“يزداد الفقر المدقع في جميع أنحاء العالم” هذا ما كشف عنه تقرير البنك الدولي عبر مدونته قبل 7 أيام. بينما أشار فيما يتعلق بحالة الشمول الاقتصادي إلى مسارات لخروج أفقر الفئات وأكثرها حرمانًا من دائرة العوز. وذلك في الوقت الذي يواجه فيه العالم جائحة كورونا.

أضاف التقرير أنه “للمرة الأولى منذ عقدين من الزمن، يزداد الفقر المدقع في جميع أنحاء العالم”. حيث تهدد جائحة فيروس كورونا بتقويض سنوات من التقدم الذي تحقق بشق الأنفس.

ويقدر البنك الدولي أن التداعيات الاقتصادية الناجمة عن هذه الجائحة قد تضيف نحو 150 مليون شخص إلى الذين يعانون فقرًا مدقعًا بحلول عام 2021. فيما قد تلحق أضرارًا شديدة بالنساء والأطفال والنازحين وذوي الإعاقة. وفي حين تسعى الحكومات وشركاء التنمية على وجه السرعة إلى عكس مسار هذا الاتجاه ومساعدة الأشد فقرًا، تظهر أدلة متنامية على أن التدخلات المنسقة للشمول الاقتصادي يمكن أن توفر مسارًا مهمًا للخروج من دائرة الفقر المدقع.

وفي مصر وقبل الجائحة وصل معدل الفقر إلى ما يتجاوز 29%. فيما تشير الأرقام الرسمية إلى أن الوباء تسبب في تسرب الأطفال من التعليم الثانوي. فضلاً عن زيادة نسبة عمالة الأطفال، والعمل غير الرسمي.

ركائز أساسية للسيطرة على نسب الفقر

تعد تدابير الحماية الاجتماعية، بما في ذلك التحويلات النقدية، ركائز أساسية لبرامج مكافحة الفقر. وفي حين أن لدى هذه التدابير القدرة على تعزيز الأصول والصمود لأشد الناس فقرًا، فإنها غير كافية لمعالجة القيود المتعددة المحتملة التي تحول دون خروج أشد الفئات فقرًا وأكثرها ضعفًا من دائرة العوز، وفقًا لتقرير البنك الدولي.

التقرير يفصل القيود فيذكر منها نقص التعليم والتدريب وعدم كفاية فرص العمل وعدم وجود أصول وعدم القدرة على الوصول إلى الأسواق والتمويل.

في تقرير سابق، توقع برنامج الأغذية العالمي أن تدفع جائحة كورونا 96 مليون شخص في البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية إلى شفير انعدام الأمن الغذائي الحاد بنهاية عام 2020. خاصةً في بلدان بأفريقيا ودول في آيا مثل اليمن.

ضرورة بناء موارد للرزق لمواجهة تضخم الفقر

لمواجهة هذا التحدي، يبحث تقرير حالة الشمول الاقتصادي 2021 في الكيفية التي تُمكن الحكومات أن تبني على الاستثمارات الأساسية. بما في ذلك الحماية الاجتماعية، وموارد الرزق وفرص العمل، والشمول المالي، لتحسين الفرص المتاحة للفقراء.

ويتضمن التقرير، الذي نشرته الشراكة من أجل الشمول الاقتصادي، في تعاون فريد بين حكومات وطنية والبنك الدولي ومجموعة واسعة من أصحاب المصلحة في مجال التنمية، تقييمًا للجهود العالمية الرامية إلى تعزيز تدخلات تستهدف الشمول الاقتصادي لصالح أشد الناس فقراً. كما يشير إلى ضرورة التركيز على بناء موارد الرزق وفرص العمل.

ويخلص التقرير، بعد دراسة مسحية شملت 219 برنامجًا تغطي 92 مليون فرد في 75 بلدًا، إلى وجود أدلة على أن هذه التدخلات يمكن أن تزود شرائح سكانية غالبًا ما تتخلف عن الركب بنقطة انطلاق من دائرة الفقر إلى سُبل عيش مستدامة.

مبادرات لمواجهة الفقر

يلفت التقرير إلى أهمية مبادرات الشمول الاقتصادي، التي تقودها الحكومات أو المنظمات غير الحكومية، من حيث نطاقها ومخاطبتها مختلف الفئات المستهدفة من السكان. وهي تستهدف التدخلات، التي تُستمد جذورها من المجتمعات المحلية، وتؤكد على أن تكون الشراكة مرنة كي تلبي الاحتياجات المحلية وتتطور مع ظهور تحديات جديدة مثل جائحة كورونا أو التأثير المتزايد لتغير المناخ.

وسواء استهدفت هذه الأسر التي ترأسها نساء في النيجر، أو السكان النازحين في أفغانستان، أو مجموعة من السكان الأصليين في بيرو، فإنها تشترك في نهج متعدد الجوانب يجمع بين عدة أنواع من التدابير الرامية إلى مكافحة الفقر. وهي المنح النقدية والتدريب والتوجيه والوصول إلى الأسواق والخدمات. ذلك لتعظيم تأثيرها وتحويل حياة الناس الذين يواجهون الفقر المدقع.

