يتعرض الفنانون المصريون بشكل عام، والممثلة رانيا يوسف بشكل خاص، لحملات تنمر واستهداف شخصي مستمرة من قطاعات راكدة بين جمهور السوشيال ميديا، زادت حدته في الآونة الأخيرة إلى حد كبير.

ويرتدى المتنمرون أكثر من عباءة، واحدة مصممة للسخرية من أعمار الفنانين كتلك التي لاحقت الفنانة سوسن بدر حينما تمنى أحد متابعيها الموت لها، رفضا منه لاستمرار ظهورها على صفحات التواصل الاجتماعي رغم كبر سنها واصطباغ شعرها بالأبيض.

سوسن عانت مما تعانيه أبناء جيلها اللواتي قل حضورهن على الشاشة وازداد بريقهن على سجاد المهرجانات الفنية ومنصات التواصل الاجتماعي، فلا تسلم يسرا وليلى علوي وإلهام شاهين من السخرية، والأخيرة تحديدا يتربص بها الجمهور بسبب مواقفها السياسية المعادية للإسلاميين، وهو ما يستغله هذه النوعية من الجمهور لتصفية حساباته مع أعمالها الفنية التي يرونها محرضة على الرزيلة.

عباءة قل الذوق

عباءة أخرى يرتديها جحافل المتنمرين وهي “عباءة قلة الذوق” التي فاحت رائحتها من هجوم على الممثلة الشابة يسرا اللوزي، بعدما نعتتها متابعة لها على منصة إنستغرام بـ”أم الطرشة”، كنية عن إعاقة ابنتها بالصم.

العباءة الأخرى الأكثر حضورا تظهر في “الجمهور المتدين” القابع في صفحات الفنانات التي تعج باستمرار بصورهن الشخصية في مناسبات عامة وأخرى خاصة، أو المنصات الصحفية التي تتناول أخبارهن مصحوبة بصورهن.

رانيا يوسف

هذا الجمهور من السهل أن تجده على صفحة الممثلة رانيا يوسف، التي اعتادت مغازلة مشاعر الشباب المصري بتصريحات وإيحاءات جنسية، آخرها تصريحها الشهير عن امتلاكها مؤخرة مميزة، وعدم اعترافها بالحجاب الذي فُرض في ثمانينيات القرن الماضي على المصريات.

يوسف ترى نفسها “ست حرة” قبل أن تكون ممثلة حرة، وهو ما يغضب الكثيرين، وبالطبع الداعية الأزهري عبد الله رشدي، واحد من أولئك المعارضين لأفكارها، بعدما هاجمها مؤخرا: “لا تنتظروا شيئا من عقول أعظم إنجازاتها هو التباهي بمؤخِّرَاتِها”.

لرشدي رصيد في الهجوم على الفنانات، والسيدات بشكل عام، فيعمد طوال الوقت في خطابه إلى ازدراء المرأة وعملها، وتحمليها مسؤولية انتشار وقائع التحرش، واصفا إياها بـ”السيارة المفتوحة”.

ولطالما استخدم رشدي وصف الفنانات الخليعات عند الحديث عن الفن، إذ يرى أن الفنانة “قدوة على الشاشة وأولى بالاحتشام والبعد عن الخلاعة”، لأنها تملك منبرا فعليها أن تستغلَّ تلك الشاشة في نشر ما يرضي الله، وينفعها في قبرها وينفع المجتمع الذي يشاهد أعمالها.

هذا الخطاب الذي ينتهجه رشدي، والذي تتنصل منه المؤسسات الدينية الرسمية بالمناسبة في الوقت الحالي، يمكن ملاحظته وتعقبه في ردود معلبة تستخدمها ممن نسميهم إعلاميا بالكتائب الإلكترونية الذين يربطهم رابط واحد استخدام الدين في التنمر والسخرية من الفنانين.

أعادت تلك الحملات الخلافات بين التيار المحافظ القريب من المتشدقين دينيا، ونظيره الانفتاحي المحسوب على العلمانية، إلى الواجهة من جديد، وهي معركة حية لم تمت منذ أن عرفت مصر الصعود السلفي في أواخر السبعينيات، لكنها تطل هذه المرة من بطن موجة التنمر ضد الفنانين في مصر، باستخدام الكتائب الإكترونية.

مصطلح الكتائب الإلكترونية لا يبدو جديدا أو غريبا على الأسماع، لكن اللافت هو اقتحامه العالم الفني بعدما أتم مهمته سياسيا.

خلط الفن بالسياسة في سنوات الربيع العربي، جعل الفنانين أطرافا في المعادلة بكل تأكيد، فمن يؤيد التغيير يتعرض للهجوم باستمرار من أنصار النظام، ومن يعادي حكم الإسلاميين يتعرض للهجوم من أنصارهم، وهو ما تبين في حديث سابق للفنانة المؤيدة للنظام سماح أنور، التي أعلنت تعرضها لحرب شرسة من الكتائب الالكترونية منذ عام 2011، مشيرة إلى هذه الحرب تعتمد على الكذب والتدليس.

