بالرغم من دعوة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة وتسريعه من إجراءات الإفراج عن بعض رموز المعارضة والصحفيين؛ إلا أن الدعوة للخروج ضد حكومته في مظاهرات غدا الاثنين مازالت مستمرة.

كانت جماعة “الحراك” المعارضة  دعت للمظاهرات الاثنين بعد انتشار تجمعات في عدة ولايات هذا الأسبوع على مواقع التواصل الاجتماعي في أنحاء البلاد وخصوصا العاصمة لإحياء الذكرى الثانية لانطلاق الحراك الذي نتج عنه إقالة بوتفليقة في فبراير 2019.

وكنتيجة لهذا الضغط القادم من الشارع الجزائري والذي بدأ من مدينة خراطة القريبة من العاصمة الجزائرية؛ أصدر الرئيس الجزائري أمرا بالافراج مؤقتا عن 33 شخصا من المعارضة ومسجوني الرأي من ضمنهم الصحفي خالد دريني مراسل قناة TV5 Monde الناطقة بالفرنسية ومراقب حرية الصحافة مراسلون بلا حدود RSF ، ورجل الأعمال المعارض رشيد نكاز والذي كان محتجزًا منذ ديسمبر 2019 واتهم بالتحريض، والناشطة وعضو حركة الحراك دليلة توات. كما انتشرت أخبار عن أن النظام الحاكم سيصدر أوامر بالافراج عن 22 آخرين في الساعات القليلة المقبلة.

حركة الحراك

في ظل انتشار الحركات الشعبية في الدول العربية سعيا نحو التغيير وما عرف ب”الربيع العربي” ظهر بعض الاحتجاجات في الجزائر عام 2011؛ لكن تمكن نظام بوتفليقة في قمعها. ثم بعد مرور8 سنوات أثمرت هذه الاحتجاجات عن ظهور حركة الحراك التي تمكنت من إجبار الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة والذي كان قعيد الفراش؛ على التنحي، لكن الاحتجاجات التي يبلغ عددها عشرات الآلاف استمرت، ودعت إلى الإطاحة الكاملة بالنخبة السياسية الجزائرية ووصفت الانتخابات التي أعقبت استقالة بوتفليقة بأنها تمثيلية.

والجدير بالذكر أنها جماعة حركة بلا قيادة مركزية، لكن أنصارها قضوا فترة حظر كوفيد في التواصل عبر ال|أنترنت وهم يناقشون كيفية تنشيط الاحتجاجات في ظل إغلاق الجزائر بسبب كوفيد -19.

تبون والمعارضة

من ثم تم عقد انتخابات رئاسية فاز بها رئيس وزراء بوتفليقة “عبد المجيد تبون بأغلبية 85%، الامر الذي أثار حفيظة المتظاهرين كون أن نظام بوتفليقة لا يزال في الحكم، هذا على الرغم من تقديم بعض رموزه للمحاكمة. كما قد قام تبون بالتبرء من نظام بوتفليقة بالادعاء بأنه كان من المغضوب عليهم وتم نزع صوره من القصر الرئاسي، بعد أن قضى فترة 3 أشهر فقط كرئيس وزراء وتم تنحيته وتعيين أحمد أويحي.

وبعد فوز تبون، ولإرضاء الحراك، أيد الرئيس إجراء استفتاء لتعديل الدستور. بينما اعتبرت حركة الحراك استفتاء تبون مسرحية وحثت على مقاطعة وطنية.

لكن حكومة تبون تبنت إصلاحات دستورية صغيرة بمشاركة 23.7٪ فقط. ثم جاء انتشار وباء كوفيد-19؛ كطوق نجاة لنظام تبون حيث تم استخدام تطبيق الاجراءات الاحترازية كذريعة لتفريغ الشارع من المعارضة وإسكاتها، ومنع المظاهرات والاحتجاجات بطريقة لا تثير حفيظة المجتمع الدولي.

التهدئة

وبقرب حلول الذكرى الثانية للحراك الجزائري خرج ما يزيد عن 5000 شخص في مناطق متقرفة في كل من مدينة خرطة وبجاية الاسبوع الماضي احتجاجا على عدم تنفيذ أي تغيير حقيقي في نظام الحكم عن النظام السابق عليه. هذا بالاضافة لتردي الوضع الاقتصادي الذي نتج عن فرض قيود بسبب فيروس كورونا؛ مما تسبب في ارتفاع معدلات الفقر، وعدم القدرة تفادي الوباء والعلاج منه. كما ازدادت حالات العنف ضد النساء وجرائم قتلهن، وسط صمت حكومي مطبق. كل ذلك أثر سلباً على حياة الشعب الجزائري مما أثار حفيظته.

وكرد فعل وفي محاولة للتهدئة؛ أعلن تبون حل البرلمان وتنظيم انتخابات برلمانية ومحلية مبكرة خالية من المال السياسي، وتفتح أبوابها للشباب”. وقال إن “التغيير الجذري لا يأتي إلا بتغيير يفضي إلى مؤسسات لا غبار عليها، ولا تشكيك فيها، مثلما كان يطالب به الحراك المبارك”. 

كما أعلن عن عفو رئاسي لمجموعة من معتقلي الحراك يتراوح عددها بين 55 و60 فرداً. هذا بالإضافة لإجراء تغيير حكومي خلال الـ48 ساعة المقبلة يشمل القطاعات ترضي تطلعات وطموحات الشعب الجزائري. بالإضافة لإجراء إصلاحات أخرى منها بدء وضع الآليات القانونية لإنشاء “مرصد المجتمع المدني”، و”المجلس الأعلى للشباب”، و”المحكمة الدستورية” خلال شهر.

كما دعا ممثلي 6 أحزاب المعارضة في لقاء تشاوري بعد عودته من رحلة علاجية في ألمانيا؛ بينما تجاهل الأحزاب المعروف عنها ولائها للنظام مثل “جبهة التحرير الوطني”، و”التجمع الديمقراطي”، و”حركة أمل الجزائر”، و”حزب الحركة الشعبية الجزائرية”.

المستقبل وما يحمله للجزائر 

بعدما تم فض الاشتباك ما بين الحراك الجماهيري وعودة الجماعات المتشددة للحكم في الجزائر وهي الفزاعة التي تم استخدامها في 2011؛ بحدوث الحراك السلمي 2019 والمطالبة بحكم مدني، قد يحمل المستقبل إحدى الاحتمالات التالية؛ الأول نجاح نظام تبون في استقطاب المعارضة وخاصة أنها لا تمثل اتجاها واحدا بل تتميز بالتشتت والفرقة. وبالتالي تخلو الساحة من محركين وبدلاء سياسيين يمكن إجراء تغيير حقيقي بهم.

ثانيا قيام نظام تبون بالمزيد من حالات القمع وإلقاء القبض على المتظاهرين، الأمر الذي سيتسبب في المزيد من الانفجار، فالوضع الاقتصادي المتأزم لم يترك مساحة للصبر.

ثالثا: نجاح الحراك في إجبار نظام تبون على مغادرة الحكم بسلمية وقدرته على تقديم بدايل سياسية له.

رابعا قيام نظام تبون بتشكيل تحالف سياسي من الأحزاب المعارضة التي استقبلها مع تقديمه بعض وزرائه للمحاكمة لامتصاص غضب الشارع الجزائري وهو الأقرب للتصور.