قبل أيام قليلة، أعلن المحامي الحقوقي خالد علي إخلاء سبيل الدكتور حازم حسني، واستبدال حبسه بتدابير احترازية، تمنعه من مغادرة المنزل، وذلك على ذمة تحقيقات القضية ٨٥٥ لسنة  ٢٠٢٠ حصر أمن دولة.

وأشار خالد أن قرار النيابة هو الثاني من نوعه في حق الدكتور حيث سبق وأن كان محبوسا احتياطيا على ذمة القضية٤٤٨ لسنة ٢٠١٩، وحصل على قرار بإخلاء سبيله من غرفة المشورة بمحكمة الجنايات بإخلاء سبيله.

ومع نهاية شهر أكتوبر الماضي، حصل حسني على إخلاء سبيل بقرار من المحكمة، بعد إتمامه نحو عام في الحبس الاحتياطي وتدهور حالته الصحية. إلا أن النيابة العامة قررت في نوفمبر الماضي حبس أستاذ العلوم السياسية على ذمة قضية جديدة، وذلك بعد إنهاء إخلاء سبيله في القضية 488 لسنة 2019.

قوبل الإفراج المشروط عن حسني بترحاب كبير من الدوائر السياسية في مصر، حتى مع تأكدهم أن الرجل لن يخرج من بيته إلا للذهاب إلى مستشفى حكومي فقط، لكن التدابير الاحترازية تعد بالنسبة لقطاع كبير أحد أفضل الحلول المطروحة لإنهاء أزمة الحبس الاحتياطي في مصر.

تبنت التشريعات الجزائية المصرية، التدابير الاحترازية، بديلا عن العقوبة بالحبس، وأخذ القانون بتلك التدابير وعمل على التوسع في استخدامها خلال الفترة الأخيرة، وفي قضايا النشر والرأي بشكل خاص.

وتجنح بعض الجهات الحقوقية إلى الدفع باتخاذ تلك الاجراءات، بهدف تقليل أعداد المحتجزين، خاصة في ظل ظروف وباء كورونا، والتكدس الحاصل في السجون المصرية.

اقرأ أيضا:حازم حسنى وتدبير عدم مبارحته مسكنه

 

الاحتجاز المنزلي

وفقا للمحامي الحقوقي محسن بهنسي يعرف المشرع المصري التدابير الاحترازية أنها “مجموعة من الإجراءات البديلة للحبس الاحتياطي بشكل خاص، بهدف مواجه خطورة إجرامية كامنة في شخصية مرتكب الجريمة، أو نيته في تكرارها”.

وتخضع هذه التدابير للمادة المعدلة 201 للقانون رقم 150 عام 1950 من قانون الإجراءات الجنائية، والتي تنص على على أنه يجوز للسلطة المختصة بالحبس الاحتياطي أن تصدر بدلاً منه أمراً بأحد التدابير التالية:

 إلزام المتهم عدم مبارحة مسكنه أو موطنه، أن يقدم نفسه لمقر الشرطة فى أوقات محددة، و حظر ارتياد المتهم أماكن محددة، فإذا خالف الشخص الالتزامات التي يفرضها التدبير، جاز حبسه احتياطيا، ويسري في شأن مدة التدبير أو مدها، والحد الأقصى لها واستئنافها ذات القواعد المقررة بالنسبة إلى الحبس الاحتياطي، وفقا لـ “بهنسي”.

وعلى خلفية إلزام المحكمة للدكتور حازم حسني بالإقامة الجبرية، علق بهنسي “ارتضينا بالأمر، رغم تأكيدنا على أن الدكتور وغيره من المتهمين في قضايا الرأي، لا يعدو كمجرمين شديدي الخطورة، ولكن يجب على النيابة التوسع في هذا الاجراء، بديلا عن الذهاب للأقسام”.

ومن النادر تطبيق مثل هذا الاحتراز، فعدا حازم حسني، سبق وأن طبق الإجراء على أشخاص قليلة، منهم وزير العدل السابق أحمد سليمان، وناشطة سياسية.

وشدد بهنسي على خطورة الذهاب لدواوين أقسام الشرطة، والاختلاط هناك بمختلف المحتجزين، وكذلك الموظفين، وأن في الأمر خطورة خاصة في حالة الوباء، كما الحال في الحبس الاحتياطي”

ومع ذلك اعتبر بهنسي التدابير الاحترازية انتقاصا لحرية الأفراد، حيث لا يستطيع الشخص، ممارسة مهام حياته العادية، في حين تعدها جهات حكومية، كالجامعات، والمستشفيات، حبسا كاملا، فلا يستطيع الموظف استئناف عمله، في حال استمرارها.

إساءة استغلال

بحسب تقرير منظمة “العفو الدولية” يتكدس مئات السجناء في زنازين مكتظَّة، حيث يبلغ متوسط المساحة المتاحة لكل سجين من أرضية الزنزانة حوالي 1,1 متر مربع، وهي تقل كثيراً عن الحد الأدنى الذي أوصى به خبراء، وهو 3,4 متر مربع، كما أن عدد السجناء الذين أُفرج عنهم في عام 2020 بموجب عفو رئاسي وقرارات إفراج مشروط يقل بنحو أربعة آلاف عن مثيله في عام 2019.

التدابير الاحترازية حل مطروح طوال الوقت في التفاوض بين جهات التحقيق والمراكز الحقوقية، حيث سبق وأن وضعت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، حلاً للمحبوسين احتياطياً، يتمثل في اتخاذ تدابير احترازية بعدم مغادرة المنزل تماشيًا مع قرارات الحجر الصحي والحظر.

