التقدم في العمر يعني لبعض الفتيات والنساء: تجاعيد حول العينين، شعرات بيضاء تغزو الرأس، فرص إنجاب تتراجع وربما فرص زواج تتلاشى بدورها. وللبعض الآخر: اكتمال للأنوثة، وأخذ استراحة محارب من أعباء الأمومة من تربية الأبناء قليلا بعدما كبروا. فرص جدية للسفر بعيدًا عن المسئوليات، والنضج العاطفي وإدراك ما تريده حقًا ووضوح أهدافها، ولكن هل حقَا الخوف من علامات الزمن أو الفرح بالحرية هو فقط ما ستجنيه السيدات المقبلات على الأربعين؟
(1)
مع بداية شهر فبراير الجاري، أرسل لي صديق رابطًا للتسجيل في دورة تدريبية تابعة لمركز كمال أدهم للصحافة التلفزيونية والرقمية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة بالشراكة مع مشروع “فيسبوك للصحافة”. الدورة كانت تنقسم لثلاث مسارات رئيسية تحت مظلة مشروع مؤازة وسائل الإعلام في ظل جائحة كورونا. اخترت من بينها ورشة “برنامج دعم تقنيات اتصال الصحفيين” وكنت متحمسة وأنا أقرأ الشروط وأتصفح جدول الدراسة وأرى كيف سأحقق ذلك مع بقية مسئولياتي كأم وكصحفية تعمل من المنزل. وأتخيل كيف سأوازن بين التفرغ للجدول الزمني وبقية مهامي اليومية، وبدأت في تصفح الشروط للتقدم والتحدث لنفسي: الجنسية: تمام، خبرة لا تقل عن سنة: موجود بل سنين كثيرة، ذو انتماء نقابي: حصل، ممارس للعمل الصحفي بالقطعة: من زمان يا سيدي، مطور محتوى: تمام، السن لا يزيد عن 35 سنة.. نعم! ماذا؟
إحباط عظيم أصابني بعد رؤية هذا الشرط أمام عيني. هل حقًا هذا الشرط هو الذي سيمنعني من تطوير مهاراتي؟ لمجرد أنني تجاوزت الـ35 فلا يحق لي التدريب والتطوير المهني؟. هل يجب أن أتوقف حقًا عن تطوير إمكانياتي والأكتفاء بما لدي وبالتالي سيُكف أصحاب العمل مع مرور الوقت عن الاستعانة بي واعطائي فرص لعدم مواكبتي المهارات الجديدة وسوق العمل وتطوير المحتوى وفنون الكتابة؟ هل حقًا أنا كبرت لهذه الدرجة؟
(فيما بعد تم حذف هذا الشرط، وفي اعتقادي أن الجهة التي كانت وراء الحذف هي شركة فيسبوك للصحافة. التي اعترضت عليه لأن هذا الشرط يخالف أي قواعد خاصة بالعمل واتاحة لفرص بالتساوي امام الجميع).
(2)
“على هذه الأرض ما يستحق الحياة: نهاية أيلول.. سيدة تترك الأربعين بكامل مشمشها”
محمود درويش 1986
(3)
في فيلم “The Intern” / أو المتدرب، كان البطل “بين ويتكير” أو روبرت دي نيرو قد تجاوز الـ70 عامًا وقرر أن يبدأ العمل مجددًا كمتدرب في شركة يُديرها الشباب وترأسها سيدة صغيرة لا تتجاوز أعمارهم جميعًا الثلاثين. بل وهناك من هم دون العشرين، وقرروا أن يوظفوا متدرب مُسن من خلال مسابقة أجروها، مع الوقت بدأ الطرفان في اكتشاف مهارات بعضهم. بدأ هو في تطوير نفسه بالتعرف على كيفية استخدام الوسائط التكنولوجية وطرق التسويق عبر الإنترنت وبدأ يمنحهم خبرته في كيفية التسويق للمناطق الشعبية بدلًا من التركيز على الفئات العليا في المجتمع. فنجح الطرفان، هم استفادوا من خبرته وسنوات عمله وهو عاد مجددًا للعمل وطور من نفسه وأصبح سعيدًا يشعر بأهميته كفرد مُنتج يحتاج إليه العمل الجديد. مع النهاية الرومانسية للفيلم وجدتني ابتسم وأقارن ما حدث مع “بين” ذو السبعين عامًا وبين شرط عدم تجاوز سن الخامسة والثلاثين.
