قد يكون الاغتصاب الجريمة الأكثر بشاعة، والأعلي إدانة حول العالم، ولكنها في أفريقيا، هي الجريمة الأكثر انتشارا والأوضح دناءة، لأنها لا تعكس شهوة طارئة ولكنها منهج يتم اللجوء إليه واستخدامه كسلاح إذلال سياسي بين القبائل، أو الفرقاء في النزاعات المسلحة، كما أنه آلية مستخدمة من جانب الجهات الدولية العاملة في ميادين حماية المدنيين عسكريا أو صحيا في قوات حفظ السلام أو في سياقات المنظمات الدولية الصحية، والضحايا في كل الحالات هن النساء في بيئة الصراعات السياسية، أو القبلية.

موسميا، وبمناسبة اليومي العالمي للمرأة يتم الاهتمام بهذه المسألة من جانب الأمم المتحدة، ومنظمة الصحة العالمية، وذلك بالتركيز علي أفريقيا، بينما يكون الاهتمام بها علي مستوي الاتحاد الأفريقي هو الأقل، بينما الظاهرة غير الإنسانية هي إُريقية بامتياز.

صحيح أن ظاهرة الاغتصاب موجودة عالميا وحول القارات، ولكن حجم اتساع الظاهرة في أفريقيا يبدو مرعبا، فطبقا لتقارير منظمة الصحة العالمية عام ٢٠١٥ هناك امرأة يتم اغتصابها كل 90 دقيقة في دولة أفريقية لم تحددها ولكنها في الأغلب هي جنوب أفريقيا التي أعلن رئيسها سيريل رامافوزا مطلع العام الجاري أنها “أزمة وطنية“ وقال إن النساء يتعرضن للاغتصاب والقتل باستمرار، فطبقا للمؤشرات الإحصائية في جنوب أفريقيا، هناك نحو 40 ألف حالة اغتصاب سنويا، ورغم ذلك فهي ليست الأرقام الحقيقية، حيث يعتقد على نطاق واسع أن الأرقام الواقعية تفوق ذلك العدد بكثير، خصوصا وأن الإحصائيات الرسمية تسجل زيادة سنوية لظاهرة الاغتصاب حجمها ٢٥٪ تقريبا.

ومن المتوقع أن تكون إثيوبيا بسبب حربها علي إقليم تيجراي الدولة التي سيتم الاهتمام بإبراز سجلها هذا العام في يوم المرأة العالمي، وذلك بسبب التقارير الواردة من إقليم تيجراي بشأن حالات الاغتصاب التي تم ممارستها بهدف الإذلال السياسي لقومية التيجراي من جانب قومية الأمهرا المتحالفة مع آبي أحمد في حربه غير المبررة ضد أحد قوميات بلاده.

وقد اعترفت كل من وزيرة المرأة الإثيوبية ولجنة حقوق الإنسان الحكومية بهذه الانتهاكات بعد أن تزايدات الضغوط والأدلة الدولية بهذا الشأن، وقالت اللجنة التي عينتها الدولة إنه تم الإبلاغ عن 108 حالات اغتصاب في تيجراي، أي ما يقرب من نصفها في ميكيلي عاصمة المنطقة. وقد حدد بعض الضحايا أن من اعتدى عليهم جنود فيدراليون أو جنود متحالفون مع الجيش الإثيوبي، كما اعترفت اللجنة الحكومية بأن العديد من حالات الاغتصاب لم يتم الإبلاغ عنها، بل وأضافت: «أدت الحرب وتفكيك الإدارة الإقليمية إلى زيادة العنف الجنسي“

ومع اتساع ظاهرة اغتصاب النساء إلى حد مقلق لا يجد رؤساء أفارقة مفرا من الاعتراف بها، فإلي جانب رئيس جنوب أفريقيا أعلن رئيس ليبيريا ولاعب الكرة السابق صاحب الشهرة العالمية جورج ويا “حالة طوارئ وطنية لمواجهة انتشار الاغتصاب، وذلك في نهاية عام ٢٠١٨ .

ولم تكن ليبيريا الدولة الأفريقية الوحيدة التي تعلن الطوارئ بسبب تزايد عمليات الاغتصاب للنساء حيث سبقتها في ذلك سيراليون العام الماضي بعد تفشي ظاهرة العنف الجنسي وزيادة معدلات الاغتصاب عام ٢٠١٩ لتسجل ٤٠٠٠ حالة جديدة مقارنة بالعام الذي سبقه.

ولعل تفاصيل الصورة  الأكثر بشاعة هي ما تشرحها شهادات من منظمة أطباء بلا حدود التي قدمت  الرعاية الطبية والدعم لضحايا العنف الجنسي في مواقع مختلفة في أنحاء جمهورية أفريقيا الوسطى، حيث عالجت فرق أطباء بلا حدود في مستشفى سيكا في بانغي 300 ضحية اغتصاب واعتداء جنسي شهرياً في عام 2018. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، ولكنها فاقته حين أفادت أفادت فرق أطباء بلا حدود أنها عالجت نساء تعرضن للاغتصاب قبل سنوات لكن لم تتوفر لهم الخدمات الطبية المطلوبة.