تكسير القوة الناعمة

“لدي انطباع أن الهجوم على الفنانين المصريين في الفترة الأخيرة جزء منه ممنهح، وجزء آخر ناتج عن تولد إحساس لدى الجمهور أنه يستطيع التحدث مع النجوم عبر صفحات التواصل الاجتماعي وإجبارهم على رأي معين ومن ثم التربص بهم” يقول الكاتب محمد عبد الرحمن، رئيس تحرير موقع إعلام دوت كوم، المعني بأخبار الفنانين.

عبد الرحمن يرى أن ما يحدث هو تكسير للقوة الناعمة في مصر باستهداف المثقفين والفنانين، حيث توجد مجموعات لا يعجبها آراء الفنانين ومواقفها السياسية وتربط ذلك بالحياة الشخصية.

وبرأي الصحفي الناشط في الأوساط الفنية، فإن السوشيال ميديا غيرت موازين القوى وتساوت معها الرؤوس، لذا القراء بإمكانهم محاصرة الفنان من خلال تعليقات سلبية تهز ثقته في نفسه وتجعله خائفا في نشر تفاصيل حياته الخاصة من صور أو منشورات، كما أن الصحافة المصرية ساعدت في نشر هذا النوع من التعليقات.

ومؤخرا، قاد فنانون وإعلاميون حملة لوقف التنمر ضد المشاهير، ودعوا لوضع تشريعات صارمة بحق المتحرشين والمتنمرين بالمشاهير.

الدعوة إلى السينما النظيفة

وبينما يتعرض فنانات للتشهير بسبب أعمالهن الفنية، يبرز دعوات من الفنانين أنفسهم من حين لآخر لعودة السينما النظيفة، ذلك الفن الذي لا يشجع القبلات في السيناريوهات ويخلو من التنانير القصيرة والسيناريوهات الخالية من الإيحاءات.

يلفت محمد عبد الرحمن إلى أن الوازع الديني أحد العوامل المؤثرة في رؤية الكثيرين للفن باعتباره محرضا على الرزيلة وهدم قيم المجتمع، وهم يرون أن الفن وسيلة للانحلال لذا يحاسبون الفنان على فاتورة الفن بشكل عام.

ميلشيات الرداءة

يمسك الباحث إسلام ميلبا خيط آخر في محاولة تفكيك هذا المشهد، ويستخدم مصطلح “ميلشيات الرداءة” في وصف التحرك الأخير للمتنمرين، لافتا إلى أن ما يحدث نتاج بنية أساسية للرجعية وخطاب ذكوري قديم بدأ مع اعتراض الرجعيين على دخول البنات للجامعة.

يحصر ميلبا “ميلشيات الرداءة” في المدونين المحسوبين على التيار المحافظ الذي بنى أعمدته منذ تصاعد الخطاب الديني الشعبوي في حكم الرئيس الراحل أنور السادات، في الفترة التي نسميها عصر الصحوة الإسلامية.

وبرأي إسلام ميلبا، فإن هذه المرحلة أفرزت خطابا تحريضيا ضد فئتين في المجتمع: الأولى المسيحيين والثانية النساء، لذا انتشرت خطب الشيخ عبد الحميد كشك ضد المسيحيين في ذلك التوقيت.

عرف عن كشك انتقاده الدائم لأهل الفن والفنانات، حيث سبق وأن هاجم الراحلة شادية أكثر من مرة، كما اتهمه مثقفون مصريون بالتحريض على العنف ضد الأقباط خلال فترة السبعينيات.

يربط ملبا الكتائب الحالية التي انطلقت من المنتديات الإسلامية مثل إسلام أون لاين بالخطاب القديم، فهو يراها كتائب ذكورية تمتلك دوافع عدوانية غرضها استباحة الستات واستضعاف أي أقلية، مشيرا إلى أنهم اعتادوا على إغراق الصفحات بعبارات موحدة وحملات مثل “لن ينتهي الغلاء ما لم تتحجب النساء” التي مولتها السعودية للتيار السلفي المتصاعد حينذاك.

“الخليج لم يعد يدعم هؤلاء الآن في ظل الانفتاح الجديد، السعودية تصرف الآن على عمرو دياب وليس عمرو خالد، لذا يبقي الإنترنتهو المتنفس الوحيد لجيل أظهر إفلاسه ويضع أمامه المسيحيين أو الستات لإظهار شعبيته”.

وعلى الجانب الآخر، كسب أبناء التيار المحافظ في مصر خلال هذه الفترة أرضية لم تكن موجودة بعد انحسار التيار السلفي، استمدوها من الانتشار الكبير لعبد الله رشدي، الذي صنع خطابا موازيا للمؤسسات الرسمية، بمفردات “الدفاع عن الرجولة واستنكار أفعال الدياثة”.

