أعادت التعديلات المطروحة بشأن قانون الإيجار القديم 136 لسنة 1981 الجدل حول أزمة العلاقة بين المالك والمستأجر. وهو الجدل الذي اندلع لسنوات طويلة شهدت محاولات تشريعية عدة لمعالجة الفجوة الكبيرة بين ما يتم دفعه والقيمة المستحقة للوحدات المستأجرة في أغلب العقارات، إن لم يكن جميعها.

التعديلات المطروحة تواجه إشكالية كبرى فيما يتعلق بالمتضرر من استمرار القانون والقيمة الإيجارية على النحو المعمول به ما قبل عام 1996. فمالك العقار لا يجني منه إيجاريًا سوى الفتات. بينما المستأجر غير قادر على دفع المستحق عن وحدته إذا ما عُدلت القيمة الإيجارية. ذلك نتيجة تدنى مستوى الدخل وغيره من أعباء المعيشة التي لا تتلائم مع الارتفاع الذي قد يشهده إيجار وحدته اتساقًا مع الإيجارات المفعّلة في الوقت الراهن.

وتسعى التعديلات التي تتضمن 6 مواد فقط من القانون القديم غلى السماح بإضافة حالات لإخلاء العين المؤجرة. وهي تحددها في أن تكون العين مُغلقة لمُدة ثلاث سنوات لغير غرض السفر، أو أن تمر ثلاث سنوات على استخراج ترخيص بناء جديد باسم المُستأجر أو زوجته أو أولاده القصر، أو أن يكون المستأجر يستفيد من الحصول على مسكن من برامج الإسكان التي تُقدمها الدولة، مع تقييد حق توريث العلاقة الإيجارية بمدة 50 عامًا، تبدأ من تاريخ تحرير العقد الأصلي للمورث.

من الانحياز إلى تحرير العلاقة.. تاريخ الإيجار في مصر

تخضع العلاقات الإيجارية في مصر لثلاث فترات زمنية، ارتبطت بسلسلة من القوانين المنظمة لها. بدأت أولى هذه الفترات مع الحرب العالمية الثانية قبل ثورة 23 يوليو وحتى عام 1977. وقد شهدت هذه الفترة صدور عدد من القوانين المنظمة، تمثلت في: القانون رقم 121 لسنة 1947 – 169 لسنة 1961 – 46 لسنة 1962- 52 لسنة 1969- 79 لسنة 1977.

تجاهلت تلك الفترة التي امتدت لأكثر من 70 عامًا مبدأ إعطاء الفرص والتكافؤ والمساواة. وحاولت سلسلة القوانين الصادرة خلال هذه الفترة تخفيض القيمة الإيجارية. خاصةّ وأنها تحملت تبعات فترة الحكم الملكي، وما تخللها من عدم وجود عدالة في أغلب العلاقات، ومنها العلاقات الإيجارية.

لهذا، فقد شهدت الفترة الثانية من تاريخ العلاقات الإيجارية في مصر صدور قانون 136 لسنة 1981. وهنا بدأت الدولة ترفع يدها نسبيًا عن العلاقة بين المالك والمستأجر. ذلك من خلال إلغاء لجان الأجرة التي كان لها قرار تحديد قيمة الإيجار في السابق. ووضعت قواعد للتعاقد، تحددت معها قيمة الإيجار بنسبة 7% من قيمة الأرض والمباني.

أما المرحلة الثالثة في تاريخ هذه العلاقة، فقد بدأت فعليًا مع صدور قانون 4 لسنة 1996 الذي قضى بتحرير العلاقة الإيجارية بين المالك والمستأجر، وبما يتوافق عليه الطرفان، وفقًا لقواعد القانون المدني. هذا القانون نظر إليه الملاك باعتباره “رمانة الميزان”، والأقرب إلى العدالة المنشودة في وجهة نظرهم. وقد شملت هذه المرحلة أيضًا عددًا من القوانين الأخرى المنظمة لهذه العلاقة، ومنها: “قانون 4 لسنة 1996، وقانون 5 لنفس العام، وقانون 6 لسنة 1997”.

قانون الإيجار القديم.. تعديلات لم تكن مجدية

قانون الإيجار القديم رقم 136 لسنة 1981 لم يشهد تعديلات جذرية تعالج الأزمة القائمة بشكل فعلي بين المالك والمستأجر حتى اليوم. ذلك رغم صدور عدد من التعديلات التي دخلت مجال النقاش التشريعي “دون جدوى حقيقية”، كما يرى المحامي عبد الستار البلشي.

يقول البلشي إن التعديلات المطروحة للمناقشة إلى الآن لا تمثل حلاً جذريًا لأزمة العلاقة بين المالك والمستأجر في القانون القديم. خاصة فيما يتعلق ببند: ” تحديد حد أدنى للأجرة 200 جنيه للوحدات السكنية، و300 جنيه للوحدات الإدارية، أو 50% من قيمة الأجرة القانونية المُتخذة أساسًا لحساب الضريبة العقارية لوحدة المثل”. وهو ما لا يتلائم بالمرة مع الأسعار الموجودة بالفعل في الواقع، على حد قول البلشي. وهو يضيف أنه “لا توجد علاقة إيجارية في القرى النائية مبنية على هذه الأرقام في الوقت الحالي”.

