“النطع” الحقيقي لا يحتاج إلى من يعلمه كيف يسئ إلى النساء والفتيات، فهو بالفطرة والسليقة يجيد قمعهن واستغلالهن وابتزازهن، وكأن “النذالة” تقبع في جيناته، أو أنها هرمون يفرزه جسده، أضف إلى ذلك نشأة النطع في مجتمع يتستر على الإساءة للنساء، وتشريعات عاجزة عن إنصافهن، ومنظومة عدالة بمثابة فخ تخشى النساء الاقتراب منه، فهذه هى البيئة الخصبة لنمو “النطع” وترعرعه وتحوله لأيقونة.

والتجربة المصرية في التعاطي مع جريمة التحرش والاغتصاب وجرائم العنف الجنسي بشكل عام الموجه ضد النساء، تجربة فريدة من نوعها  عالميًا، ففي الوقت الذى يتضامن العالم مع الضحايا، ويدين الضحية، ويبدأ الجناة في الاعتراف والاعتذار لإغلاق القضية في أسرع وقت، فأن استراتيجيات المتحرشين والمغتصبين والمتهمين بالعنف في مصر تختلف، لتصل إلى التشهير بمحامية الضحية  ومحاولات النيل منها وتوجيه الاتهام لها!!

وهذا ما حدث مؤخرًا مع الصديقة والزميلة العزيزة عزة سليمان المحامية، التي خاضت مؤخرًا العديد من المعارك القانونية للدفاع عن الناجيات من وقائع عنف جنسي، وهي تواجه الآن حملة تشهير منظمة على وسائل التواصل الاجتماعي، بسبب دفاعها عن إحدى الناجيات من العنف.

فكما تطورت أدوات النساء في مواجهة العنف الجنسي فيما يمكن أن أسميه الثورة على العنف المبني على النوع الاجتماعي، تلك الثورة  التي جاءت لإنهاء الخرس المجتمعي على ما تتعرض له النساء في المجال الخاص والعام من عنف، في المقابل تطورت أدوات الثورة المضادة لبقاء النساء تحت وطأة العنف، ووأد هذه الحركة، فقد اتخذ المتحرشون وأصدقاءهم وداعميهم عددًا من الطرق والوسائل المختلفة في مواجهة النساء، يمكن جمعها ورصدها فيما يمكن أن يطلق عليه “المرشد الأمين في حماية المتحرش والمغتصبين”، فكما سطرت النساء والفتيات ملحمة شرف ونضال في كشف المتحرشين وملاحقتهم، لا يمكن أن نغفل  التضامن الذكوري -شمل ذكورًا وإناث – الذي حاول بكل ما لديه من قسوة وخسة ونطاعة إدانة الناجيات والتشهير  بهن وابتزازهن من أجل أن يفوزوا بصمت الضحايا ومن يساندهم، ومن أجل تخليص المتهمين من المسئولية القانونية والافلات من العقاب.

هذه المجهودات يمكن الإشارة إليها من خلال هذه الاستراتيجيات : 

الانتقام من الناجية (الضحية) بالإيذاء الجسدي.

مثال على ذلك ما تعرضت له “س. ط” التي عرفت إعلاميًا باسم “فتاة المول” إلى جريمة انتقام مروعة من قبل (ه. أ) والذي كان تحرش بها واعتدى عليها بالضرب عام 2015، ما أدى إلى حبسه لمدة أسبوعين في القضية 12501 لسنة 2015، حيث كان الجاني يتتبع الناجية وقام السبت 14 أكتوبر 2017 بضربها في وجهها بسلاح أبيض “كاتر” أثناء خروجها من صيدلية بمصر الجديدة.

وأوضح التقرير الطبي وجود جرح قطعي بالوجه بطول 20 سم طبقًا للناجية، فالجاني كان يحاول ذبحها لكنها التفتت فأحدث جرح في وجهها وفر هاربًا. وتم القبض على الجاني في نفس اليوم وحبسه أربعة أيام على ذمة التحقيق، والجدير بالذكر أن الجاني (ه. أ)  كان أيضًا متهمًا في قضية اغتصاب عام 2001.

محضر قصاد محضر وقضية قصاد قضية (سيب وأنا أسيب) 

“قضية أمام قضية” استراتيجية قديمة يستخدمها المتقاضون في المحاكم المصرية ليتحول المجني عليه إلى متهم، ويتحول الجاني إلى مجني عليه، فتتساوى مواقفهم القانونية، لينتهي المطاف بالتصالح، أو معاقبة الطرفين، تلك هي الاستراتيجية التي يستخدمها المتهمين في قضايا العنف ضد النساء حاليًا للافلات من العقاب أو ترهيب الناجيات من اللجوء إلى العدالة أو إلى الانتقام منهن، جريمة أخرى يرتكبها المتهمين ومحاميهم في قضايا العنف ضد النساء، يشاركهم فيها نظام عدالة يقبل أن يكون لجوء الضحايا إليه محفوفًا بالمخاطر .