كما تلعب برامج الشمول الاقتصادي دورًا حاسمًا في البحث عن المزيد من فرص العمل الأفضل والشاملة للجميع. وهي محور التركيز الرئيسي لمجموعة البنك الدولي، وبحسب التقرير.

آثار خطيرة

في حين أن آثار جائحة كورونا بعيدة المدى، فإنها تقع بشكل غير متناسب على أشد الناس فقرًا. ما يعمق من شراك الفقر ويزيد من حدة أوجه الضعف. وعلى مستوى القطاع العائلي، فإن الآثار تتجلى على الفور في ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتراجع فرص مدرة للدخل، والصدمات الصحية التي لا يمكن تغيير نتائجها.

كان تقرير سابق للبنك أشار إلى انعدام الأمن الغذائي بشكل حاد في البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة. وأفاد أن ما متوسطه 51% من الأسر المعيشية في البلدان المؤهلة، تتضمن شخصًا بالغًا استغنى عن تناول وجبة واحدة على الأقل بسبب نقص الموارد خلال العام الماضي. ذلك مقارنة بنحو 34% من الأسر المعيشية في البلدان الأخرى غير المؤهلة.

وعلى الرغم من أن هذا الحرمان لا يمكن أن يُعزى بالكامل إلى جائحة كورونا. كما أن انخفاض الأمن الغذائي في بلدان العالم الأشد فقرًا أثناء تفشي أي جائحة هو في حد ذاته سبب للقلق الشديد، وفقًا للتقرير.

ما العمل؟

يذكر التقرير 3 مجالات لتغيير الوضع القائم منها: الحصول على فرص مدرة للدخل. إذ أن الفقراء شديدي الفقر، عندما يعملون، فإنهم عادةً ما يشغلون وظائف في القطاع غير الرسمي والأقل إنتاجية. حيث الأجور منخفضة ولا وجود للتأمين الاجتماعي.

ومن خلال الجمع بين التدريب على المهارات والحصول على التمويل والتكنولوجيا والبنية التحتية، والأهم من ذلك، الوصول إلى الأسواق والشبكات الاجتماعية، يمكن لبرامج الشمول الاقتصادي أن تساعد المشاركين على العثور على فرص عمل مستدامة أو بناء موارد رزق من خلال العمل الحر وريادة الأعمال الصغرى.

ففي بيرو، نجح برنامج هاكو ويناي في ربط أفقر الناس بالأسواق المحلية من خلال التعاون القوي مع مؤسسات الحماية الاجتماعية والمؤسسات الزراعية، فيما أتاح ذلك للأسر الريفية الاستثمار في أصول إنتاجية، مما أدى إلى زيادة دخل الأسرة بنسبة 8% تقريبًا.

ثاني المجالات هو التمكين الاقتصادي للمرأة؛ وذلك بضمان حصول المرأة على مزيد من الاستقلالية في مجال الولاية على النفس والاستقلال المالي هو أمر أساسي للحد من الفقر.

ويلفت التقرير إلى أن نحو 90% من البرامج التي شملها التقرير تركز على المرأة. ما يعكس زيادة الإدراك أنه عندما تعمل المرأة، يكون هناك تأثير إيجابي وتحوّلي على الأفراد والمجتمع المحلي.

في زامبيا، يمول البنك الدولي عنصر دعم موارد الرزق للنساء في مشروع تعليم الفتيات وتمكين النساء. وهو المشروع الذي زود 75 ألف امرأة فقيرة بالتدريب على مهارات الحياة والأعمال التجارية، والتوجيه، والدعم لتشكيل مجموعات الادخار.

فرص للشباب

كثيرًا ما يكافح الشباب من أفقر الأسر من أجل إيجاد فرص عمل مناسبة، ولا سيما في المناطق الحضرية.

يرجع التقرير ذلك إلى أنهم يفتقرون في كثير من الأحيان إلى المهارات أو المعارف أو الشبكات الاجتماعية لتحويل تعليمهم لوظائف جيدة. ونظرًا لارتفاع مستويات البطالة الجزئية بين الشباب وصعوبة الحصول على الوظائف الرسمية، يمكن لبرامج الشمول الاقتصادي أن توفر فرص العمل الحر وتنمية المشروعات الصغيرة.

ففي أوغندا، على سبيل المثال، تلقت مجموعات من الشباب تمويلاً للتدريب الفني والمهني من خلال برنامج فرص الشباب. وقد وفر ذلك أيضًا أدوات ومواد للمهن التي يختارونها.

وبعد مرور أربع سنوات على البرنامج، كان الشباب المشاركون أكثر عرضة بنسبة 65% لممارسة تجارة ماهرة. مثل النجارة أو الخياطة أو تصفيف الشعر. وسجل 38% منهم زيادة في الدخل، في حين زادت الأصول التجارية بنسبة 57%.