تبدو سعدية (زيزي البدراوي) كملاك خجول، فتاة صغيرة جاءت من قريتها لتعيش مع والدها الذي يعمل طباخًا لدى إحدى العائلات، سعدية الخجولة وسمير (يوسف فخر الدين) الابن الباحث عن اهتمام والديه، الوحيد في بيته، يجد في رفقة سعدية ونسًا، وتنتهى الحكاية بانتهاك لسعدية، التي تُصبح حاملًا، ولا يجد سمير مخرجًا سوى جلب داية شعبية لتقوم بالإجهاض، وتذهب حياة سعدية هباء، يأتي هذا الخط الدرامي وسط حطوط درامية تؤدي جميعها إلى نهاية واحدة وهي ضياع مجموعة الأبطال، دون أن تأخذ قضية اغتصاب سعدية، ومحاولة إجهاضها دون رغبة منها، ثم موتها دون اهتمام بالقضية نفسها، بقدر ما يأتي تبريرها كطيش شباب، فيلم احنا التلامذة المنتج في 1959 سيناريو وحوار نجيب محفوظ ومحمد أبو يوسف وإخراج عاطف سالم.

هل فيلم احنا التلامذة هو الفيلم الوحيد الذي تعامل مع تلك الواقعة بكل هذه البساطة؟ 

فيلم كلمة شرف بطولة هند رستم وفريد شوقي ونيللي ونور الشريف، قصة وسيناريو وحوار فاروق صبري/ فريد شوقي وإخراج حسام الدين مصطفي- 1973.

في فيلم كلمة شرف هناك علاقة بين كامل (نور الشريف) ومني (نيللي) تؤدي العلاقة إلى حمل، فتذهب منى إلي طبيب ليقوم بالإجهاض وتموت مني، يُسجن سالم بتهمة هتك العرض، فموت مني هو الذي حرك الأمر نحو السجن، وبرغم أن عملية الإجهاض هي التي أدت إلى سجن البطل، فإنها ليست أكثر من سبب، بل لم يتم مناقشتها، أو التطرق إليها، فالحبكة الرئيسية قائمة علي حب سالم الشديد لزوجته.

أما فيلم البوسطجي الذي يضم واقعتين للانتهاك الجسدي الأولى من والد مريم (صلاح منصور) للخادمة مريم (عواطف تكلا) والتي تكتشف زوجته وقوعها فتستدعي أهل مريم ليقوموا بقتلها دفاعًا عن شرفهم، دون الإشارة إلى الفاعل، بينما ينتج عن علاقة جميلة (زيزي مصطفي) وخليل (سيف عبد الرحمن) حمل، وهو ما يكتشفه والدها ويقوم بقتلها، وكأن انتهاك جسد الأنثى نتيجته هي القتل/الموت.

وفي فيلم الثلاثة يحبونها تأتي الأحداث بشكل مختلف إذ إن البطلة إيمان (سعاد حسني) موظفة بشركة لكنها تحيا حياتها بالشكل الذي تُحبه، وينتج عن ذلك سوء سمعتها، وتعامل الكل معها أنها مشاع، وهو ما يجعل زميلها كمال (حسن يوسف) يقوم بالاعتداء عليها أثناء وجودهما سويًا في رحلة ترفيهية، وحين يتم التحقيق يكون دفاعه أنها مشاع، ومن حقه أن يفعل ذلك كما فعل غيره، الأمر الذي يُشجع مديرها عصام (يوسف شعبان) للاعتداء الجسدي عليها، وهو الأمر الذي يمر مشفوعًا بإحساس الذنب، ووعي إيمان أن حياتها مليئة بالأخطاء، تلك الحياة التي لم يكن فيها شيء خاطئ فقط هي تمارس حريتها دون أذى للآخرين، ودون تجاوز.

هنادي في فيلم دعاء الكراون تظل أيقونة الانتهاك الجسدي الذي مارسه المهندس عليها بهتك عرضها، ثم خالها الذي قتلها، وأخذت أختها آمنة علي عاتقها أن تثأر لها من المهندس الذي اعتدى على شرفها.

هذه الأفلام مجرد نماذج ويمكن بسهولة وضع نماذج أخرى، خطورة تمرير مثل هذه التفاصيل داخل بنية العمل السينمائي دون توضيح خطورتها يكون بمثابة تمرير رسائل خفية للعقل الباطن، ويمكننا ملاحظة تلك الآلية في الإعلانات على وجه الخصوص، فتكرار صورة أو إعلان مهما كان المشاهد له يرفضه، إلا أنه بعد فترة سيعتاد عليه، وربما يستخدمه أيضًا.

وهنا تكمن الكارثة -من وجهة نظري- حيث التعامل الدرامي مع حوادث الانتهاك الجسدي داخل القصة السينمائية، يأتي باهتًا والإدانة تكون في عكس الواقعة، فنلاحظ أن النماذج المشار إليها سابقًا، تمثل واقعة الانتهاك الجسدي مجرد حدث يمر عابرًا، في حين يتطور الصراع الدرامي في معزل عن الحدث الذي من المفترض أنه نقطة التحول في حياة البطل، وحتى في فيلم “الثلاثة يحبونها” كانت النتائج تبرر لفعل الانتهاك، حيث الحرية المفرطة التي يدعيها الآخرون علي البطلة هي مبرر أن ينتهك الآخرون جسدها، وتنتهي الأحداث بأن إيمان مستبعدة من أصدقائها، وتخسر الرجل الذي كانت ستتزوجه، وتخسر صديقتها، وتبدو منكسرة، فما هي رسالة الفيلم في تلك اللحظة؟

الرسالة الخفية والمعلنة أيضًا أنك كامرأة إن أردتي أن تُمارسي حريتك بأفعال واضحة وكنت مباشرة أمام الجميع فهذا سيجع سمعتك على المحك، وأنك معرضة للانتهاك وربما الاغتصاب من رجال الدوائر القريبة منك؟

لست مع فكرة تنميط السينما أو توجيه صناع السينما لإعداد أفلامًا توضح الفعل وما ينتج عنه، لكن ما بعد الفيلم نحتاج إلى ندوات توعوية وكتابات تشرح الظواهر، وتكشف عن تناول مثل هذه الوقائع وتأثيراتها المجتمعية، لكن ترك الأمور هكذا دون طرح القضايا للنقاش في نوادي الفيلم أو بين الأصدقاء فإنه يؤصل لاعتياد العقل الباطن مثل تلك النوعية من الانتهاك بحيث تصعب الإدانة المجتمعية، وهو ما نراه من تبريرات يطلقها البعض، يبررون للجاني فعله ويضيفون أعباء على الضحية معتبرينها المسئولة عما جرى لها.