تحدث المصريون لغات عدة عبر التاريخ، بداية بـ”الهيروغليفية” بلهجاتها، ثم “القبطية” وصولًا إلى “العربية” بعد الفتح العربي وانتشار الإسلام. لتبدأ رحلة بعض اللغات في الصمود أمام الانقراض والاندثار.

في التقرير التالي نحاول تسليط الضوء على اللغات غير العربية، التي تقاوم حتى اللحظة في اليوم العالمي لـ”اللغة الأم” الذي يوافق 21 من فبراير. في الوقت الذي يقدر فيه عدد اللغات المنقرضة في القرن العشرين بـ300 لغة. لكن يبدو الرقم بسيطًا إذا نظرنا لتقديرات انقراض اللغات عام 2050، التي تصل لـ3 آلاف.

كذلك أشارت “اليونيسكو” إلى تهديدات حقيقية تهدد لغات ولهجات بالزوال والانقراض رغم الجهد المبذول من المنظمة لإنقاذها كـ”الأمازيغية”.

اقرأ أيضًا.. “العربية”.. عندما يقضي على اللغة أبناؤها

اللغة القبطية

ينظر إليها باعتبارها امتدادًا لـ”المصرية القديمة”. بينما يعتبر آخرون أن القبطية اليوم في وضعها الطبيعي. فهي لغة قديمة تؤدي دورًا اجتماعيًا ولغويًا في الكنيسة. كذلك تأخذ وضعها في البحث العلمي كأي لغة نظيرة. بينما يرى البعض الآخر عكس ذلك.

اقرأ أيضًا.. صغار بلا كرتون.. “ديزني” وخطورة طمث اللغة والثقافة المصرية

اللغة القبطية ومحاولة تعريبها

الدكتور إبراهيم ساويرس مدرس اللغة القبطية بكلية الآثار جامعة سوهاج تحدث عن وضع اللغة القبطية في مصر. إذ يقول: “القبطية منحسرة في الكنائس منذ القرن الـ11. وكذلك كمادة بحثية في الجامعات خارج مصر وداخلها”.

لكن اللغة القبطية ليست كما يقول البعض تتخذ دور أشبه باللاتينية في الكنيسة الكاثوليكية. بل لها دور أوسع ربما يتجاوز فكرة أنها التواصل. فهي تعبير عن هوية الأقباط ويميزهم عن غيرهم من الجماعات الدينية. كما أنها ضرورية لحفظ التراث اللحني المُسلم على مر القرون.

يرفض ساويرس ربط القبطية بالمسيحية لأنه خطأ شائع. كذلك لدينا نصوص قبطية عن آلهة مصرية، وأخرى ديموطيقية إلى جوار اليونانية في وثيقة واحدة.

اللغة القبطية

“اللغة تواجّه التغيرات السياسية مع تغير الحكام الذين يفرضون لغتهم الجديدة. هذه اللغة إن فُرضت في المعاملات القانونية لابد أن تنتصر” بحسب ساويرس.

ساويرس أكد أنه على عكس ما هو مُعتقد لا يوجد انحسار على دارسي اللغة القبطية في مصر. فمن حيث الكم شهدت اللغة ميلاد باحثين مصريين أكفاء. أما من حيث الكيف مازالت المدارس الغربية في دراسة اللغة القبطية هي الأكثر إنتاجًا والأفضل جودة.

اقرأ أيضًا.. “التحايل على اللغة وسرقة الفن”.. رحلة الصهاينة للتقرب من العرب

الدراسات المرتبطة بالوثائق اليومية، ونحو اللغة القبطية، تعوقهما الحاجة للخبرة والمراجع الكثيرة المكتوبة بغير العربية. كذلك تعيقه إجراءات إدارية معقدة في الجامعات المصرية.

كما أن البعض يعتبر “القبطية” مجرد دراسة دينية. كذلك ندرة عدد المتخصصين في الجامعات وحساسية بعض الموضوعات التي تتناول الأدب القبطي.

يؤكد ساويرس أن دعوات تعريب الصلوات لا تشكل أي خطورة على القبطي،. فهي موجودة منذ قرون، وبعض من يرددها يصنعون العكس ويرتلون بالقبطية وبكفاءة.