يوضح البلشي أنه يفضل عدم إعمال الأثر الرجعي للقانون لما له من عائد سلبي حاد. وهو ما اتضح في البند المطروح للتعديل الخاص بـ: “تحرير العقد الأصلى بعد مرور 50 عامًا على بدء العلاقة الإيجارية الأصلية للعين المؤجرة”. بما يعنى تقييد حق توريث العلاقة الإيجارية بهذه المدة. معتبرًا زيادة أعباء المستأجر تدريجيًا أوقع كبديل عن قرار الإخلاء.

هنا، يشير المحامي بالتعاونية القانونية لدعم الوعي العمالي، ياسر سعد، إلى أن التعديلات التي تلت قانون 1981 لم تغير منه إلا في جوانب طفيفة تكاد لا تذكر. والأزمة لا تزال قائمة لم تنته بعد، فجميع الإيجارات التي تأتي بعد عام 1996 لها وضع يختلف تمامًا عما هو سابق على ذلك التاريخ.

يضيف سعد أيضًا أن الحكومة حاولت تدارك الأمر بعرض مشروع قانون على مجلس النواب في فترته الماضية. وقد استهدف هذا المشروع التعامل مع الأزمة من خلال وضع مدة انتقالية لتوفيق الأوضاع. وهو ما رفضه الملاك ونفذوا عددًا من الحملات في مواجهة مشروع القانون هذا. معتبرينه غير مجدي. وبالفعل لم يتم حسم المسألة تشريعيًا.

المحامي بالاستئناف، كريم عزت، يقول إن كل علاقة كانت قبل قانون 4 لسنة 96 هي أبدية بين المالك والمستأجر. فلم يتم إلغاء قانون 81 ولكن فقط تم إيقاف التعامل به وتحرير التعاقد مجددًا بين المالك والمستأجر وفقًا لما يتفقا عليه. وبات كل من استأجر على القانون السابق مستمر وفقًا لبنوده.

من يتحمل المسؤولية؟

يرى المحامي عبد الستار البلشي أن التعامل مع قانون الإيجار القديم يحتاج إلى حذر شديد. ففي حال الإخلاء الفوري للعقارات قد تجد آلاف الأسر إن لم يكن أكثر من ذلك في الشارع بلا مأوى. وقد لا يكفي دخل هؤلاء لاستئجار وحدات جديدة بديلة. ومن زاوية أخرى هناك مالك لا يتقاضى ما يعادل تكاليف عقاره، وهو دائم الشكوى من هذا الأمر.

لذلك يرى البلشي أن على الدولة مسؤولية يجب تحملها ولو لفترة انتقالية وليست أبدية. ذلك من خلال تحمل فارق الإيجارات. وهو يشير إلى تحمل فارق الإيجارات هذا بأنه واجب على الدولة لتقاعس أنظمتها السابقة عن مزامنة التشريعات بمستجدات الحياة التي طرأت.

ويضيف أن عدد من دول الجوار ومنها الكويت -على سبيل المثال- يعيد النظر في قيمة التعاقدات كل 5 سنوات بنزول سعرها للمثل أو ارتفاعه بحسب متطلبات الفترة الجديدة. وأن ترك ملف الإيجارات طيلة هذه السنوات في مصر خلق فجوة كبيرة وحقيقية بين قيمة الإيجار وتوافقها مع التطور الزمني.

الإيجار القديم.. الحاجة لتعديلات تنظر للطرفين

تحديد شخوص المستفيدين والمتضررين من قانون الإيجار القديم إشكالية كبرى -كما أسلفنا- وهنا تتعدد وجهات النظر. خاصةً مع ظهور الأصوات المطالبة بتعديل تشريعي يميل إلى حد كبير لصالح الملاك.

فيرى عبد الستار البلشي أن السعي لتحقيق العدالة أهم من إنصاف أحد الأطراف. لذلك يجب الوقوف على وضع المستأجر وملكيته لعقار آخر من عدمه. لأن تحقيق ركائز العدل تقتضي النظر لوضع الطرفين “المالك والمستأجر”.

يشير البلشي أيضًا إلى أنه لا يجوز -على سبيل المثال- أن يكون هناك عقار آخر لدى المستأجر، محفوظًا لأحد أبنائه أو يتم تأجيره بسعر اليوم. ثم يطالب هذا المستأجر بحق إنصافه على حساب المالك الذي لديه الاحتياجات نفسها.

القانون الحالي ينحاز بالفعل للمستأجر على حساب المالك، كما يوضح المحامي بالاستئناف كريم عزت. وهذا الانحياز كان نتيجة لظروف الفترة الزمنية التي تم وضع القانون خلالها.

لكن عزت يشير أيضًا إلى أن التعديلات عادة ما تبحث عن سُبل لإخراج المستأجر من مسكنه دون النظر إلى احتياجاته. وهو يرى لحل هذه الأزمة ضرورة النظر في امتداد الاستئجار المرتبط بالتوريث. وفي حال ضرورته أو الاحتياج له يكون ذلك لمرة واحدة.

يقترح المحامي ياسر سعد فتح باب حوار في هذه الإشكالية. ذلك بأن تشكل لجان داخل كل منطقة، تكون مهمتها طرح حلول بين طرفي الأزمة بما يحقق قدر من التوازن. ويشير إلى أنه بدون توافق الطرفين لن يكون هناك حل مرضي أو منصف للجميع.