متأثرًا بفيروس كورونا، رحل المؤرخ والفقيه القانوني المصري المستشار طارق البشري، اليوم الجمعة، عن عمر ناهز 88 عامًا. وقد تولى منصب نائب رئيس مجلس الدولة حتى العام 1998 ورئاسة لجنة تعديل الدستور عقب ثورة يناير، التي تنبأ بأحداثها في كتاب عن العصيان المدني نشره قبل اندلاعها بـ 5 أعوام.
طارق البشري.. المولد والخلفية القانونية
ولد طارق عبد الفتاح سليم البشري في 1 نوفمبر 1933 في حي الحلمية في القاهرة، لأسرة البشري التي ترجع إلى محلة بشر في مركز شبراخيت في محافظة البحيرة. وقد تخرج في كلية الحقوق بجامعة القاهرة سنة 1953. وعُين في مجلس الدولة، واستمر في العمل به حتى تقاعده سنة 1998 على منصب نائب أول لمجلس الدولة ورئيسًا للجمعية العمومية للفتوى والتشريع.
تتلمذ البشري في كل الحقوق على يد كبار فقهاء القانون والشريعة. من بينهم عبد الوهاب خلاّف وعلي الخفيف ومحمد أبو زهرة، وتخرج فيها سنة 1953.
عرفت أسرة البشري بالاشتغال بالعلوم الإسلامية والقانون. فجده لأبيه تولى مشيخة المالكية في مصر، ووالده المستشار عبد الفتاح البشري كان رئيس محكمة الاستئناف. بينما عمه عبد العزيز البشري الأديب المعروف.
وقد عينه المجلس العسكري الأعلى للقوات المسلحة في مصر يوم 14 فبراير 2011 رئيسًا للجنة تعديل الدستور. ذلك عقب ثورة 25 يناير الشعبية التي أطاحت الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك.
التحول الفكري في حياة طارق البشري
للبشري عدة مؤلفات، منها: الحركة السياسية في مصر 1945-1952 (صدر عام 1972)- الديمقراطية والناصرية (صدر عام 1975) – الديمقراطية ونظام 23 يوليو 1952 (1987) – المسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية (1981) – بين الإسلام والعروبة – منهج النظر في النظم السياسية المعاصرة لبلدان العالم الإسلامي.
عقب هزيمة 1967، تحول البشري إلى الفكر الإسلامي. وكانت مقالته “رحلة التجديد في التشريع الإسلامي” أول ما كتبه في هذا الاتجاه.
البشري وثورة يناير
في 2006، أصدر البشري كتابًا بعنوان “مصر بين العصيان والتفكك”. وكان يرى في هذا الكتاب أن العصيان المدني فعلٌ إيجابي يلتزم عدم العنف. وأنه يقوم على تصميم المحكومين أن “ينزعوا غطاء الشرعية” عن “حاكم فقد شرعيته فعلاً” منذ زمن. فكان كتابه بمثابة تنبأ بأحداث الثورة التي تلت ذلك التاريخ بخمسة أعوام.
البشري أحد من أمنوا بثورة يناير وضروريتها. وكتب عن ذلك بوضوح في كتاب “ثورة 25 يناير والصراع حول السلطة” في 2014، مستعرضًا أحداث الثورة المصرية. ذلك من خلال تعرضه لثلاث قوى سياسية ظهرت عقب أحداثها؛ ضمت القوى الديمقراطية التي أتت بإرادة شعبية حرة. لكنها لم تكن تجيد العمل السياسي والتعامل مع الآخرين في هذا الجانب؛ نظرًا لكونها جماعات دعوية في المقام الأول. وقوى أخرى استبدادية لم تقتنع أبدًا بأي من مبادئ الديمقراطية، ولا تؤمن بضرورة تبادل السلطة وحدوث تغير في القيادات كل فترة دورية. والقوى المسماة ليبرالية، التي لا تملك القدرة على الوصول إلى الحكم. لكنها تلعب دورًا في دعم وصول القوى الأخرى للسلطة أو إبعادها.
للبشري عدة مقالات نشرها بموقع جريدة “الشروق” المصرية، بدأها في العام 2010، تنوعت بين التحليل السياسي للوضع في مصر أعقاب ثورة يناير وما تلاها، والآراء القانونية والاستشارية التي تميزت بالعمق والتحليل والتأصيل القانوني الشديد، وإحكام الصياغة القانونية، كما وصفتها الهيئة العامة للاستعلامات في مصر. وقد شيعت جنازته ظهر اليوم الجمعة من مسجد مصطفى محمود بالمهندسين بمشاركة عدد من مستشاري مجلس الدولة الذي تولى منصب نائب رئيسه حتى العام 1998.