فى 22 فبراير الجارى، أصدرت نيابة أمن الدولة قراراً مفاجئا بالاستجابة للطلبات التى تقدمنا بها بطلب إخلاء سبيل الدكتور حازم حسنى الأستاذ المتفرغ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، حيث قررت النيابة استبدال حبسه الاحتياطى بتدبير احترازى بعدم مبارحته مسكنه.

كان الدكتور حازم قد ألقى القبض عليه يوم 25 سبتمبر 2019، وتم حبسه احتياطياً على ذمة القضية 488 لسنة 2019 حصر أمن دولة، رفقة الدكتور حسن نافعة، والأستاذ خالد داوود، والسياسى البارز كمال خليل، والمحامية ماهينور المصرى، ونائب رئيس حزب التحالف الشعبى الاشتراكى عبد الناصر إسماعيل، والصحفية سولافة مجدى وزوجها المصور حسام الصياد، والصحفية إسراء عبد الفتاح، والمحامى الحقوقى عمرو إمام…وغيرهم.

وظل د حازم رهن الحبس الاحتياطى على ذمة تحقيقات تلك القضية والتى اتهم فيها بمشاركة جماعة إرهابية فى تحقيق أغراضها مع العلم بتلك الأغراض، ونشر أخبار وإشاعات كاذبة، حتى أصدرت غرفة المشورة بمحكمة جنايات جنوب القاهرة قرارها فى 31 أكتوبر 2020 باستبدال حبسه الاحتياطى بتدابير احترازية.

وبدلاً من تنفيذ قرار إخلاء السبيل وإطلاق سراحه، فوجئنا فى 4 نوفمبر 2020 بإحضاره إلى نيابة أمن دولة رفقة محضر تحريات جديد يتهمه بمشاركة جماعة إرهابية فى تحقيق أغراضها، فتم التحقيق معه على ذمة القضية 855 لسنة 2020 حصر أمن دولة، وأصدرت النيابة قرارها بحبسه على ذمة تحقيقات تلك القضية، واستمر حبسه الاحتياطى حتى أصدرت النيابة قرارها الأخير فى 22 فبرابر الجارى باستبدال حبسه بتدبير عدم مبارحة مسكنه.

فما هو هذا التدبير؟ وكيف يتم تطبيق؟

فى عام 2006 أصدر المشرع المصرى القانون 145 بتعديل بعد أحكام قانون الإجراءات الجنائية، ونص فى هذا التعديل على المادة  201، والتى أتاحت للسلطة المختصة بالحبس الاحتياطى (سواء كان نيابة أو قاضى) أن تصدر بدلاً منه، أمراً بأحد التدابير الآتية:

  • إلزام المتهم بعدم مبارحة مسكنه أو موطنه.
  • إلزام المتهم بأن يقدم نفسه لمقر الشرطة فى أوقات محددة.
  • حظر ارتياد المتهم أماكن محددة.

فإن خالف المتهم الالتزامات التى يفرضها التدبير، جاز حبسه احتياطياً، ويسرى فى شأن مدة التدبير، ومداها، والحد الأقصى لها، واستئنافها ذات القواعد المقررة بالنسبة للحبس الاحتياطى.

بمعنى أن يتم النظر فى تجديدها أو إلغائها أو تخفيفها أو استبدالها من النيابة أو المحكمة حسب السلطة المخولة بإصدار قرار الحبس، وفى مثل حالة الدكتور حازم حسنى وكافة القضايا التى تحققها نيابة أمن الدولة يحق للنيابة أن تجدد الحبس عشر مرات، وكل مرة لا تزيد عن 15 يوماً، بإجمالى 150 يوماً، وبعد ذلك يعرض أمر المتهم على غرفة المشورة التى يحق لها أن تجدد الحبس لمدة 45 يوماً بشرط ألا يزيد إجمالى مدة الحبس الاحتياطى عن سنتين.

ومن ثم، يطبق على التدبير ذات القواعد التى تطبق على الحبس الاحتياطى، حيث يعرض أمر المتهم على النيابة كل 15 يوماً، أو على المحكمة كل 45 يوماً لتقرر إلغاء التدبير أو استمراره أو تخفيفه أو استبداله بتدبير آخر.

وأكثر التدابير الشائع تطبيقها هو إلزام المتهم بأن يقدم نفسه لمقر الشرطة فى أوقات محددة، كان يقدم نفسه للقسم فى الشهر أو الأسبوع عدد محدد من الأيام، وفى ساعات محددة خلال هذا اليوم، فنهاك من يصدر بحقه تدبير أن يقدم نفسه يومياً للقسم لمدة ساعة أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة ساعات، وهناك من يقدم نفسه يوما واحدا فى الأسبوع لمدة ساعة واحدة حسبما يحدد القاضى/ النيابة فى قرار استبدال الحبس بهذا التدبير.

