقليمي وخلق تحالفات تعزز وجوده في السلطة ومواجهة أعداءه الداخليين من جبهة تحرير شعب “تيجراي”، وهو ما يسعى له أفورقي أيضًا بالعودة إلى المجتمع الدولي بعد توقيع اتفاق سلام مع إثيوبيا. فضلًا عن إيجاد فرصة تاريخية لتوجيه قواته العسكرية في مواجهة “تيجراي”.

ورغم حديث أفورقي عن استهدافه لسياسات لإحلال السلام والتهدئة في إثيوبيا، إلا أن السيطرة على الإمدادات العسكرية والإنسانية لإقليم تيجراي وإضعاف جبهة التحرير يظل الهدف الأساسي له قبل تحقيق أي سلام.