تعيش ميانمار أزمة سياسية طاحنة في أعقاب الانقلاب العسكري، واستيلاء قادة الجيش على السلطة، بدعوى أن نتائج الانتخابات الأخيرة قد زورت، من دون تقديم دليل على ذلك، مطالبا بإعادة التصويت.
وكان الجيش في ميانمار قد أعلن السيطرة على مقاليد السلطة في البلاد، بعد نحو عقد من موافقته على تسليم السلطة إلى المدنيين، ما أثار المخاوف من عودة الحكم العسكري.
واعتقل قادة الانقلاب أونغ سان سو تشي وسياسيين آخرين من الحزب الحاكم المنتخب، ووضعها قيد الإقامة الجبرية، كذلك إعلان حالة الطوارئ في البلاد لمدة عام.
تهديدات بالعنف
ضمن ردود الفعل الأممية، أدان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، في تغريدة على حسابه على موقع “تويتر”، العنف المميت في ميانمار، مشيرا إلى “أن استخدام القوة المميتة والتخويف والمضايقات ضد المتظاهرين المسالمين غير مقبول”، مشددا على ضرورة كفالة الحق في التجمّع السلمي للجميع، ودعا كل الأطراف إلى احترام نتائج الانتخابات والعودة إلى الحكم المدني.
وفي مقطع فيديو مسجل مسبقاً عرض في افتتاح الدورة السادسة والأربعين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، قال جوتيريش “أدعو الجيش في ميانمار إلى وقف القمع فورا، وتحرير السجناء، وضع حدا للعنف. واحترام حقوق الإنسان وإرادة الشعب التي عبّر عنها في الانتخابات الأخيرة”.
في غضون ذلك شددت المجموعة العسكرية الانقلابية في بورما من لهجتها بعد عطلة نهاية اسبوع شهدت أعمال عنف دامية، بتحذيرها المتظاهرين من أنهم يواجهون خطر الموت.
وجاء في بيان صدر باللغة البورمية وعبر محطة التلفزيون العامة “يحرض المتظاهرون الناس ولا سيما منهم المراهقون والشباب المتحمس على سلوك طريق المواجهة التي سيموتون عليها”.
وحذر البيان المتظاهرين من أي محاولة، لما سماه “تحريض الناس على التمرد والفوضى”.
إلا أن التاريخ الدموي للجيش هناك والتهديدات المستمرة بالعنف، لم تمنع الحشود الضخمة من النزول إلى الشارع، الأثنين، والمطالبة بعودة الحكومة المنتخبة، كما دعوا إلى العصيان المدني، واإضراب العام في البلاد.
اقرأ أيضا:
“التاتماداو” ينقلب على دستور كتبه.. ماذا يحدث في ميانمار؟
ردود أفعال ضد ميانمار
في السياق نفسه، دعا فريق الأمم المتحدة قوات الأمن إلى الامتناع عن العنف، وشدد على ضرورة التوقف عن استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين من قبل قوات الأمن، وعلى احترام الحق الأساسي في التجمّع السلمي إلى جانب حقوق الإنسان الأخرى مثل حرية التعبير.
كذلك، أعرب مقرر الأمم المتحدة الخاص لحقوق الإنسان في ميانمار توم أندروز عن قلقه العميق من هذه التهديدات. وكتب في تغريدة “تحذير إلى العسكريين: خلافا للعام 1988 ممارسات القوى الأمنية تسجل وستتحملون المسؤولية”.
من جهته، أعلن الاتحاد الأوروبي نيته وضع عقوبات على النظام العسكري في ميانمار، في حال فشلت القنوات الدبلوماسية.
وزير الخارجية الألماني هايكو ماس قال على هامش المشاورات مع نظرائه الأوروبيين في بروكسل:”يجب استخدام جميع القنوات الدبلوماسية التي لا تزال موجودة للعمل على خفض التصعيد في ميانمار”، مضيفا أن عقوبات ضد النظام العسكري ستوضع إذا فشل ذلك.
ووصف الوزير التعامل مع المتظاهرين في ميانمار بـ”مقلق للغاية”، مؤكداً إدانته انقلاب القيادة العسكرية، ورفضه مواصلة مراقبة التطورات في ميانمار، “دون فعل شيء”.
