يبدو أن أسطورة عملاق التواصل الاجتماعي “فيسبوك” شارفت على الانتهاء، في ظل شكاوى مستخدميه المتكررة من غياب الخصوصية وتسليع خدماته، فضلا عن ظهور تطبيقات جديدة في السنوات الأخيرة قد تسحب البساط من تحت أقدم العملاق الأزرق.
وخلال السنوات الماضية، استحوذ فيسبوك على اهتمام الملايين إلا أن انتهاجه أخلاقيات تضر بالصالح العام والخصوصية وتحول المستخدم إلى سلعة للبيع، فضلا عن جمعه مئات الملايين من أصحاب الشركات والمؤسسات من أجل نشر محتوياتهم عبر منصته، وضعه في مرمى النيران.
وفي ضربة جديدة من شأنها أن تضعف هيمنة الفيسبوك على الأرباح بشكل كامل، أصدرت محكمة أمريكية، حكما نافذا يلزم شركة فيسبوك 650 مليون دولار على خلفية النزاع القانوني حول الخصوصية التي تم انتهاكها من قبل فيسبوك بحق نحو 1.6 مليون مستخدم في ولاية إلينوي الأمريكية.
قبل 6 أعوام، رفعت دعاوي قضائية من قبل 1.6 مليون مستخدم على خلفية لجوء فيسبوك إلى انتهاك فيسبوك لخصوصية المستخدمين من اجل تحقيق مكاسب مالية.
وحملت الدعوى القضائية اتهاما إلى موقع التواصل الاجتماعي الأزرق بأنه يعمل على جمع بيانات عن المستخدمين عن طريق التعرف على الوجوه وهو ما يعد انتهاك للقانون الأمريكية.
بعد أن استمر الصراع بين الطرفين لست سنوات، أبدى مارك وكربيرج استعداده لدفع مبلغ مالي يصل إلى 550 مليون دولار، إلا أنه خلال السنوات الست الماضية زاد عدد الأفراد الذين تم انتهاك خصوصيتهم لتتحول إلى دعوى جماعية وعلى آثره فضل القاضي أن يتم زيادة المبلغ المقدم ليصل إلى 650 مليون دولار.
يذكر أن العملاق الازرق أعلنت في وقت سابق بالتحديد عام 2019، أن ميزة التعرف على الوجه اختيارية فقط، إلا أن ما حدث وتم رصده أظهر أن الأمر لم يكن اختياريا وأنه تم التحايل على المستخدمين من أجل تجميع بياناتهم واستغلالها في الترويج للمنتجات التي يتم الإعلان عنها عبر فيسبوك.
أستراليا تقتنص المكاسب
لم تكن محاولة مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي الاستفادة من المكاسب الهائلة التي يحصل عليها فيسبوك هي الأولى من نوعها، إذ إن شيئا ما حدث في استراليا حول الحلم إلى حقيقة وأعطى درسا لباق الدول عن مدى قوتها تجاه فيسبوك.
نجحت الحكومة الأسترالية في إجبار عمالقة التكنولوجيا (فيسبوك، وجوجل)، على ضرورة دفع مقابل مادي إلى المؤسسات الإعلامية المحلية مقابل نشر الأخبار والمحتوى الإعلامي عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
يمكن وصف تلك الخطوة بالتاريخية، إذ نجحت الحكومة الأسترالية في دفع جوجل وفيسبوك إلى منح مقابل مادي للمؤسسات الإعلامية التي عانت خلال الفترة الماضية الأمرين واضطرت إلى تسريح المئات من الموظفين لعدم وجود دخل مالي كاف والاكتفاء بنشر المحتوى الإخباري على فيسبوك وجوجل.
حسب دراسة أسترالية، أجريت عام 2019، أن قرابة الـ 3000 وظيفة صحفية في أستراليا في السنوات العشر الماضية تبخرت وأصبحت غير موجودة وهو ما وصل تأثيسره إلى فقدان العديد من المواطنين لوظائفهم، حيث عمدت شركات الإعلام التقليدية إلى دفع عائدات الإعلانات إلى جوجل وفيسبوك لنشر الأخبار والمحتوى الإعلامي.
ويعد هذا القانون هو الأول من نوعه في العالم، حيث يتم إجبار عمالقة التكنولوجيا إلى تقاسم أرباحها مع المؤسسات الإعلانية.
