بعد توقف 5 سنوات منذ سقوط الطائرة الروسية بسيناء 31 أكتوبر 2015، تستعد السلطات في البلدين لاستئناف الطيران الروسي إلى منتجعات مصر في 28 مارس المقبل. بعدما وافقت سلطة الطيران المصرية، لشركة نورد ويلد الروسية، على القيام بـ4 رحلات أسبوعية بواقع رحلتين إلى الغردقة ورحلتين لشرم الشيخ. بعد موافقة السلطات الروسية، على عودة السياحة الى شرم الشيخ والغردقة.

قرار عودة رحلات الطيران الروسية إلى شرم الشيخ والغردقة، من شأنه أن يُعيد لتلك المدن الساحلية بريقها من حيث نسب الإشغال السياحي. لكن ماذا فعلت مصر لإقناع الجانب الروسي باستئناف رحلاته؟ وماذا عن خسائر السياحية المصرية طيلة السنوات الخمس الماضية؟

سقوط الطائرة الروسية ليس الحادث الأول خلال الألفية الحالية، ففي عام 2004 سقطت طائرة الرحلة 604، التابعة لشركة “فلاش أيرلاينز” المصرية الخاصة في البحر الأحمر. بينما كانت في طريقها إلى مطار “شارل ديجول” بالعاصمة الفرنسية باريس، وكانت الطائرة من طراز “بوينج 737، وأدى سقوطها إلى مصرع جميع ركباها وعددهم 139 راكبًا، إضافة إلى طاقم من ستة أفراد.

تحطم الطائرة الروسية بسيناء وتوقف الطيران في 2015

في أكتوبر 2015 توقفت الرحلات الروسية إلى المقصدين السياحيين الشهيرين شرم الشيخ والغردقة، عقب تحطم طائرة الركاب الروسية في سيناء. ما أودي بحياة 224 شخصًا على الفور، من بينهم 138 إمرأة و17 طفلاً، لأسباب أرجعها البعض آنذاك نتيجة بعض القصور في تأمين المطارات. الأمر الذي دفع روسيا لإرسال وفود عدة للتفتيش على الإجراءات الأمنية المتبعة في تأمين مطاري شرم الشيخ والغردقة قبل استئناف السفر إليهما.

الطائرة المنكوبة سقطت قرب مدينة العريش بعدما اختفت من على شاشات الرادار بعد 23 دقيقة من إقلاعها من مطار شرم الشيخ الدولي. وقالت مصادر طبية وأمنية آنذاك إن الطائرة سقطت بطريقة عمودية ما أدى إلى احتراق أجزاء منها وانتشار الجثث والأشلاء على مساحة تصل حوالي 5 كيلو مترات. وانقسمت الطائرة إلى جزأين أحدهما صغير من نهاية الطائرة تعرض للاحتراق والآخر كبير اصطدم بصخرة.

السفارة الروسية بالقاهرة من جهتها أعلنت حينها أنه لا ناجين في حادثة تحطم الطائرة الروسية، واستبعدت شركة الطيران الروسية الخطأ البشري في الكارثة. ونقلت وكالتا “نوفوستي” و”إنترفاكس” عن المتحدثة باسم الشركة قولها إن الطيار لديه خبرة تصل إلى 12 ألف ساعة طيران وإن الطائرة خضعت لكل إجراءات الصيانة.

وفي 6 نوفمبر قرر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تعليق الرحلات الجوية إلى مصر، بعد توصية من جهاز الأمن الفيدرالي الروسي. وقررت عديد من خطوط الطيران الأجنبية، ضمنها الخطوط البريطانية، أيضًا توقيف رحلاتها إلى مصر إلى أجل غير مسمى آنذاك.