المؤسف جدا أن نعرف أن الجهات المعنية بحفظ السلام أو تقديم الخدمة الطبية أحيانا ما يتورط بعض منتسبيها في ممارسة اغتصاب النساء أيضا، حيث عرضت القناة الرابعة البريطانية عام ٢٠١٨ من خلال فيلم وثائقي تفاصيل مفزعة عن حالات التحرش ارتكبتها قوات حفظ السلام الأممية في أفريقيا.

نساء القارة السمراء تدفعن فاتورة النزاعات

وأثبت الفيلم أن “الخوذ الزرقاء“ قد ارتكبت عمليات اغتصاب واسعة النطاق ضد النساء والفتيات في أفريقيا الوسطى. واعترفت مواطنة بأنها تعرضت للاغتصاب في عمر 14عاما، مشيرة إلى أن أحد أعضاء قوات حفظ السلام الفرنسي، اقترح عليها ممارسة الجنس مقابل المال، وهي قبلت هذا الاقتراح لأن عائلتها كانت تعاني من الفقر وسوء التغذية.

وطبقا للفيلم أيضا فإن أكثر من 1700 عسكري من قوات حفظ السلام وجهت إليهم اتهامات ارتكاب جرائم جنسية ضد المواطنات الأفريقيات، وللأسف 53 قضية فقط وصلت إلى القضاء.

فضيحة عام ٢٠١٨ ليست الأولي التي تكون فيها البعثات العسكرية الأممية مدانة، إذ شهد عام  2015 أيضا توجيه تهم الاغتصاب للبعثة الأممية وأدى الحادث حينها إلى استقالة رئيس بعثة الأمم المتحدة في عدد من العواصم.

اقرأ أيضا:

“ملاك بوكافو”.. مداوي ضحايا الاغتصاب والعنف بالكونغو

ويمكن القول إن انتباه الأمم المتحدة وتركيزها علي جرائم العنف الجنسي في أفريقيا بدأ قبل عقد تقريبا، حينما اعترف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حينذاك أن جريمة الاغتصاب يتم ممارستها كسلاح في الحروب الصراعات المسلحة والمواجهات القبلية، وذلك بصورة وحشية مثله مثل السلاح التقليدي.

ودعا مجلس الأمن إلى تشكيل لجنة تحقيق مستقلة للتحقيق في مثل هذه الحوادث في النزاعات التي كانت ماثلة وقتها مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية وتشاد والسودان.

وبطبيعة الحال تأكيدات الأمم المتحدة بأن أطراف الصراع المسلح تمارس وتستخدم العنف الجنسي كجزء من الاستراتيجية العسكرية والسياسية للقتال، يشير إلى مدى صعوبة الأوضاع للنساء في أفريقيا، وطبيعة الانتهاكات التي تمارس ضدهن، خصوصا وأن هذه التأكيدات هي نتيجة تقارير ميدانية وشهادات واقعية للمنظمة الأممية، وهي الوثائق التي تشير أيضا إلى أن المسؤوليين عن هذه الانتهاكات غالبا ما يفلتون من العقاب.

اهتمام الأمم المتحدة بقضايا الاغتصاب والعنف الجنسي لانجد له مثيل لدي الاتحاد الإفريقي للأسف، حيث إن إهتمامه بفضح هذه الممارسات يجئ أقل بما لا يقارن مع الجهود الدولية سواء من الأمم المتحدة أو غيرها من المنظمات الدولية على الرغم من أن هذه الجريمة تقع على أراض وفي دول أفريقية، وهي الجريمة الأكثر انتهاكا للنساء بسبب اتساع حجم الصراعات المسلحة في أفريقيا من جهة، وتضمين الاغتصاب كجزء من الاستراتيجيات العسكرية من جهة أخرى.

في هذا السياق، أجد ضرورة للاتحاد الأفريقي أن يقوم بمجهود واقعي يؤطر لاستراتيجيات مواجهة تدعم النساء الأفريقيات، فنحن في أشد الحاجة إلى وضع استجابة متعددة الأوجه لمكافحة هذه الآفة، وتشكيل فرق للنهوض بحقوق النساء والمساواة بين الجنسين وتحسين سبل المراقبة والتحقيق لتخطي العوائق التي تواجه الإبلاغ عن العنف الجنسي، خصوصا وأن برتوكول الاتحاد الصادر عام ٢٠٠٧ لم يعد كافيا لمواجهة هذه القضايا التي تتطلب آليات مغايرة لتلك المعمول بها حاليا، كما أن آلية مراجعة النظراء التي تعتمد عليها مفوضية الاتحاد الأفريقي لمراقبة مدى استجابة الدول لشروط الحوكمة والحكم الرشيد لا تهتم إلا بقضايا تمكين النساء، وهي القضايا الموجهة لفئات اجتماعية نسوية أعلي في التراتبية من  اللاتي يواجهن العنف الجنسي في الحقول ومواقع القتال، فهؤلاء النسوة الفقيرات والمهمشات مطلوب حمايتهن من الانتهاكات الجسيمة.

ولعلي في النهاية لا أجد مفرا من المطالبة بضرورة تعيين الاتحاد لمسؤول رفيع المستوى ليكون معنيا بقضايا العنف الجنسي، حيث لا يفلت مرتكبوها من العقاب، حتى ولو كانوا يحكمون أو يملكون مواقع استثنائية في بلدانهم.

 

 

 

 

 

 

 

 

.