في 13 فبراير الجاري أجلت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، نظر الدعوى المعروفة إعلاميًا بـ”مجانية لقاح كورونا”، المقامة من المحامي الحقوقي خالد علي لإلزام وزارة الصحة بإتاحة تطعيمات لقاح فيروس كورونا المستجد بالمجان لجميع المصريين. على أن تعقد الجلسة 27 مارس المقبل. ذلك للاطلاع على تفاصيل الدعوى وتقديم المستندات المتعلقة بها. الدعوى مرفوعة نيابة عن نائب رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، إلهامي الميرغني. وقد جاءت عقب إعلان وزيرة الصحة في 24 يناير الماضي عن سعر لقاح كورونا بـ 100 جنيه للجرعة.

قرار التأجيل لقرابة الـ 45 يومًا يفتح المجال لتوقع سيناريوهات سير القضية. خاصة بعد مطالبة الكثيرون بسرعة الفصل في الدعوى للتعجيل بالحصول على لقاح كورونا بالمجان. نظرًا للأوضاع الاقتصادية التي مرت بها طوائف الشعب المصري خلال 2020/2021.

مجانية لقاح كورونا.. بطء التقاضي والتأثير على قضايا الصحة والحريات

المحامي الحقوقي طارق نجيدة، يقول إن هناك العديد من القضايا الحيوية التي تخص الشعب المصري والمصالح العليا للوطن، ولا يستطيع القضاء المصري أن يواكبها أو يُجاريها. ذلك بسبب ما يُعرف باسم “العدالة البطيئة” -على حد قوله- والتي تتعارض مع المصالح العامة. خاصة إذا كانت هذه المصالح لا تريد الحكومات المتتالية تنفيذها أو ترى أنها لا تستحق التنفيذ. وهنا يكون اللجوء للقضاء لإلزام الحكومة بتنفيذ تلك المصالح على وجه السرعة. لكن العدالة البطيئة تُعطل ذلك.

 نجيدة أضاف لـ “مصر 360″، أن مجلس الدولة خلال الـ 3 و4 سنوات الماضية كان يحتاج إلى نظرة جديدة لمعالجة القضايا التي تطرح عليه. خاصة المتعلقة بالحقوق والحريات والمصالح العليا للمواطن. باعتباره الملاذ الوحيد لمجابهة القرارات غير المُنصفة لأصحاب الحقوق. وهو ما يتطلب إعادة النظر في باب الحقوق والحريات. لأنه لم يعد يلبي الإلحاح والصفة العاجلة التي تفرضها قضايا كثيرة، ومنها دعوى مجانية لقاح كورونا التي تحتاج إلى سرعة في الفصل بها.

أشار كذلك إلى أن مجانية لقاح كورونا هي أمر دستوري. ذلك باعتبار أن الصحة بصفة عامة مكفولة كفالة تامة في الدستور المصري. وواجب على الدولة الالتزام بها. خاصة بعد طرح مبادرة التأمين الصحي الشامل وخلق موارد مالية مثل الضريبة التكاملية والضريبة الإضافية لدعم المبادرة. وبالتالي هناك موارد مالية واضحة قادرة على دعم مجانية اللقاح. ولهذا قد تبادر الحكومة الفترة المقبلة بطرح اللقاح بالمجان لكافة الفئات المستحقة بخلاف الأطقم الطبية، على حد قول نجيدة.

سيناريوهات ومسارات متوقعة بقضية مجانية لقاح كورونا

حول سيناريوهات ومسارات الدعوى المتوقعة، أوضح نجيدة،أن الدعوى رُبما ستُنظر لأشهر طويلة داخل المحكمة. وهو يتوقع إحالتها خلال جلسة أو اتنين -على أقصى تقدير- إلى هيئة مفوضي الدولة. ذلك لإعداد تقرير بالرأي القانوني في مطالبها. خاصة وأن الإحالة للمفوضين تُعد من الإجراءات الوجوبية وفق قانون مجلس الدولة. سواء في الدعاوى التي تتضمن شقًا مستعجلاً أو بالنسبة للدعاوى العادية.

لكن الإشكالية هنا هي عدم وجود مدة مُحددة تُلزم هيئة المفوضين بتقديم تقريرها خلال هذه المدة. بحيث قد يمتد بقاء الدعوى داخل هيئة المفوضين لأشهر طويلة دون أي سبب.

