يأتي فصل الشتاء كل عام ومعه التقلبات الجوية في حالة الطقس، التي تصاحبها أمطار ورياح وسيول في عدة مناطق. وفي كل عام تعلن الأجهزة التنفيذية استعدادها لموسم الأمطار الذي ينتهي في أغلب الأحيان بخسائر في عدة محافظات، دون استغلال حقيقي لهذه الأمطار، فماذا تغير هذا العام؟
صندوق تحيا مصر سبق أن خصص ما يقرب من 100 مليون جنيه لمواجهة تداعيات السيول في ميزانية عام 2020، بجانب توزيع 20 ألف بطانية لمواجهة قسوة الشتاء في مثل هذه الظروف، ولم تكن المرة الأولى من نوعها، إذ أسهم الصندوق بنحو مليار جنيه لإغاثة المنكوبين من سيول عام 2016، وتطوير الصرف بمحافظتي الإسكندرية والبحيرة.
لكن مواجهة السيول لا تعني التفريط في استغلالها وهو ما تبحث عنه الحكومة منذ سنوات طويلة من أجل الاستفادة من مياه الأمطار، على غرار دول كثيرة تعتبر الأمطار رزقا حقيقيا في زيادة إنتاجها الزراعي وتوفير بعض احتياجاتها من الماء.
الدكتور سامح العلايلى، عميد كلية التخطيط العمرانى الأسبق جامعة القاهرة، يقول إن مصر كانت من الدول التي تشهد سقوط أمطار قليلة، ومع السنوات الماضية وصل الأمر لتعرضها أكثر من مرة لسيول، وتظهر الموارث بسبب غياب التخطيط، وأيضا البناء على مخرات السيول، سواء عن عمد من قبل الأهالي عن طريق التعديات، أو من غير عمد، وهو ما تسبب في غرق مدن بها فيلات فاخرة، مثل ما حدث بالقاهرة الجديدة.
يضيف العلايلي، في تصريحات خاصة، أن التخطيط الجيد للمدن هو الحل لمواجهة أزمة السيول، لذا تظهر الأزمة في المدن الجديدة بشكل واضح عن المدن أو الأحياء القديمة، مشيرا إلى أنه عند اللجوء لتصريف مياه الأمطار بشبكات الصرف الصحي، يصبح الأمر مكلفا جدا.
اقرأ أيضا:
إعصار” التنين”: قليل من الضحك كثير من الاستعدادات
الاستفادة من مياه السيول
الاتجاه الآخر للاستفادة من مياه السيول بدلا من اللجوء لتصريفها، ربما يكون حلا وفقا لحديث العلايلي، مثل غمر الحدائق بها، من خلال إعادة توظيفها للاستفادة بها، وربما يكون هذا هو الحل الحتمي لمواجهة الأمر، بدلا من حدوثه كل عام.
الاستفادة من تلك المياة يبدأ من خلال وضع تصور لوضع وحركة مياه الأمطار من خلال شبكات صرفها، وكيفية نقلها ومعالجتها، ثم الاستفادة منها في العديد من الاتجاهات.
الدكتور محمد عبدالعاطى، وزير الموارد المائية والرى، قال إنه سيتم الانتهاء من المرحلة الأولى لتأهيل الترع بحلول شهر يونيو من عام ٢٠٢١ ودفع عجلة التنفيذ للوصول إلى المُستهدفات طبقًا للجدول الزمني.
وأضاف الوزير، في بيان له، أن عدد العمليات الجارى طرحها بلغ ٢٥٦ عملية بإجمالى أطوال ١٥٢٤ كم، وتكلفة إجمالية ٤،٦٠٥ مليار جنيه، وعدد العمليات الجارى تنفيذها حاليًا ١٥٢ عملية بإجمالى أطوال ١٩٣٩ كم وتكلفة إجمالية ٥،٦٥٧ مليار ليصبح إجمالى المرحلة الأولى ٣٤٦٣ كم بتكلفة إجمالية ١٠،٢٦٢ مليار جنيه.