(4)
وفق بيانات بحث القوى العاملة الأخير الصادر عن جهاز التعبئة العامة والأحصاء، بلغت نسبة مساهمة المرأة في قوة العمل 23% من إجمالي قوة العمل في السن بين 15-64 سنة، وهي تمثل ما يقرب من ثلث مساهمة الرجال التي تبلغ 70%، في حين بلغ معدل البطالة 23.6% للإناث مقابل 8.9% للذكور. وتحمل السيدات 8 حقائب وزارية في مجلس الوزراء بنسبة 20% من إجمالي الوزارات، ويضيف أيضًا بيان الجهاز أن ثُلث الأسر المصرية تُعيلها إمراة، ما يعني أن هناك أسر تُشارك المرأة في إعالتها بنسبة ما، وهذا يجعلني اُفكر: كثيرات يترملن أو يهجرهن الزوج أو يتزوج عليهن بأخرى فيتوقف عن الإنفاق أو يُطلقن ويحاولن البدء من جديد والبحث عن عمل أو وظيفة، فلا يجدن سوق العمل يريد إلا حديثات التخرج أو على الأقل فتيات في العشرينات، فما الذي يجب أن تفعله سيدة تجد نفسها مسئولة عن بيت وأطفال وعن نفسها؟
(5)
“زي ما تقول كدة خارجة من الـ39 وداخلة على الـ43 ومش عايزة أدخل”
جواهر- فيلم الناظر- انتاج 2000
(6)
“هوا الستات في الأربعينيات بيضربوهم بالنار زي الخيل لما تعجز؟ كل ما أقول لحد سني يقولي معلش!”
تساءلت سيدة في “بوست” على جروب مغلق للسيدات على “فيسبوك” فجاءت الردود داعمة لها وتؤكد أن بعضهن يتعرضن لنفس التمييز في المعاملة خاصة اجتماعيًا أو في إتاحة فرص العمل، فوجدت أن قلقي من سن الأربعين ليس قلقًا خاصًا بل هو منتشر بين معظم السيدات و في هذه المرحلة العمرية واتطمئننت عندما قرأت التعليقات على هذا المنشور.
تقول (أ. م): “أنا دائما ما أشعر أن السيدة كلما تكبر تحلو وتفهم نفسها أكثر لكن الناس في مجتمعنا تعاملهم صعب وللأسف ده فكر عام بشكل مُحبط بالعكس الحياة بتبتدي بعد الأربعين” وتؤكد ( س. ع) على مشكلة فرص العمل: “المشكلة أن وظائف كثيرة تضع حدًا معينًا للعمل لا يتعدى الـ35، حقيقة أنا لا أفهم السبب وهل قوانين العمل -التي أغلبها لا تُطبق – بها ما يثبت ويؤيد هذه النقطة؟”.
بالنظر للوائح قانون العمل المصري فلم أجد نصًا يُشير إلى تفضيل التوظيف في المرحلة ما قبل الـ35 سنة عكس ما يحدث في الواقع، ويفضله أصحاب العمل في المصانع أو الشركات، ووجدت أن قانون العمل المصري تم تمديد سن المعاش من 60 لـأ65 سنة بهدف استكمال مدة استحقاق المعاش.
(س. س) تقول: “أزمتي ليست مع المجتمع بل في العمل، كل ما أقدم في شغل يُغلق الباب في وجهي لأني تجاوزت الـ35سنة. حدثت معي مرتين لدجة أنني أحسست بأني مُدانة بسبب سني، حتى لما بابا قالي أني مادام تجاوزت الـ35 بدون زواج فهو فضيحة، لم أشعر بالوجع مثلما شعرت به الآن لأني لا أعرف كيف أعول ابنتي وحدي وأنا أم عزباء”.
بينما ترى (أ. س) أنها مفاهيم غريبة بتعكس رجعية وتخلف: “أنا عندي 44 سنة لكنني أضرب بكلامهم عرض الحائط، فيه ناس في عيلتي متضايقة لمجرد تأخري في الزواج ورابطين السعادة بالزواج ومصرين على أن يروني في صورة البنت البائسة التي تكره حياتها مع إن عمري لم أتدخل في حياة أحدهم. وهذا ما جعلني أتحاشى حضور المناسبات الاجتماعية حتى أتحاشى بالتالي كلامهم وتعليقاتهم السخيفة”.
حين نكون في الـ39 نبدأ نراقب أنفسنا أكثر، التغييرات الفيسيولوجية، توقع تغيرات الهرمونات مع انقطاع الطمث، الشعيرات البيضاء التي تزيد، تجاعيد الجبهة الصغيرة وآلام الركبتين في الشتاء، التوعك السريع بعد أي جهد بسيط كصعود سلم المترو، الخوف من تراجع فرص الإنجاب والزواج، نظرة المجتمع وتساؤلات الخالات وزوجات الأعمام “لماذا لم تتزوجي؟ مش هتفرحينا بقى بيكي وتتجوزي” تفادي التجمعات العائلية والمخاوف من رحيل الجمال، لكننا لم نحسب أو نضع في اعتبارنا ونحن نخطو في طريق العمر أن سوق العمل أيضًا له نظرة أخرى- لا تقل قسوة عن نظرة الأقارب- إلا حينما تعدينا الخامسة وثلاثين.. فهل حقا صرنا خيل حكومة يجب أن يُطلق علينا الرصاص لفتح الطريق أمام أخريات أصغر سنًا وأجمل شكلًا؟