وحددت المبادرة 6 فئات حددتها للحكومة المصرية، من أجل تخفيف التكدس في السجون المصرية، ومنع انتشار وباء “فيروس كورونا كوفيد19″، بين المحبوسين، ورجال إنفاذ القانون”الشرطة، النيابة، القضاء،” ووصوله إلي المرحلة الثالثة”التفشي المجتمعي”، واضطرار الحكومة للإغلاق الكامل، وما يتبعه من خسائر اقتصادية، لا تتحملها مصر في الظروف الراهنة.

وسبق وأن نددت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية “بالإهمال غير المقبول” من جانب سلطات السجون المصرية على خلفية وفاة أربعة معتقلين داخل سجون مصرية بين 31 أغسطس و2 سبتمبر.

كما ذكرت المنظمة أن معاناة السجناء في مصر زادت من جراء فيروس كورونا الذي أدى إلى إصابة ووفاة العديد من السجناء بسبب الاكتظاظ وسوء الظروف الصحية ونقص الرعاية الطبية.

من جانبه، أكد المحامي الحقوقي نجاد البرعي أن التدبير الاحترازي، يعد بديلا للسجن الاحتياطي، ويمكن استغلاله في تخفيف عدد المحتجزين، خاصة في ظل ظروف الوباء.

ولكن البرعي أشار إلى إساءة استغلال مادة الحبس الاحتياطي بالأساس، عبر المماطلة التي تمارسها النيابة العامة في البت بمختلف القضايا، حتى تصل المدة لعامين، يعقبها تدوير جديد مصحوب بتدابير احترازية جديدة.

في حين أن القانون يقضي بأن مدة التحقيق في حال تجاوزت 3 أشهر، يتم تحويل القضية إلى النائب العام للبت فيها، وهو مالا يحدث غالبا، وفقا للبرعي.

واعتبر البرعي أن مماطلة النيابة إلى هذا الحد ربما يكون تعبير عن عدم وجود أدلة بالأساس، أو نقص في صفوف العاملين بالنيابة، مشددا على ضرورة حل النيابة هذه المعضلة، بهدف تخفيف عدد المحتجزين بدون داع.

وكذلك بين البرعي أن مدة التدابير الاحترازية بالاضافة إلى الحبس الاحتياطي لا يجب أن تتعدى فترة عامين، في حين تستغل النيابة إجراء التدوير لقضايا جديدة، لمد فترة الحبس الاحتياطي، وكذلك التدبير.

بديل جيد ولكن..

خلال العام الماضي أوردت الشبكة العربية لحقوق الإنسان أن إجمالي عدد السجناء في مصر يصل إلى 106 آلاف، بما في ذلك ستون ألف سجين رأي، لمعلومات، إلا أن السلطات تنفي احتجاز أي معتقل سياسي، وأن جميعهم محتجزين على ذمة قضايا جنائية.

المحامي ياسر سعد اعتبر التدابير الاحترازية بديلا جيدا للحبس الاحتياطي، في طريق تقليل عدد المحتجزين، إلا أنه لفت إلى غياب معناها وطرق تطبيقها في أقسام الشرطة.

ولفت سعد إلى صعوبات يواجهها الملزمون بالتدابير، في المعاملة مع أقسام الشرطة، من تعنت في تنفيذها، تصل أحيانا إلى إحضار الأشخاص من منازلهم قبل الفترة المحددة، والاحتفاظ بهم في حجز القسم، كذلك الإسراع في ضبط وإحضار المخالفين للتدابير، رغم أن الأمر لا يدخل في سلطات القسم وقوته، إنما يرجع لتقدير النيابة العامة.

وأشار سعد إلى غياب التنسيق بين النيابات، والأقسام من جهة، والأمن الوطني من جهة أخرى، ففي حالات عدة غاب الأشخاص عن التدابير بسبب احتجاز الأمن الوطني لهم، فتم اتخاذ إجراء قضائي بحقهم،

كما أوضح سعد صعوبات إجرائية، تخص أمر إنهاء التدابير من قبل النيابة، وعدم إبلاغ القسم بها، فيتداعى القسم إلى التمسك بقضاء الشخص لفترة التدابير ومدها في مخالفة لقرار قضائي.

 سعد أيضا شدد على ضرورة تقدير الأمور الطارئة على الأشخاص، وإبداء المرونة في تطبيق القانون، من قبل النيابة، في حال تعرضهم لظروف انسانية، أو أمنية.

“عقوبة لا تليق بسجناء الرأي”

في المقابل، يرى مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان محمد زارع، أن التدابير الاحترازية عقوبة لا تليق بسجناء الرأي، خاصة أن الكثير منهم شخصيات معروفة، وسبق ومارس العمل السياسي في العلن.

وأوضح زارع، في تصريحات خاصة، أن هذه التدابير وضعها القانون، بحق عتاة الإجرام، والأشخاص بالغي الخطورة.، وهو ما يغيب في حالة سجناء الرأي، وقضايا النشر.

وشدد زارع على ضرورة إخلاء سبيل جميع سجناء الرأي، من غير انتقاص لحريتهم، عبر التدابير الاحترازية، التي تمنعهم من استئناف حياتهم مرة أخرى، مشيرا إلى أن الوباء فرصة لخفض عدد المحتجزين من غير شروط.

واعتبر زارع أن الحبس الاحتياطي والإفراج مع التدابير أمران متساويان، بعد أن أصبحت الأخيرة عقوبة في حد ذاتها، اذ يتعرض السجناء للضغط بأن أي مخالفة لهذه التدابير ستعود بهم مرة أخرى للسجن.