ويبلغ عدد مخرات السيول نحو ١١٧ بإجمالى ٣١٢ كم حيث يجب التـأكد من حالتها ومدى جاهزيتها لاستقبال مياه السيول، كما بلغت عدد المخالفات لدى الإدارات العامة للرى عقب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم ٩٤١ لسنة ٢٠٢٠ عدد ٩ آلاف ٤٨٨ مخالفة بمحافظات الجمهورية وما تمت إزالته منذ بدء حملة الإزلالات من يناير ٢٠١٥ نحو ١٤٧ ألفا و٦٣ إزالة، وفقا لوزارة الموارد المائية.
آبار جديدة
وتسعى الحكومة لاستغلال مياه الأمطار للتوسع في زراعات مثل القمح والشعير والزيتون باستخدام هذه المياه في المحافظات الحدودية مثل سيناء مطورح، عن طريق إنشاء آبار جديدة تستوعب كميات الأمطار.
مركز بحوث الصحراء من خلال مركز التنمية المستدامة لموارد مطروح أعلن إنشاء 87 بئرا جوفية بسعة 9526،56 م3 لحصاد وتخزين مياه الأمطار بغرض الشرب للإنسان والحيوان والاستخدام المنزلي والري التكميلي للخضر والمحاصيل خطة المركز.
وأوضح تقرير أصدره مركز بحوث الصحراء أنه تم إنشاء عدد 118 بئرا نشو بسعة 12924.14 م3 لحصاد وتخزين مياه الأمطار بغرض الشرب للإنسان والحيوان والاستخدام المنزلي والري التكميلي للخضر والمحاصيل من خلال المشاريع التنموية ليصل إجمالي عدد آبار النشو إلى 205 آبار لتخزين المياه.
كيف نواجه السيول؟
الدكتور ضياء الدين القوصي، مستشار وزير الرى السابق، يرى في تصريحات خاصة، أن مواجهة السيول يمكن أن تتم من خلال طريقين، الأول إقامة سدود لتكسير قوة المياه، وتبعدها عن الكتل السكنية أو التجمعات البشرية، وتحولها للمصارف والترع، أو الخزانات الكبيرة، وأيضا يمكن إقامة السدود التخزينية التي تخزن كميات المياه، والتي يمكن الاستفادة منها فيها بعد في الزراعة، كنوع من أنواع الاستفادة منها.
أما الحل الثاني الذي يؤكد عليه القوصي، فهو الحل الأسهل أو الأبسط، من خلال تحذيرات الأرصاد بفترة كافية، والتي تتزامن معها تفريغ الترع والمصارف لاستقبال المياه.
وفي السياق نفسه، حاول باحثان مصريان من جامعتي طنطا وكفر الشيخ المصريتين اختبار جدوى حصاد مياه الأمطار الساقطة على المناطق الحضرية، لحل مشكلات نقص المياه في البلاد. وأجرى الباحثان تقييمًا لجدوى حصاد مياه الأمطار على أكثر من 22 مدينة مصرية.
وأظهرت نتائج الدراسة التي نُشرت في مجلة “إنفيرونمنتال ساينس أند بوليوشن ريسرش” أن الحجم السنوي لمياه الأمطار التي يتم حصادها يمكن أن يصل إلى 142.5 مليون متر مكعب في المدن التي تم إجراء البحث بها، بشرط أن يتم جمع كل الأمطار التي تسقط على تلك المدن، ويمكن أن تساعد تلك المياه من الأمطار، في المساعدة بما يقرب من 12٪ من الاحتياجات المنزلية التكميلية للمياه في المدينة الواحدة.
الدراسة جاءت لتجمع بين مخاطر السيول، وأيضا الاستفادة منها في حل مشكلات نقص المياه، ووفقًا للنتائج التي توصل إليها الباحثان، يمكن أن يؤدي تسلُّل مياه حصاد الأمطار المباشر إلى طبقة المياه الجوفية دورًا مهمًّا في إعادة شحن الخزان الجوفي وتحقيق الإدارة السليمة والمستدامة للمياه في البيئات الحضرية، كما أن ذلك قد يؤدي إلى تقليل الأخطار الناتجة عن الفيضانات، وتقليل نفقات تركيب شبكات الصرف الصحي وتشغيلها.