وتابع نجيدة أن المحكمة لها أن تطلب أجل مُحدد لإعداد تقرير هيئة المفوضين أو لا. لكن في قضية لقاح كورونا وارتباطها بحق المواطن في العلاج يكون على المحكمة أن تُحيل الدعوى للتقرير. مع تحديد موعد مُحدد لتقديم التقرير للمحكمة لسرعة الفصل بها. مشيرًا إلى أن قانون مجلس الدولة لا يوجد به نص قانوني يُحدد مدة تقديم تقارير المفوضين خلالها. وهو الأمر الذي يحتاج إلى إعادة تشريع.

لن تنتهي عند هذا الحد

لفت أيضًا إلى أنه عقب الانتهاء من تقرير المفوضي -الذي يعتبر استشاريًا وليس إلزاميًا للمحكمة- سيكون أمام المحكمة إما قبول الدعوى وإلزام الحكومة بمجانية اللقاح. أو رفضها لأسباب تكشفها في حيثياتها.

القضية لن تنتهي عند هذا الحد. بل هناك مرحلة تقاضي أخرى أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا. وبدورها ستُحيل الطعن إلى دائرته الأصلية حال قبوله. ثم يوضع تقرير ثان من هيئة المفوضين على الحكم الصادر من محكمة أول درجة. وليس على مطالب الطعن.

ويشير نجيدة إلى أن الطعون الانتخابية -التي تنظر أمام المحكمة الإدارية العليا- نص القانون على إعفائها من وجوب تقديم تقرير هيئة المفوضين بشأنها. ذلك كاستثناء لمواكبة السرعة المطلوبة لهذه القضايا.

هنا لابد أن يتم إجراء تعديل قانون على نصوص قانون مجلس الدولة. ليشمل حتمية وجود موعد وجوبي يتم خلاله تقديم تقرير هيئة مفوضي الدولة. وحال عدم تقديمه خلال هذه الفترة يكون على المحكمة إصدار حكمها بالدعوى دون تقرير. حرصًا على سرعة الفصل بقضايا الحقوق والحريات وصحة المواطن.

الدستور والحق في الدواء

المحامي بالنقض محمد سالم أكد لـ “مصر 360” أن الدستور المصري وفقًا للتعديلات الدستورية التي أدخلت عليه في 23 أبريل 2019، كفل حق المواطن في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقًا لمعايير الجودة. بحيث تكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدم خدماتها للشعب. بالإضافة إلى دعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي العادل.

المادة 18 من الدستور تنص على التزام الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومي الإجمالي. على أن تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية. كما تلتزم الدولة -وفق هذه المادة- بإقامة نظام تأمين صحي شامل لجميع المصريين يغطي كل الأمراض. فضلاً عن أن ينظم القانون إسهام المواطنين في اشتراكاته أو إعفاءهم منها طبقًا لمعدلات دخولهم.

ويجرم الدستور الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة. وتلتزم الدولة -وفق ذلك- بتحسين أوضاع الأطباء وهيئات التمريض والعاملين في القطاع الصحي. كما تخضع جميع المنشآت الصحية والمنتجات والمواد ووسائل الدعاية المتعلقة بالصحة لرقابة الدولة. على أن تشجع الدولة مشاركة القطاعين الخاص والأهلي في خدمات الرعاية الصحية وفقًا للقانون.

حزمة الـ 100 مليار.. الاقتصاد أهم من القطاع الطبي

في يوليو 2020، أصدرت وزارة المالية المصرية تقرير الموازنة بشفافية، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية (يونيسف). وقد أشارت فيه إلى أن موازنة العام المالي 2020/2021 تركز على مساندة النشاط الاقتصادي وتحقيق نمو شامل ومستدام ودعم التنمية البشرية والإصالح الهيكلي. كما تتضمن هذه الموازنة عددًا من الإجراءات الإصلاحية تشمل تخصيص حزمة مالية تحفيزية بقيمة 100 مليار جنيه. ذلك لتمويل خطة الدولة لمواجهة تداعيات فيروس “كورونا”.

هذه الحزمة، أعلنت الحكومة تخصيص 63 مليار منها بالفعل لتغطية بعض الالتزامات العاجلة. وتشمل 4 أوجه صرف: تخفيف العبء المالي وحوافز القطاعات المنتجة – الدعم الاجتماعي وتخفيف العبء على المواطنين – مميزات شريبية وخفض تكاليف الإنتاج لتحفيز النشاط الاقتصادي – مكافحة جائحة كورونا بدعم القطاع الصحي.