اقرأ أيضا:

شادي أبو زيد أحدث المنضمين.. “المراقبة الشرطية”: إفراج بنصف حرية

أما تدبير عدم مبارحة المنزل فلم يكن الدكتور حازم حسنى هو أول من طبق عليه هذا التدبير، فهناك حالات أخرى طُبق عليها، حيث سبق وأصدرت نيابة أمن الدولة قراراً بحق المستشار (أ س) وزير العدل السابق، بتطبيق ذلك التدبير عليه منذ عام ونصف، وهو لا يبارح المنزل إلا يوم جلسة التجديد حيث يذهب مندوب من القسم إلى منزله ويصطحبه رفقة الأوراق إلى الجلسة، ثم يعود إلى منزله مرة أخرى رفقة المندوب والأوراق، كما سبق وأصدرت الدائرة 14 جنايات شمال القاهرة فى القضية 26 لسنة 2020 إدارى الساحل قراراً باستبدال حبسه الاحتياطى (أ ش) بتدبير عدم مبارحته لمسكنه.

وتطبيق هذا التدبير ربما يفتح الباب لتخفيف آلام الحبس الاحتياطى على كبار السن والمرضى بأن يكونوا فى كنف عائلاتهم، وتحت رعايتهم بدلاً من استمرار حبسسهم الاحتياطى فى السجون ومقار الاحتجاز.

لكن المدقق فى هذا التدبير أنه بمثابة حبس منزلى يقيد حرية المتهم أيضاً ويعوقه عن العمل، إلا إذا كان يستطيع إنجاز أعماله من خلال وسائل الاتصال الحديثة، كما يتعذر عليه الذهاب لأى مكان حتى طبيبه الخاص أو المستشفيات الخاصة، فلا يملك إلا الاتصال بالإسعاف لنقله لمستشفى حكومى حتى تكون معه أوراق ثبوتية رسمية تبرر مبارحته المنزل، وأن انتقاله منه كان لضرورة صحية، وإلا يحق للقسم إعداد مذكرة بمخالفة التدبير تعرض على النيابة، والتى يمكن لها إصدار قرار بإعادة حبس المتهم مرة أخرى.

ويطبق قسم الشرطة هذا التدبير من خلال تعين مندوب أو أمين شرطة يجلس أمام منزل المتهم ليضمن عدم مبارحته له، أو يقوم القسم بإرسال مندوب بزيارة المتهم فى منزله زيارات مفاجئة فى أى وقت للتأكد من التزامه بالتدبير.

وقد تعرضت الناشطة (أ ف) لصعوبات جمة فى تطبيق هذا التدبير عليها، حيث أصدرت الدائرة 28 جنايات جنوب القاهرة فى ديسمبر 2018 قراراً باستبدال حبسها الاحتياطى على ذمة القضية 621 لسنة 2018 حصر أمن دولة بتدبير عدم مبارحتها المنزل، ولما كانت فى حاجة لمتابعة طبيبها الخاص، تقدم محاميها بطلب لرئيس المباحث ليكون على علم بخروجها من منزلها إلى عيادة الطبيب، إلا أنه كان يرفض الموافقة على خروجها من منزلها، ويهدد بإعداد مذكرة للنيابة، ويشترط الحصول على موافقة من النيابة أو المحكمة قبل خروجها لأى مكان، مما دفعها ومحاميها لطلب استبدال هذا التدبير بتدبير تسليم نفسها للقسم فى أوقات محددة، هو ما استجاب له القاضى بعد تقديم تقارير بحالتها الصحية.

أما تدبير عدم ارتياد المتهم أماكن محددة، فلم يصل لعلمى أن هناك متهمين طُبق عليهم هذا التدبير، بالرغم أنه أخف التدابير، وأكثرها توافقاً مع الفلسفة التشريعية لإقرار تلك التدابير بغية تخفيف وطأة الحبس الاحتياطى الذى كان يعانيه المتهم فى السابق، وربما يكون الوقت قد حان لتبنى تعديلات تقلل من مدد الحبس الاحتياطى، وتتوسع فى التدابير وبخاصة هذا التدبير الأخير، والذى يمكن تطبيقه من خلال (الساعة الإلكترونية/ القيد الإلكترونى)، فكما يتم تطبيق الوسائل الإلكترونية بنظر جلسات الحبس الاحتياطى عن بُعد، ودون وجود تعديل تشريعى بقانون الإجراءات الجنائية، يمكن أيضا تطبيق القيد الإلكترونى على من يستبدل حبسهم بتدبير حظر ارتياد المتهم لأماكن محددة، ربما يساعدنا ذلك فى حماية الفرضية الدستورية بأن (المتهم برىء حتى تثبت إدانته)، متى كان هناك ضرورة لهذا التدبير.