خسائر مصر وانهيار السياحة

قطاع السياحة من أهم مصادر العملة الأجنبية بالنسبة لمصر، والذي تعتمد عليه الحكومة لتوفير جزء من ميزانيتها السنوية. إضافة إلى تقديمه فرص عمل لآلاف المصريين. كذلك على الصناعات المغذية التي يعتمد عليها قطاع السياحة، مثل الصناعات الغذائية والحرف اليدوية والمفروشات والنقل. لذا تسبب توقف الطيران الروسي إلى مصر في خسائر فادحة نتيجة إغلاق غالبية الفنادق بشرم الشيخ والغردقة.

نهاية يناير 2016 وبالتحديد عقب وقوع الحادث بشهرين، أكد محافظ جنوب سيناء اللواء خالد فودة، أن إجمالي خسائر شرم الشيخ والغردقة منذ أول نوفمبر 2015 بلغت نحو 6 مليارات جنيه. مع تضرر باقي مشروعات السياحة على مستوى الجمهورية جراء حادث سقوط طائرة الركاب الروسية.

الخسائر وصلت إلى ملياري جنيه شهريًا في شرم الشيخ والغردقة بعد وقوع الحادث مباشرة وإغلاق أكثر من 40 فندقًا في شرم الشيخ -وفق محافظ جنوب سيناء-، وتسبتت تلك الخسائر في تأثر الاقتصاد المصري ومصادر الدخل القومي نتيجة تراجع العملة الصعبة الواردة إلى الدولة.

اقرأ أيضًا.. فتح السماوات المغلقة.. مصر تستعد لاستئناف الطيران و”إياتا” يضع خطة عالمية

تراجع الإشغال السياحي لـ 18%

لم تؤثر الطائرة المنكوبة على السائح الروسي فقط، بل تأثر بها عدد كبير من السائحين القادمين من أوروبا إلى المدن الساحلية المصرية. حيث تراجعت نسب إشغال الفنادق في شرم الشيخ بعد الحادث مباشرة لنحو 18%، بعدما كانت تراوح بين 80 : 90% خلال أشهر الصيف. وهو ما أكده محافظ جنوب سيناء في مؤتمر بشرم الشيخ بعد الحادث.

التأثر الذي شهدته السياحة المصرية طيلة السنوات الخمس الماضية، دفع الدولة لتنفيذ جميع ملاحظات روسيا وبريطانيا بخصوص الأمن في مطار شرم الشيخ. في محاولة لإقناع الجانب الروسي باستئناف الرحلات الجوية إلى المدن السياحية الساحلية. واستعادة نسب الإشغال كما كانت، خاصة بعدما زاد تأثر القطاع بسبب إجراءات فيروس كورونا.

الطائرة الروسية في شرم الشيخ

حجم السياحة الروسية

السياحة الروسية والبريطانية كانت تساهم بنحو 35 ألف سائح أسبوعيًا قبل أزمة الطائرة الروسية وفق محافظ البحر الأحمر. وبالتالي لن تستطيع مصر تعويض هذا النقص إلا بعد عودة السياحة والطيران الروسي بمعدلات قبل حادث 2015.

توقف رحلات روسيا تسبب أيضًا في تراجع استقبال شرم الشيخ من السياح إلى نحو عشرة آلاف سائح أسبوعيًا من بينهم خمسة آلاف من أوكرانيا. وما بين ألف و1500 من السياح العرب بالإضافة إلى السياح المصريين.

جملة السياح الروس الذين زاروا مصر منذ عام 2010 وحتى سقوط الطائرة الروسية في 2015 على شبه جزيرة سيناء. بلغ أكثر من 14 مليون سائحًا وفق رئيس “جمعية مسافرون” للسياحة والسفر الدكتور عاطف عبداللطيف.