عبدالله رشدي

برز هذا بشدة في الحملة التي قادها رشدي ضد مسلسل “هذا المساء” بعد إعادة تداول مشهد للفنانة أروى جودة، معتبرا هذه المشاهد تؤسس لفكر الدياثة في المجتمع بين الرجال، وتنتزع من الناس خلق الحياة، وتشوه الفطرة الخُلُقية التي فطر الله الناس عليها.

أحمد مختار، شاب في الثلاثينات، عضو سابق في حركة “حازمون”، نسبة إلى مؤسسها السلفي حازم صلاح أبو إسماعيل، يعتبر نفسه الآن من مريدي رشدي، كونه يمارس أدوارا هدفها تقويم المجتمع وإبعاده عن الرزيلة.

ابتعد مختار فترة طويلة عن التفاعل على حسابات مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب التضييق على الإسلاميين عقب عزل محمد مرسي في صيف 2013، لكنه عاد مؤخرا إلى الساحة بعد انتشار دعوات عبدالله رشدي.

يقول مختار: “لست درويشا لرشدي لكنه يدافع عن معتقداتي وآرائي في الدين، قد يكون اضطر لكتابة تعليق أو المشاركة في هاشتاج نصرة للقضية”.

“أغضب من منشورات الفنانات: كيف أقف متفرجا على تصريحات فنانة عن جمال مؤخرتها ورفضها للحجاب والعري المستمر، كيف أورج لفيديوهات لفتيات ترقصن، كيف نسمح لتمرير مواد درامية لا تعارض الدياثة” يدافع مختار عن تعليقات التيار المحافظ في القضايا الأخلاقية المثارة حاليا.

ويستبعد الشاب كذلك وجود روابط مشتركة بين هذه التعليقات إلا الدفاع عن الأخلاق، لافتا إلى أن كلام رشدي يحظى بتقدير وإعجاب من فئات كثيرة ترفض رؤية “المعاصي” أو تطبيعها مجتمعيا.

في هذا السياق، تبرز اسم صفحات إسلامية تتبنى هذا الخطاب، من بينها “نهاية الإلحاد” التي تعرف نفسها بأنها صفحة مختصّة في نقض الإلحاد و تعريته بالحجّة و البراهين بالمصادر الموثّقة.

تلاحظ على الصفحة منشورات من نوعية ضد انتشار الإلحاد ورفض التعاطي مع الشذوذ الجنسي والتخلي عن القيم الاجتماعية في أعمال السينما.

“الصفحة مهتمة بالرد على الأفكار التشكيكية بصفة عامة سواء كانت من العلمانيين أو الملاحدة، وكذلك الرد على الأطروحات التي يروج لها العلمانيين تحت أي مسمى للترويج لأفكارهم سواء باستعمال الفن وغيره، وبالتالي إذا ظهر تريند حول قضية ما تهمنا فإننا نحاول المشاركة بالذي تيسر” يقول مدير الصفحة، رفض الكشف عن هويته.

يحاجج مدير الصفحة خصومه من منطلق شرعي بحت لذا تدور الحملات والردود في هذا الفلك بشكل مستمر: “نحن ننطلق من قول الشرع الاسلامي في هذه الأمور، لأنه غايتنا في هذه الحياة أن نعيش كما أمرنا الله عز وجل بعيدا عن ما يتبناه العلمانيون من أفكار مستوردة من وراء البحار متأثرين بما يقدمه الغرب”.

يواصل حديثه: “وطالما هذا الذي يسمونه فن فهو يضم مخالفات شرعية مثل العري ونشر التفسخ الاخلاقي والمياعة والدياثة والتفاهة فلهذا نحن ضد هذا الذي يسمونه فنا ونعتبره عفنا، بالمقابل لا نرى مانعا من التمثيل وما شابه إذا كان ينشر الفضيلة ويحث المجتمع على ما يمكن أن يرسخ في العقل الباطن للأفراد ما يمكن أن يدفعهم للخير والخلق الفضيل”.

يقيم مدير صفحة نهاية الإلحاد حرب الكتائب الإلكترونية بأنها جزء من خطاب واسع، فــ”العوام من المسلمين عند رؤيتهم للرد على شبه العلمانيين ومن على شاكلتهم فإنه عند مصادفته لذات الشبه التي عرف الرد عليها لا يعود يتأثر بها وإنما يكون كوَّن معرفة خاصة تمكنه من التمييز بين الصح والخطأ”.

يأمل الشاب إنشاء صفحات كثيرة منذ هذا النوع حتى تكون لهم النتائج المرجوة، فيجب أن” تكون منابر كثيرة في شتى الأماكن حتى يصل صوت الحق لأغلب الناس وهم لهم حرية الاختيار فما علينا إلا البلاغ”.

تكمن المعالجة، ومن وجهة نظر محمد عبدالرحمن، في تجنب الفنانين لإثارة الأزمات بمنشورات مستفزة أو صور خارجة عن المألوف المصري، بالتوازي مع تنشيط الدعاية الإيجابية للفن المصري وقيمته في المجتمع، لأن الفنانين يدفعون فاتورة مواقفهم السياسية والشخصية والدينية في أحيان كثيرة.