وهكذا تواجه الناجيات من “العنف المبني على النوع الاجتماعي” حواجز وتحديات تعيقهن عن الوصول للعدالة، منها غياب الثقة بفاعلية منظومة العدالة، وعدم الوعي بالقوانين ومعرفة الحقوق، وإفلات الجناة من العقاب، واحتمال وقوع الناجيات ضحايا مرة أخرى لهذا العنف، ما يشعر الناجيات بأنه لاحول لهم ولا قوة، وفي بعض السياقات لا يمكن لنظم العدالة أن تلبي احتياجات الناجين. بل أنها في الواقع تتسبب بالمزيد من الضرر لهم أحيانًا، كما قد يواجه الناجون عوائق اقتصادية واجتماعية وثقافية كبيرة تضاف إلى الضغط الاجتماعي الذي يمنعهم من التبليغ عن الحوادث والوصول للخدمات القانونية، خاصة مع غياب البروتوكولات الخاصة بالعنف المبني على النوع الاجتماعي وضعف أو غياب التشريعات التى تحمي الناجيات وتسهل عليهم إثبات وقائع العنف أمام منظومة العدالة.

استغلال السوشيال ميديا في حملة مضادة ضد الناجيات 

على عكس كل ما حدث في العالم بعد انتشار  هشتاج “أنا أيضًا” من تضامن مع الناجيات والضحايا، نجد الآن في مصر حملات مضادة ضد الناجيات ومن يساندوهن بغرض الانتقام منهن!!

بينما حين بدأت موجة هذه الثورة عالميًا لكشف وقائع العنف الجنسي ضد النساء بنشر صحيفة “نيويورك تايمز” ومجلة “النيويوركر” تحقيقيهما الشهيرين، اللذين تضمنا شهادات لممثلات كشفن لأول مرة كيف تحرش بهن أشهر منتجي هوليوود: “هارفي واينستين”.   وتوالت الشهادات للنساء من كل أنحاء العالم. انتفضت حركة “MeeTo”، التي تأسست في 2006.

كانت ردود الأفعال عالميًا في أغلبها جيدة من الرجال فقد بدأ الكاتب الأسترالي “بينجامين لوو” حملة على موقع تويتر باستخدام هاشتاج #كيف_سأتغير (بالإنجليزية: HowIwillchange#) كرد فعل لانتشار هاشتاج “أنا أيضًا” ومشاركة آلاف النساء بتجاربهن مع التحرش الجنسي.

لا للعنف ضد المرأة

وكتب تغريدة، يدعوا فيها الرجال للمشاركة، فكتب: “شباب، لقد جاء دورنا بعد مشاركة آلاف النساء على #أنا_أيضا، بتجاربهن مع العنف والتحرش والاعتداءات الجنسية، اليوم نحن سنقول #كيف_سأتغير، وتجاوب عشرات الآلاف، ومن ضمنهم مئات المشاهير، مع قصص هاشتاغ #MeToo. واستجاب بعض الرجال، مثل كل من الممثل تيري كروز  وجيمس فان دير بيك، والممثل الأمريكي “مارك رافالو”.

إلى الهاشتاج مع تجاربهم الخاصة من المضايقات وإساءة المعاملة الجنسية، في حين رد آخرون بالاعتراف بالسلوكيات السابقة التي ارتكبوها بحق النساء، وانتهز العديد الرجال هذه الفرصة لدعوة الجميع إلى إعادة النظر في طبيعة أفعالهم مع المرأة، وعدم تجاهل جرائم التحرش الجنسي.

الضغط على الضحية بكل الطرق ومنها تبني خطاب أخلاقي في إدانة الضحية

والأمثلة أكثر من الإشارة إليها في حالات إدانة الضحية في ظل وجود أحكام مسبقة على الناجية بإنها أحد أهم الأسباب في وقوع لحظة الإعتداء الجنسي سواء التحرش أو الاغتصاب نتيجة لملابسها أو طبيعة عملها أو ديانتها و غيرها من التبريرات التي تعزز ثقافة التحرش أو الاغتصاب.

اقتحام الحياة الخاصة للضحية وشهود الإثبات والتشهير يمن يساندهم كالمحامين مثلًا او المؤسسات النسوية، وانتهاك خصوصية وسرية البيانات خاصة في الجرائم الإلكترونية. حيث يزداد تعرض النساء لانتهاك خصوصية البيانات عند تحرير المحضر، خاصة لو تعلق المحضر بحالة عنف جنسي إليكتروني.

لكن فى الحقيقة لابد أن أؤكد أن هذه الاستراتيجيات وكل هذه الوسائل في مواجهة ثورة النساء على العنف لن تجدي نفعًا، وستنتصر النساء مهما كانت ندالة ونطاعة الطرف الآخر، وستنتصر قيم العدالة والمساواة مهما تأخرت.