ظهور منافسين لفيسبوك
لسنوات استطاع فيسبوك أن يبقى على القمة دون أن ينافسه أحد، على الرغم من ظهور العديد من تطبيقات التواصل الاجتماعي المختلفة إلا أن أحدا لم يسحب البساط من تحت أقدام الفيسبوك.
لكن خلال الفترة الماضية ظهر عدد من التطبيقات التي تسببت في تحريك الأرض الثابتة التي يقف عليها فيسبوك ومجموعته للتواصل الاجتماعي.
البداية كانت لدى تطبيق سجنل، في نهايات عام 2020 أعلن تطبيق واتساب إجرائه تحديثات من شأنها أن تنفي الخصوصية والتشفير عن تطبيق واتساب وهو ما أثار استياء ملايين المستخدمين.
وأعرب العديد من مستخدمي واتساب، أن مارك زوكربيرج يسعى إلى الهيمنة على عالم التكنولوجيا بشكل منفرد، ولا يضع بالا للخصوصية ولا يشغل باله سوى تحقيق الأرباح وتحويل المستخدمين إلى سلع صالحة للبيع.
في ظل الثورة على فيسبوك وواتساب، أعلن عدد من كبار رواد التكنولوجيا حول العالم وعلى رأسهم إيلون ماسك، اتجاههم إلى استخدام تطبيق سيجنال بدلا من واتساب.
على الفور، تلقف الآلاف تغريدة إيلون ماسك وعمدوا إلى هجر واتساب والاعتماد على تطبيق سيجنال لما يضمن من خصوصية وتشفير الرسائل وعدم اطلاع أي أطراف أخرى على المحادثة.
تراجعت فيسبوك الشركة المالكة لواتساب عن التحديث مؤكدة عدم سعيها إلى اختراق خصوصية المستخدمين إلا أن الأمر كان قد حدث بالفعل وهجر عدد من المستخدمين واتساب ليبدأوا استخدام سيجنال.
كلوب هاوس يهدد
قبل فترة قليلة، ظهر تطبيق كلوب هاوس، وهو تطبيق يعمل على طريقة ياهو القديمة إذ يتيح تدشين غرف صوتية يتم النقاش خلالها في مواضيع محددة.
فور ظهور التطبيق الجديد ولفت الأنظار ليبدأ عدد كبير من مستخدمي فيسبوك إلى استخدام كلوب هاوس ليكون بديلا عن مواقع التواصل الاجتماعي المتاحة حاليا والتي تنتهتك بشكل صارخ لكافة قواعد الخصوصية.
وكشفت دراسة لمركز أبحاث بيو أن 51% من المراهقين يستخدمون فيس بوك، في حين تزيد النسبة إلى 85% لموقع يوتيوب و72% لإنستغرام و69% موقع سناب شات.
يبقى السؤال.. هل يقدر فيسبوك على مواجهة التحديات الجديدة؟
يقول محمد عادل، الخبير التكنولوجي، أن الفترة الاخيرة وما يواجهه فيسبوك من أزمات متواصلة لا يمكن أن يكون بعيدا عن السياسة وموقفه الأخير في انتخابات الرئاسة الامريكية، لافتا إلى أن العديد من القوى في العالم أدركت مدى قوة فيسبوك وشبكات التواصل الاجتماعي وكيف تحولت إلى أداة يمكن استغلالها لخدمة الحكومات المختلفة.
وأضاف عادل، في تصريح لـمصر360، أن عملاق التواصل الاجتماعي يواجه عقوبات رادعة على خلفية موقفه السياسي بحجبه للحسابات الرسمية للرئيس السابق دونالد ترامب.
وأوضح أن الفترة المقبلة سوف تشهد محاولة سحب البساط من تحت أقدام مواقع التواصل الاجتماعي إذ إنها خلال سنوات طوال اخترقت الخصوصية وانتهكت كافة الأعراف المعمول بها على رأسها الخصوصية التي باتت في خبر كان، بجانب تحويل المستخدم إلى سلعة تباع وتشترى ويتم تدوير بيانات المستخديمن لصالح من يدفع أكثر وهو ما يعد سببا رئيسي اوراء ظهور تطبيقات جديدة تقدم ذات الخدمات بشكل يضمن الخصوصية التي باتت مفقودة في الفيسبوك وتويتر والانستجرام.
وتابع: “على مارك زوكربيرج أن يعي خطورة الوضع الحالي وأن هناك توجه لأن تقل قوته وقدرته على الإطلاع على العديد من الملفات دون أن يراجعه أحد، فضلا عن المكاسب المالية المهولة التي لا يريد فيسبوك أن يشاركها مع غيره”.