هذه الحزمة وإن كانت الأكبر فى تاريخ مصر منذ الأزمة المالية العالمية في 2008 وتعادل 1.1% من الناتج المحلي الإجمالي. لكنها أبرزت -وفق البيانات الرسمية- توجه الحكومة إلى الصرف على معالجة الأضرار الاقتصادية لكورونا على حساب دعم القطاع الطبي لمواجهة الجائحة. إذ يوجه وفقًا لها مبلغ 37 مليار جنيه (0,6% من الناتج المحلي الإجمالي) لدعم القطاعات الأكثر تضررًا. بينما لم تتجاوز قيمة المخصص لإجراءات دعم قطاع الصحة العامة مبلغ 10.7 مليار جنيه (نسبة 0,2%). ذلك وفق تقرير موازنة المواطن الأخير الصادر عن وزارة المالية، الذي يشير أيضًا إلى تخصيص مبلغ 9 مليارات لدعم الفئات الأكثر ضررًا من الجائحة. فضلاً عن 1.500 مليار خاصة بكل من قطاع التعليم وبعض الشركات القابضة وغيرها من القطاعات.

5 أحزاب وحملة مجانية لقاح كورونا

في 5 فبراير الجاري، دشنت 5 أحزاب سياسية مصرية حملة توقيعات للمطالبة بمنح لقاح فيروس كورونا للمواطنين. ذلك بعد إعلان الحكومة -ممثلة بوزارة الصحة والسكان- بيعه مقابل 100 جنيه للجرعة الواحدة.

قائمة الأحزاب التي أطلقت حملة التوقيعات تضمنت: الدستور – التحالف الشعبي الاشتراكي – الاشتراكي المصري – الشيوعي المصري – العيش والحرية (تحت التأسيس).

الموقعون على البيان، أكدوا أن دعوتهم تأتي انطلاقًا من قناعة أن الصحة حق للمواطنين وواجب والتزام من الدولة تجاه مواطنيها. وأنه على الدول كافة غنية أو فقيرة توفير لقاح كورونا لمواطنيها دون تمييز مجانًا. ومنها من قدم تسهيلات وإعفاءات وإعانات للمواطنين لتمكينهم من مواجهة آثار الوباء.

تطرقوا أيضًا إلى أن اللقاحات هي من أهم أدوات مكافحة الأوبئة. وأن حملات التلقيح لا بد أن تكون جماعية وتشمل نسبة عالية من الشعب (حوالي 70٪) للوصول إلى إمكانية السيطرة الفعالة على الوباء.

وبعد انضمام رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي مدحت الزاهد لدعوى “مجانية اللقاح” المقامة امام مجلس الدولة، أعلن النائب السابق هيثم الحريري وعضو المكتب السياسي للحزب انضمامه أيضًا. إلى جانب الخبير الاقتصادي أحمد النجار.

المنضمون للدعوى شددوا على أن اتجاه الحكومة لطرح اللقاح بمقابل مالي، سيحرم شرائح مجتمعية عريضة من حقها في تلقي العلاج. وهو الأمر الذي يُعد مخالف لصريح القانون.

وكانت وزارة الصحة أعلنت أنّ التطعيم سيكون بالمجان لشريحتين فقط من المصريين، هما؛ الأطقم الطبية في كلّ المستشفيات على مستوى البلاد. إلى جانب المواطنين الذين يطبق عليهم برنامج المساعدات الحكومية لغير القادرين “تكافل وكرامة”. أما بقية المواطنين فلن يكون تطعيمهم مجانيًا.

الدول المجاورة ومجانية التطعيم

3 دول عربية هي السعودية والأردن والإمارات بادرت بطرح لقاح كورونا لمواطنيها بالمجان في محاولة لوقف انتشار الوباء. ذلك تعظيمًا لصحة المواطن والحفاظ على حق الإنسان في الدواء خاصة بالنسبة للفئات غير القادرة.

في 23 نوفمبر 2020، أعلنت وزارة الصحة السعودية، أن لقاحات ضد “كورونا” ستُوفر بشكل مجاني للجميع في المملكة. وأعلنت أنها تأمل أن تغطي لقاحات فيروس كورونا 70% من سكان المملكة بنهاية عام 2021.

وفي الأردن أكد وزير الصحة الدكتور نذير عبيدات -خلال نوفمبر الماضي- أن لقاح فيروس كورونا سيتم توفيره مجانًا للأردنيين والمقيمين على أرض المملكة. ووفق أولويّات محدّدة، وأن هناك خطة وطنية متكاملة لتطعيم الفئات التي تحتاج للقاح كورونا وضمان عدم خسارة أي جرعة. مشيرًا إلى أن إعطاء 20% من المواطنين لقاح الفيروس -الذي لن يكون إجباريًا- سيحمي المجتمع.

