شهد الوسط القبطي في السنوات الأخيرة، ظاهرة جديدة تمثلت في كيانات عدة تتخذ عناوين تحمل بين طياتها معاني “حماية الإيمان“. كذلك وهبوا لأنفسهم صك الغفران لمن رضوا عنه وفرمانات الحرمان لمن خالفهم وهاجموه ووصفوهم بالهراطقة.

كل هذا جعل بعض الأقباط يصفون تلك الكيانات بـ”المتشددة” نظرًا لمخالفتهم قطاع كبير من أبناء الكنيسة. كذلك وصل الأمر لمخالفة ومهاجمة البابا تواضروس نفسه. تلك الكيانات قابلتها أخرى مضادة، ما أدى لوقوع قطاع كبير من بسطاء الأقباط في شرك الحيرة. كذلك عدم معرفة الحقيقة أو على أي أساس يتم الحكم بمخالفة العقيدة أو الهرطقة وما يتبعها من قرارات حرمان، مثلما حدث مؤخرا مع وفاة المفكر جورج بباوي، واتهامه من قبل “حماة الإيمان” بالهرطقة.

اقرأ أيضًا.. 10 سنوات على يناير.. كيف خرجت الكنيسة كرابح أكبر من عواصف الثورة؟

“حماة الإيمان” الكيان الأبرز والأكبر 

رابطة “حماة الإيمان” هي الأبرز والأكثر انتشارًا بين الكيانات الجديدة التي ظهرت مؤخرًا. كذلك اتخذت من اسمها وسيلة لتكون رادعًا لمن تهاجمهم. ما جعل المضاد لهم يصفونهم بـ”التشدد” والمشجعين لهم وصفوهم بـ”المدافعين عن الإيمان القويم”.

الرابطة وصفت نفسها بمجموعة من الشباب الأكاديميين الذين تجمعوا للرد على أي شبهة أو اتهام يوجه للعقيدة المسيحية أو الكنيسة القبطية بنقاش علمي.

المجموعة دخلت في صراعات مع من “مهاجمي المسيحية”. كذلك كان الغرض بيان فساد معتقداتهم وفضح أغراض هجومهم على الإيمان. لكن الأمر وصل لصراع مع العديد من الكهنة والأساقفة بل والبابا ذاته.

الصراع أدى لظهور كيانات وصفحات أخرى، لكل منها آرائه التي تعبر عن اتجاه إيماني مختلف في العقيدة الأرثوذكسية. كذلك وصف كلًا منهما للآخر بأنه خارج عن الإيمان.

من أين بدأ صراع الكيانات؟

المفكر القبطي كمال زاخر يفسر  الظاهرة لكونها مرتبطة بالمراحل الانتقالية في كيان بحجم الكنيسة الأرثوذكسية. كذلك بعد وفاة البابا شنودة الثالث الذي امتدت قيادته للكنيسة لأربعة عقود.

“الباب شنودة استطاع أن ينقل الكنيسة إلى دوائر اشتبك فيها مع السياسة والقضايا المجتمعية. حتى صار رمزًا للأقباط وممثلهم أمام الدولة” يقول زاخر.

زاخر أضاف لـ”مصر 360″ أنه لظروف عدة ارتفع عدد أعضاء مجمع الأساقفة إلى ما يربو على الـ100. ومن ثم أصبح هؤلاء يدينون بالولاء للبابا شنودة. كما كان المتوقع أن يأتي خليفته من دائرة الموالاة، لكن الصدمة كانت في مجئ البابا التالي من خارجهم.

كذلك التغيّرات المباغتة في الفضاء العام بعد حراك السياسي في السنوات الأخيرة. كذلك اختلاف ردود فعل البابا الجديد عن الراحل والانتقال من مغازلة الحس الشعبوي إلى الهدوء.

كل هذا فسره المفكر القبطي، بأنه ترتب عليه الانتقال من إدارة الفرد إلى المؤسسة ووضع لوائح تنظيمية للهيئات الكنسية. ما ولد حالة من الرفض تبناها الأساقفة الذين ارتبكت حساباتهم وخرجوا من دائرة اتخاذ القرار. كذلك ظهرت الجماعات المناوءة للبابا الجديد والجماعات المضادة.