وبحسب الإحصائيات المتوافرة ففي عام 2011 بلغ عدد السياح الروس الذين زاروا مصر مليونًا و340 ألف سائحًا، وفي 2012 بلغ مليون و900 ألف سائحًا. وفي 2013 بلغ 2.5 مليون سائحًا، وفي 2014 بلغ 3,138,958 مليون سائح. وهذا أعلى من رقم الذروة في 2010، وفي 2015 بلغ 2 مليون و340 ألف سائحًا تقريبًا. أما في 2010 وهو عام الذروة السياحية في مصر بلغ عدد السياح الروس حوالي 2.8 مليون سائحًا روسيًا زاروا مصر. ما يؤكد أن السياحة الروسية تحتل المرتبة رقم واحد في عدد السياحة الوافدة لمصر.

ماذا فعلت مصر؟

منذ سقوط الطائرة الروسية وحتى الآن زار المطارات المصرية سواء مطار القاهرة أو مطاري شرم الشيخ والغردقة حوالي 15 وفدًا أمنيًا. للوقوف على الإجراءات والتشديدات الأمنية الجديدة المتبعة بمطارات المدن السياحية الساحلية.

الوفود الروسية المتتالية دفعت السلطات المصرية إلى اتباع أعلى معايير التأمين داخل المطارات والتي يتم تطبيقها وفقًا لمنظمات الدولية. كما تم تحديث المنظومة الأمنية داخل المطارات بشكل كامل.

طيلة السنوات الماضية اجتازت المطارات العديد من التفتيشات الأوروبية والأمريكية. حتى استأنفت العديد من شركات الطيران رحلاتها إلى المطارات المصرية. وتم تسيير خطوط جوية جديدة إلى مختلف المطارات بعد توقف بسبب جائحة كورونا.

وفي 9 يناير الماضي أعلن المجلس الدولي للمطارات لإقليم أفريقيا، عن قائمة المطارات الـ 21 المعتمدة صحيًا في القارة السمراء. وجاء مطار شرم الشيخ الدولي في صدارة تلك المطارات ضمن برنامج الاعتماد الصحي للمطارات AHA الذي أطلقه المجلس الدولي للمطارات من أجل سفر آمن في ظل جائحة كورونا. كما حصل مطار الغردقة الدولي في 15 يناير، على شهادة الاعتماد الصحي للسفر الآمن.

مصادر بالطيران المدني كشفت لـ”مصر 360″، أن الوفود الأمنية الروسية أشادت بالإجراءات الأمنية التي بات يتم اتباعها مؤخرًا بمختلف المطارات. وبالأخص بمطاري شرم الشيخ والغردقة. خاصة بعدما اتبعت السلطات المصرية إجراءات أمنية صارمة داخل صالات السفر والوصول وإجراءات تأمين الحقائب والمسافرين، والإجراءات الاحترازية التي تتبعها سلطات الطيران لحماية المسافرين.

المصادر لفتت أيضًا بتفتيشات الوفود الروسية على الركاب والحقائب ومتابعة عمليات التأمين المختلفة، ومراقبة أسوار مطارات المدن السياحية الغردقة وشرم الشيخ. كما تطرقت إلى ما قامت به الدولة من تطوير شاكل في أنظمة المراقبة والكاميرات، وتأمين مهبط الطائرات والإجراءات الأمنية داخل مقرات المحطات. ومن ثم باتت المطارات المصرية تضاهي نظيراتها العالمية من حيث الأمن والسلامة الجوية، ووجود أحدث أجهزة التفتيش.

اقرأ أيضًا.. وسط حذر وتباعد.. أنظار العالم تترقب عودة رحلات الطيران

تفتيش المطارات ووعود زائفة لأسباب سياسية

خلال السنوات الماضية أعلنت روسيا أكثر من مرَّة قرب عودة السياحة إلى شرم الشيخ والغردقة. خاصة بعد إرسال وفود من خبراء قطاع الطيران الروس للاطمئنان على سلامة الطيران المصري. إلا أن الأمر بقي عالقًا دون تحديد أسباب.

آخر تلك الوفود كان مطلع فبراير الجاري، إذ زار وفد روسي أمني القاهرة لمدة أسبوع، لتفتيش مطاري شرم الشيخ والغردقة. بهدف استئناف الرحلات الجوية إلى المطارات المصرية.