وكانت الادارة الأمريكية بقيادة بايدن، سبق وأن فرضت عقوبات على قادة الانقلاب في ميانمار، تضمنت أفراد أسرهم، والشركات المرتبطة بهم، كما اتخذت إجراءات لمنع وصول الجيش إلى مليار دولار من الأموال الحكومية الموجودة في الولايات المتحدة.
لماذا الآن؟
وخلال السنوات الخمس الماضية، قادت سو تشي، وحزبها الذي كان محظورا في السابق الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية (أن أل دي) البلاد بعد انتخابها، عام 2015 في أول انتخابات حرة في البلاد منذ 25 عاما.
وكان من المفترض أن يبدأ الحزب دورة ثانية في السلطة صباح فوزه في الانتخابات نوفمبر الماضي، إلا أن الجيش ادعى “أن اللجنة الانتخابية أخفقت في التحقيق في مخالفات على قوائم الناخبين، ولم تسمح بحملة عادلة”.
وبالرغم من فوز حزب الرابطة الوطنية وصعودها إلى سدة الحكم، إلا أن الجيش هناك حظي بالكثير من الصلاحيات، بفضل دستور البلاد الذي يمنحه ربع المقاعد البرلمانية بشكل تلقائي، وكذلك السيطرة على ثلاث وزارات، وهي الداخلية، الدفاع، وشؤون الحدود.
وهو الدستور نفسه الذي يجعل الوضع الديمقراطي في البلاد بالغ الهشاشة، ويمكن الانقلاب عليه، في حال تغير المزاج داخل الجيش بقادته، أو رأوا في السياسات الديمقراطية تهديدا لمصالحهم.
خاصة في ظل نجاح رابطة سو تشي لفترة أخرى، بينما سبق وأن أعلنت نيتها تعديل الدستور، الأمر الذي يرى فيه الجيش مساسا مباشرا بمصالحه.
ووفق منظمة “هيومان رايتس ووتش”، فإن المادة التي تضمنها الدستور عام 2008، بشأن قدرة الرئيس في حالة طوارئ وطنية، إصدار مرسوم طوارئ لتسليم قائد الجيش السلطة التنفيذية للحكومة، والصلاحيات التشريعية والقضائية، بالتنسيق مع “مجلس الدفاع والأمن الوطني” الذي تهيمن عليه المؤسسة العسكرية، كانت بمثابة “آلية انقلاب في الانتظار”.
وبحسب “وول ستريت جورنال”، فإن “النتائج الضعيفة التي حققها حزب الاتحاد للتضامن والتنمية، المدعوم من الجيش، أجج الوضع المشتعل بين الفرقاء، بعد أن توضح للقادة العسكريين احتمالية تقليص دور الجيش في السلطة التشريعية للحكومة، الأمر الذي عزز تصميم الرابطة الوطنية للديمقراطية على أن لديها تفويضاً انتخابياً للحكم وفقاً لشروطها الخاصة”.
ويبدو أن ظروف وباء “كورونا”، والتجارة الدولية، إلى جانب أزمة الروهينجا، شجع قادة الجيش على الانقلاب، والمخاطرة بمكاسبهم الحالية، ووضعهم الجيد، على أمل انصراف المساندة الدولية عن السلطة المنتخبة، بعد تعثرها في حل بعض القضايا العالقة.
حرب الفيسبوك
في سياق الضغط الدولي، حذف موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، صفحة خاصة بموقع إخباري يديره الجيش، بعد يوم من مقتل شخصين أثناء احتجاجات على الانقلاب العسكري في البلاد، بينما اعتبر الموقع أن الصفحة، الخاصة بالجيش، انتهكت قواعده التي تحظر التحريض على العنف.
ويعتمد الجيش على الموقع في نشر الأخبار، ويستخدمه لإصدار تحذيرات للمتظاهرين والترويج لمزاعمه حول نتائج الانتخابات، كما منع فيسبوك قائد الجيش مين أونغ هلينغ، وقادة كبار آخرين من استخدام منصاته، وسط مزاعم بانتهاكات حقوق الإنسان ضد مسلمي الروهينغا.
وكان النظام العسكري فرض قيود على بعض خدمات فيسبوك في أعقاب استيلائه على السلطة مباشرة، وكذلك البرامج التابعة له “واتس أب، انستجرام”.
ويبلغ مستخدمو فيسبوك في البلاد مايقرب من 22 مليون شخص من إجمالي 54 مليون مواطن.