اقرأ أيضًا.. جورج بباوي “مهرطق القرن العشرين” المختلف عليه في الكنيسة المصرية

صراع الكيانات.. تطور اللاهوت القبطي

على النقيض، يرى مارك فيلبس، الباحث الأرثوذكسي، أن ظهور كيانات “حماية الإيمان” لا يعد أمرًا غريبًا أو شاذًا في رحلة تطور اللاهوت القبطي. كذلك تعتبر تلك الكيانات حاملة روح اللاهوت المعبرة عن فكر الكنيسة القاعدي.

“فيلبس” دلل على رأيه بالسيرة الذاتية للأب متى المسكين: “إنها عزلة فُرضت علينا نحن الأرثوذكس المصريين منذ مجمع خلقدونية (سنة 451م) بحصار ثقافي. فقد فقدنا نحن الأرثوذكس المصرين منذ مجمع خلقدونية كل صلة بالعالم الخارجي. فقدنا اللغة اليونانية وهي لغة اللاهوت والفلسفة والعلم. فقدنا كل امتداد في الماضي والمستقبل. ومعها تراثنا الآبائي كله، ثم فرضنا على أنفسنا هذه العزلة بأيدينا.. بتعصبنا”.

الباحث أضاف لـ”مصر 360″، أن الخلافات العقدية الحادة على مواقع التواصل الاجتماعي، ما هى إلا تجلى لحالة “انشطار الكنيسة”. كذلك له أصل في الواقع كما في التاريخ، وهو الافتراق العقائدي بين المجموعتين الكبيرتين.

“الظرف السياسي ألّهم الظرف اللاهوتي والكنسي، وأثّر فيه. كل المجموعات التي كانت متوارية في الظل ظهرت وكأنها من العدم” يؤكد فيلبس. كما أشار إلى أن الكنيسة تمر بمرحلة “موت البطريرك” أو “ما بعد البطريرك”. و المقصود هنا ليس الشخص، إنما المبدأ الأبوي الحاكم للكنيسة. سواء الروحى أو المؤسسى أو العقائدى.

الكنيسة السبب

“عدم حسم الكنيسة عدد من القضايا الخلافية في السنوات الأخيرة بجانب عدم الرد على أغلب تساؤلات الناس كان سببًا رئيسيًا في ظهور تلك الكيانات”. هكذا فسر كريم كمال، الباحث في الشأن السياسي والقبطي، أسباب ظهور تلك الكيانات.

كذلك أكد “أنا شخصيًا أثق في قيادة الكنيسة وعلى رأسها البابا تواضروس وأعضاء المجمع المقدس. لكن في نفس الوقت يجب أن تدرك قيادة الكنيسة أن في العقد الأخير حدثت تغيرات كثيرة أدت إلى تغير المفاهيم. كما أصبح الشعب بشكل عام والشباب بشكل خاص لا يقتنعون إلا بالنقاش والردود المقنعة. كذلك تأثير الميديا على قطاع كبير جدًا وفي نفس الوقت نجد المصادر الرسمية التي تتحدث باسم الكنيسة لا تتطرق لأي قضية مثارة بين الناس”.

كمال أضاف لـ”مصر 360″، أن أبرز الأمثلة التي سببت وصلة صراع بين تلك الكيانات، ما جاء في مناولة جورج حبيب وصلاة الجنازة عليه.

اقرأ أيضًا.. الكنيسة تتصدى لـ”القداسة الزائفة” في معركة أضرحة الكهنة

القضية أثارت عاصفة من التسائلات ما بين يؤيد ومعارض بسبب صدور قرار من المجمع المقدس ضد بباوي. ومن ثم فإن رجوع بباوي للكنيسة يحتاج لقرار مجمعي مماثل. وهنا كان يجب على قيادة الكنيسة توضيح لماذا تمت مناولته من الأسرار المقدسة. ولماذا تم الصلاة عليه رغم عدم صدور قرار مجمعي آخر.

وأكد أنه بدون شعب لا توجد كنيسة لأن الشعب هو العمود الأساسي الذي به ومن أجله تبنى الكنائس وتقام الأنشطة. كذلك حذر من انصراف الشباب عن الكنيسة في المستقبل القريب لعدم توضيح أسباب القرارات لهم.

كمال ناشد البابا تواضروس وأعضاء المجمع المقدس، بمخاطبة الرأي العام القبطي بشكل دائم وتوضيح أسباب اتخاذ القرارات. كذلك حسم عدد من المواضيع التي تثير جدل وأصبحت مادة دسمة للتداول والشائعات.

 

كتب- كيرلس بشارة