وبالنسبة لـ “الإمارات”، بدأت إمارة دبي خلال ديسمبر 2020، في حملة تطعيم بلقاح “فايزر-بايونتيك” مجانًا لمكافحة انتشار فيروس كورونا. وكانت الإمارات أول دولة تطرح اللقاح الصيني سينوفارم لسكانها. استنادًا إلى تحليل مؤقت للتجارب السريرية في المراحل المتأخرة.

حكم سابق لصالح مصابي “فيروس سي”

في حكم يؤكد الأولوية المطلقة لمرضى الفيروسات في العلاج على نفقة الدولة، قضت المحكمة الإدارية العليا فحص دائرة التأمين الصحي برفض الطعن رقم 78938 لسنة 62 ق عليا المقام من وزارة الصحة، ضد الشاب (م. ف. ا) المصاب بفيروس سي. وأيدت حكم  القضاء الإداري بالإسكندرية الدائرة الأولى بالبحيرة الصادر في الدعوى رقم 2141 لسنة 11 ق بجلسة 30 مايو 2016، بإلغاء قرار وزير الصحة بالامتناع عن تنفيذ الحكم الصادر للشاب المريض بـ “فيروس سي” في الشق الموضوعي في الدعوى رقم 15560 لسنة 9 ق بجلسة 28 مايو 2012 الصادر بعلاجه على نفقة الدولة من مرض التهاب كبدي “فيروس سي” مزمن. وما يترتب على ذلك من آثار أخصها الاستمرار في تنفيذ الحكم وعلاجه مدى الحياة حتى تمام الشفاء.

المحكمة في حكمها ألزمت وزير الصحة بأن يؤدي للمدعي تعويضًا مقداره ٢٠ ألف جنيه عن الأضرار المادية والنفسية التي ألمت برافع الدعوى. ذلك لامتناعه عن تنفيذ الحكم الصادر بعلاج الشاب على نفقة الدولة لمدة ٤ سنوات من عام 2012 حتى 2016. وألزمت وزير الصحة المصروفات.

شحنات اللقاح

في 11 ديسمبر الماضي، استقبلت وزيرة الصحة الدفعة الأولى من لقاح “سينوفارم” الصيني ضد فيروس كورونا. قادمًا من دولة الإمارات. وقدرت الشحنة بـ50 ألف جرعة.

حينها، أعلنت وزارة الصحة الإماراتية أن لقاح “سينوفارم” فعال بنسبة 86٪ ضد فيروس كورونا. وقد أجريت تجارب سريرية للقاح سينوفارم على 3 آلاف متطوع بمصر خلال الشهرين الماضين. أما في الإمارات فقد ضمت التجربة 31 ألف متطوع.

أما الشحنة الثانية من لقاح “سينوفارم” الصيني، تم اسقبالها أيضًا في منتصف ديسمبر 2020. وأكد خالد مجاهد مستشار وزير الصحة -آنذاك- أن الأولوية في توزيع اللقاح ستكون للعاملين بالقطاع الصحي مع إعطاء الأولوية للعاملين بمستشفيات العزل والصدر والحميات ومرضى الأورام والفشل الكلوي.

وخلال الجلسة العامة لمجلس النواب في 4 فبراير الجاري، والتي حضرتها وزيرة الصحة هالة زايد، أوضحت الوزيرة أنه تم تشكيل لجنة برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي، وتضم ممثلين من وزارة العدل، والمالية، هيئة الدواء المصرية، وهيئة الشراء الموحد، بشأن الاتفاقيات التي يتم توقيعها مع الشركات والجهات المصنعة للقاحات. مشيرة إلى أن مصر استقبلت ثلاث دفعات من اللقاحات المضادة لفيروس كورونا.

وزيرة الصحة أكدت لنواب البرلمان، أنه تم توقيع اتفاقية تفاهم بين مصر ودولة الصين الشعبية، لتعزيز التعاون بين البلدين في البحث والتطوير والإنتاج. وتم الحصول على الدفعة الأولى من لقاح “سينوفارم”. وتم توزيعها على الأطقم الطبية بمستشفايات العزل والفرز والصدر والحميات بعدد من محافظات الجمهورية.

وبشأن لقاح “استرازينكا” شددت الوزيرة أنه تم الاتفاق للحصول عليه بعد استصدار موافقة الاستخدام الطاريء لمصنع معهد سيرم للقاحات في دولة الهند. وتم الحصول على 50 ألف جرعة. كما تم التعاقد مع الهيئة الدولية للأمصال واللقاحات “جافي” للحصول على 40 مليون جرعة لقاح فيروس كورونا. مشيرة إلى نجاح مصر في إبرام اتفاقيات للحصول على 100 مليون جرعة من اللقاحات.

أعده – محمود السنهوري: