لم تكن الأزمة المالية المباغتة التي تعرضت لها شركة الخطوط الجوية التونسية، سوى أحد أعراض تفاقم الصراع السياسي بتونس، والتي على ما يبدو أن ثمة أطراف خارجية تضغط عبر وكلائها المحليين في سبيل تحقيق أهدافها، وهو ما دفع بأمين عام اتحاد الشغل التونسي، نور الدين الطبوبي، إلى وصف الحادث بأنه “مساس بالدولة”، مؤكداً على أن “هناك اليوم إرادة ممنهجة لتدمير الشركة”.
وإثر قيام شركة “تاف تونس” التركية، قبل أيام قليلة، بإبلاغ إدارة الخطوط التونسية بتجميد كامل حسابات الأخيرة لتسديد دين متراكم عليها لصالح الأولى، أعلن موظفو شركة الطيران التونسية الدخول في إضراب مفتوح. وهو الأمر الذي تسبب في حالة من التوقف التام بالمطارات التونسية.
وقد تجمع المحتجون بدعوى من “الاتحاد العام التونسي للشغل” أمام مقر شركة الخطوط الجوية التونسية، في العاصمة.
ودان المحتجون القرار القضائي الذي نص على تجميد أرصدة الشركة الحكومية التونسية من قبل الشركة التركية “تاف”، والأخيرة طالبت بسداد ديون مستحقة قيمتها نحو 400 مليون دينار (حوالي 121 مليون يورو)، حسبما ورد على لسان رئيس اللجنة البرلمانية للإصلاح الإداري والحوكمة، بدر الدين القمودي.
وقال النقابي التونسي باتحاد الشغل إلياس بن ميلاد: “تفاجئنا بقيام الشركة التركية تاف بتجميد حسابات الشركة العمومية المتواجدة منذ سبعين عاماً”.
وبينما تلاحق حركة النهضة التونسية (فرع الإخوان بتونس)، اتهامات بافتعال أو تدبير الأزمة، في خضم الصراع السياسي بين رئيس الحركة ورئيس البرلمان، راشد الغنوشي، ورئيس الدولة، قيس سعيد، فإن الأمين العام لاتحاد الشغل، لفت إلى أن “وضع المؤسسة يدل على فشل النخبة السياسية المنشغلة بالغوغائية والمناكفات والنرجسية.. لا يملكون النضج السياسي وروح المسؤولية. البلد في حالة شلل”.
اقرأ أيضا:
سيناريو افتراضي.. ماذا لو اختفى “الإخوان” من تونس؟
الخطوط التونسية.. تهاون شديد فى حقوق الدولة
وفي حديثه لـ”مصر 360″، يقول النائب في البرلمان التونسي، المبروك كورشيد، إن “ما وقع مع الخطوط التونسية على الرغم من مكاسبها لدى البنوك ناجم عن تهاون شديد فى حقوق الدولة”، مضيفاً: “حصلت شركة “تاف التركية” على إتفاق باطل وغير قانونى، حدث بمقتضاه تنازل الدولة التونسية عن مستحقاتها المالية المثقلة بالخزينة العامة، نهاية عام 2019. وذلك بدعوى تقليص النشاط على مطار المنستير والنفيضة”.
ولفت النائب في البرلمان التونسي إلى أن هذا الاتفاق رفض الإمضاء عليه، طيلة سنوات توليه منصب وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية.
وعقّب المحلل السياسي التونسي، نزار الجليدي، على تفاقم أزمة الخطوط الجوية التونسية، بعد توقيف جميع الرحلات الجوية، في مطار تونس الدولي، ومختلف المطارات الأخرى، بأنها تبدو في ظاهرها أزمة مالية لكنها تبرز في خلفيتها “واقعاً سياسيا يتواطأ فيه إخوان توانس مع تركيا بعد أن سيطرت حركة النهضة على الإدارة السياسية، ثم المؤسسات الوطنية، بينما قاموا بتجييش الشارع”.
ورقة ضغط من النهضة
ويشير الجليدي لـ”مصر 360″، إلى أن الأزمة الأخيرة تمثل “ورقة ضغط” تستعملها حركة النهضة في إطار صراعها السياسي المحتدم، وذلك بعد أن “كشر المجتمع عن أنيابه وأضحت المعادلة في الشارع ضدهم”، لافتاً إلى أن “الشركة التركية أبرزت قيمة الديون لها عند المؤسسة الناقلة الجوية التونسية، وهي حيلة تم تدبيرها بواسطة رضوان المصمودي المقيم في الولايات المتحدة، والذي يترأس مركز دراسة الإسلام والديمقراطية في واشنطن، حيث يعد المركز أحد المنصات التي تروج لإخوان تونس بالخارج، وتشكل منبرا لتحالفاتها مع القوى الإقليمية”.
لذا، يرجح المحلل السياسي التونسي حدوث أزمات أخرى مماثلة “سواء بواسطة تركيا أو من خلال حلفائها في تونس، مثل رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي”، مؤكداً على أن الأزمة “مفتعلة ومدبرة، حيث إنه في تونس عمدت النهضة إلى استيراد مادة “الأمونيتر” المهمة في مسألة الطاقة والتي هي بالأصل تستخرج من تونس ويجري تصديرها للخارج، لكن من يتحكم في الانتاج والتصدير هم الإخوان، الذين يريدون إفلاس المؤسسات الوطنية وتحويل ذلك كله لورقة ضغط في سبيل معاركهم السياسية، وفي النهاية هناك محاكمات في الشارع سوف تحدث لهذه القوى التي تصر على تجويع الشعب”.
وبدأت أزمة الخطوط الجوية التونسية في أعقاب حجز الحسابات البنكية التابعة للخطوط الجوية التونسية من قبل شركة “تاف” التركية، والتي تتحكم في عدد من المطارات التونسية، ما تسبب في دخول عمال مجمع شركة الخطوط التونسية بكافة فروعها في إضراب مفتوح.
كما هدد الاتحاد العام التونسي للشغل بشن تحركات احتجاجية في كامل المؤسسات العمومية التي تواجه صعوبات كبرى على خلفية الأزمة المتفاقمة في شركة الخطوط التونسية.
وقال أمين عام اتحاد الشغل نور الدين الطبوبي أمام تجمع عمالي: “نتوجه للتحرك داخل مجمع القطاع العام، والخطوط التونسية هي جزء من القطاع العام مثلها مثل شركة الكهرباء والغاز وشركة النقل وشركة الشحن ووكالة التبغ.. كل المؤسسات العمومية في تحرك نضالي من أجل ؤرية مستقبلية للإصلاح”.
وتابع: “اليوم معركة سيادة وطنية وإصلاحات عقلانية مسؤولة.. هذه معركة ستتجدد في التحركات الأيام المقبلة وأمامنا كل الخيارات”.