نقيب السياحيين باسم حلقة، علق على تعليق الطيران الروسي إلى شرم الشيخ والغردقة طيلة السنوات الماضية. بأنه لا توجد أسباب واضحة لدى الجانب الروسي لعدم عودة السياحة. وأن الأمر لا علاقة له بأمن المطارات، وأن هناك “أسباب سياسية” وراء استمرار تعليق الرحلات الروسية يقول لـ “مصر 360”.

السلطات المصرية نفذت جميع المطالب الروسية التي تخص أمن مطاراتها، حتى أنه لم يعد هناك جديدًا كي تقدمه مصر في هذا الشأن. بعدما اتبعت السلطات المصرية أقصى عوامل التأمين المتبعة بالمطارات الدولية.

عودة الطيران بـ 4 رحلات أسبوعية

في خطوة مهمة لاستعادة جزء من عافية السياحة المصرية، التي تضررت بقوة بفعل جائحة كورونا وما أحدثته من توقف شبه كامل للسياحة والطيران عبر العالم. باتت مصر على مقربة من استعادة استقبال الطيران الروسي بالمدن السياحية الساحلية لتعويض جزء من خسائر السنوات الماضية.

رئيس سلطة الطيران المدني المصرية أشرف نوير، أكد أن سلطة الطيران المدني المصرية وافقت لشركة نورد ويند الروسية، على القيام بأربع رحلات أسبوعيًا. بواقع رحلتين إلى الغردقة ورحلتين إلى شرم الشيخ. بعد موافقة السلطات الروسية على عودة السياحة إلى شرم الشيخ والغردقة التي توقفت منذ حادث سقوط الطائرة الروسية”.

نوير أضاف في بيان له، أن القرار الروسي جاء بعد قيام وفد روسي مكون من 17 فردًا من مفتشي الأمن بوزارة النقل الروسية بجولة تفتيشية استغرقت أسبوعا على مطاري شرم الشيخ والغردقة.

اقرأ أيضًا.. شركات الطيران.. إجراءات وقائية في مواجهة إلحاح العودة للسماء

هل تعود السياحة إلى سابق عهدها؟

عضو لجنة السياحة والطيران بالبرلمان السابق النائب أحمد إدريس، يقول لـ “مصر 360″، إن العام الجاري 2021 سيشهد عودة السياحة إلى سابق عهدها مع بداية ظهور الطيران الروسي بشرم الشيخ والغردقة من جديد.

أضاف إدريس أن جملة السياحة الروسية تسيطر على الغالبية العظمى من السياحة الوافدة إلى مصر منذ بداية الألفية الحالية. وبالتالي استئناف الطيران الروسي من شأنه أن يُعيد مصر إلى خريطة اهتمامات السائح الأوروبي من جديد.

على النقيض كشفت غادة شلبي نائب وزير السياحة والآثار لشؤون السياحة، توقعاتها بشأن عودة السياحة لمصر في ظل وباء كورونا. موضحة أن مصر لن تعود لأرقام عام 2019 في العام الجاري 2021 نتيجة استمرار وباء كورونا.

وأضافت شلبي أنه ليس من المنتظر أن يكون هناك سياحة في مصر أوائل 2021. متابعة: “لحد ما اللقاحات تشتغل وتتوزع على الناس وتبدأ حركة السفر ترجع. مش معقولة أن تعود الأرقام لعام 2019 في عام 2021.. هذا أمر مستبعد”.

وتابعت شلبي: “أتصور عودة السياحة بقوة خلال النصف الثاني من عام 2022 بحيث تكون الانطلاقة الحقيقية لعودة المعدلات الطبيعية لمصر بداية من موسم الصيف، بعد ظهور مفعول اللقاحات واعتدال الجو العام، بالإضافة إلى بدء دول أوروبا في تسيير رحلاتها خلال موسم الصيف، ونتوقع أن تكون المعدلات أعلى من عام 2020”.