وعن كيفية الحفاظ على القبطية من الاندثار، يشير إلى أنه لا يمكن إقناع أحد بشيئ إلا بعد فهمه، كذلك المؤسسات الكنسية عليها دور كبير في تطوير وسائلها وكوادرها.

“النوبية”.. محاولات فردية للحفاظ على التراث

أما “النوبية” وهي لسان مليون مصري تنقسم إلى قسمين أساسيين “الكنزية” و”الفاديجية”. كذلك تختلف إلى 5 لهجات أو أكثر في مناطق مختلفة.

ورغم أن الكتابة والتدوين بهذه اللغة انتهت بعد دخول الإسلام النوبة، إلا أنها مازالت لغة مناطق كثيرة في أسوان، رغم وجود العربية. لكن تظل اللغة المحلية هي المفضلة لأهل النوبة.

خيرية موسى، مسؤولة التراث النوبي في جمعية كنداكة، تقول: “معظم أمهات الجيل الحالي لا يتحدثن النوبية ما يشكل خطرًا حقيقيًا على اللغة. لأنه وبحسب موسى يقتبس الأطفال لغتهم من الأم. كذلك لا تعترف الحكومة باللغة النوبية رغم أنها شفرة نصر أكتوبر وتدرس في 26 جامعة.

اقرأ أيضًا.. أقليات في مصر.. “النوبة”.. عالم موازي من البهجة والعراقة

ووفق موسى، دخلت “العربية” على معظم مفردات “النوبية” ما أضعف من قوتها. كذلك تقول إن اللغة عاشت بفضل جهود ابنائها لأكثر من 45ألف سنة دون كتابتها.

كما قالت: “لاحظت أن الشباب يجهلون لغتهم ومن يعرف منهم ينطقها بشكل خاطئ. فكان لابد من حملة لتأصيل المفردات النوبية وتنقيتها من المفردات التي لحقت بها”.

ولا تتوقف “موسى” اندثار النوبية، خاصة أن مليون مصري يتحدثونها في النوبة. بالإضافة إلى مواطنين من السودان وإثيوبيا ونيجيريا ومالي والسودان التي ستدرسها العام المقبل.

اللغة النوبية

50 عامًا على نهاية “الأمازيغية”

تواجد الأمازيغ في مصر بشكل فعلي قبل مئات السنين، حاولوا طوال السنوات الماضية الحفاظ على هويتهم وعاداتهم وتقاليدهم قدر المستطاع، وكانت لهم مطالب جميعها ارتبطت بالحق في الحياة والتنمية.

أماني الوشاحي نائب رئيس منظمة الكونجرس العالمي الأمازيغي تقسم الأمازيغ في مصر إلى مجموعتين ناطقتين بالأمازيغية في سيوة. بينما يوجد غير ناطقين بها ضمن اتحاد هوارة الذي يضم قبائل عربية وأمازيغية.

ووفق المادة 50 في الدستور المصري، تعترف مصر باللغة الأمازيغية. لكن حتى الآن لم ينفذ شيئ على أرض الواقع، سواء تدريسها أو تعليمها، بحسب الوشاحي.

هناك عقبات أمام تعليم الأمازيغية بحسب أماني. فلا يوجد كتب أو معلمين ليكون الاعتماد على معلمين من الخارج وهو أمر مكلف. كذلك نحتاج لدعم غير أهلي من خلال وزارة الثقافة.

الأمازيغية

أما فيما يخص الحفاظ على اللغة من الاندثار، قالت الوشاحي إنه اللغة موجودة في شمال أفريقيا. كذلك توجد قنوات فضائية بالأمازيغية وهناك المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في الرباط. ومركز للدراسة الثقافية الأمازيغية في ليبيا.

لكن في مصر وبحسب الوشاحي قد تتعرض الأمازيغية للانقراض تماما بعد 50 سنة من الآن، حيث لا يقرأها أحد أو يدرسها أو يكتب بها. كما تقول إن الحفاظ على اللغات المحلية في مصر يتطلب إنشاء مجمع علمي للغات. خاصة أن الدستور يعترف بهذه اللغات بجانب دعم وزارة الثقافة.

اقرأ أيضًا.. أمازيغ الجزائر.. ربيعٍ متجدد ضد الإقصاء الثقافي وتهميش اللغة